وادي زم … ماضيها أحسن من حاضرها

تهميش جمالية المدينة الفرنسية وإغلاق المعامل وتشريد الأسر وغياب التجهيز بالأحياء الفقيرة وادي زم أو مدينة الشهداء، كما سماها المؤرخون، عاشت فترة ذهبية إلى غاية نهاية السبعينات، وبعدها تكالبت عليها الظروف ومسؤولوها المحليون، وتنكر لها كبار الشخصيات المتحدرون منها. لتتحول إلى مدينة منكوبة تعاني على صعيد جميع المجالات. طرق مهترئة وإنارة ضعيفة ومحطة حافلات عشوائية وملاعب كارثية وشركات صدت أبوابها في وجه الشباب ومؤسسات صحية منكوبة...، مدينة عاشت فترة ذهبية يحكيها الأجداد ما قبل الاستقلال وبعده. إنجاز: عبدالحليم لعريبي بالمدخل الغربي لوادي زم على الطريق السيار، يستقبلك مقطع مهترئ للسكة الحديدية وعلى بعد كيلومتر، حي الإنارة الشهير ب "دار الضو"، بنايات عشوائية تغرق في الظلام وأزقة مهترئة، وأطفال صغار يلعبون في برك مائية. بعض من الأسر مازالت تحتفظ بالأفران التقليدية البدوية "ينور". أغلب سكان هذا الحي من نازحي الجماعات القروية بقبيلة السماعلة. أحزمة البؤس المدخل الشرقي لمدينة الشهداء، فهو أكثر سوداوية من "دار الضو"، إنه حي المسيرة، التي يقطنه حوالي ثمانية آلاف نسمة، رائحة نثة تنتشر من هنا وهناك، بسبب غياب قنوات الصرف الصحي، والبغال والحمير مربوطة أمام المنازل التي بنيت أغلبها بطرق عشوائية، وعائلات تكتوي بنار الفقر والهشاشة الاجتماعية. حي المسيرة بني قبل عقدين من الزمن، بعدما كان عبارة عن منازل معزولة عن المدينة، وتحول هذا الحي إلى خزان انتخابي في العقدين الماضيين، فكلما اقتربت الانتخابات الجماعية أو التشريعية، وإلا نزل إليه المرشحون أصحاب المال والأعمال، قصد استمالة أصوات الناخبين والتأثير عليهم بالنفوذ، ضمنهم وزراء سابقون. معاناة السكان بهذا الحي من ضعف شبكات التطهير، زادته روائح مطرح أزبال المدينة الرئيسي بطريق أبي الجعد، والذي ينقل الروائح الكريهة حتى إلى باقي الأحياء غرب المدينة حينما تكون الرياح قوية. أحياء أخرى تشهد خصاصا كبيرا في التجهيزات. الحرشة والعتورة والسكيكيمة وأطراف من أحياء درب اسعيد والمصلى القديمة ودلاس....، تفتقد هذه الأحياء بدورها للكثير من شروط الحياة الكريمة من كهرباء وماء وشبكات للصرف الصحي...، هؤلاء السكان لم يبقوا مكتوفي الأيدي، فنظموا قبل السنة الماضية وقفات احتجاجية أمام بلدية المدينة، للمطالبة بربط منازلهم بالكهرباء. ويقول محمد اهريدة ابن المدينة والإطار النقابي سابقا "يصعب التوجه إلى الحمامات في الصباح الباكر بسبب ضعف الإنارة"، مؤكدا أن المدينة تعاني ضعفا في الشبكة سيما بالأحياء الهامشية. غياب التجهيزات الكافية وضعف الدخل المحدود لهذه الأسر القاطنة بأحزمة المدينة، التي تعاني الأمرين في توفير شروط العيش الآمن، دفع بالعديد من أبنائها إلى مغادرة المدينة نحو مدن أخرى بحثا عن مورد رزق، فيما اختار آخرون الهجرة السرية نحو إيطاليا وإسبانيا. محطة حافلات عشوائية ساحة الشهداء بالمدينة التاريخية، مازالت الكنسية الكاتوليكية تتوسطها. ذكريات ارتبطت بهذه الساحة التي سقط فيها الآلاف من الشهداء، في ذكرى ثورة 20 غشت 1955، كما سقط فيها المعمرون على يد المنظمات الجهادية التي كانت تنشط بالمدينة كاليد السوداء. هذه الساحة باتت مرتعا للمتشردين من كل المناطق، ساحة ذهبية وجد فيها المختلون الذين ترمي بهم السلطات من مختلف المناطق في القطارات المتوجهة إلى المدينة، باعتبارها آخر نقطة للسكك الحديدية بالجهة الوسطى. وتحولت إلى محطة عشوائية للحافلات القادمة من مختلف المدن، وشوهت جمالية المدينة الفرنسية. بحيرة القمامات حينما حط الاحتلال الفرنسي عتاده بالمدينة في 1917، وأطلق عليها اسم "بوتي باري" أنشأ بها بحيرة على شكل خريطة فرنسا، بمميزات تشهد على عهد الجنرال ليوطي. البحيرة كانت إلى بداية التسعينات تضم قردة وسط شباك حديدية، كما كان يتوسطها أسد داخل شباك حديدي في فترة ما بعد الاستقلال، وظلت وجهة ترفيهية لسكان المدينة والأجانب الذين ظلوا بقطنون بها، لكن مع مرور الزمن، غابت الأسماك، وتحولت البحيرة إلى ما يشبه "ضاية" تجمع مختلف الأكياس البلاستكية والقمامات، بعدما زينتها النافورات طيلة عقود من الزمن، ولم تكن متنفسا لسكان وادي زم وحدهم، بل كانت تقصدها عائلات من النواحي كأبي الجعد ومولاي بوعزة والفقيه بنصالح.... محطة القطار... احتجاجات ضد الإغلاق قبل سنتين تفاجأ سكان المدينة بإغلاق المكتب الوطني للقطارات للسكة الحديدية بالمدينة، هذه السكة أنشئت كأول محطة بالمغرب من قبل الاحتلال الفرنسي قبل 105 سنوات. ربط خليفة الصيري البرلماني السابق الاتصال بالمكتب الوطني للتأكد من الخبر، فتلقى صدمة بأنه خبر صحيح، وبأن مصالح مكتب القطارات ستخصص حافلات صغيرة لنقل ركاب القطار من خريبكة إلى وادي زم. نشر المسؤول التشريعي السابق الخبر على صفحته بـ"فيسبوك"، فتحول الأمر إلى ما يشبه حراكا افتراضيا لتنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات ضد قرار الإغلاق. توحدت الفعاليات السياسية والجمعوية، فخرجت في وقفة احتجاجية في نهاية أسبوع، وبعد يوم واحد، عاد القطار إلى المدينة بعدما توقف أسبوعين، رغم أن سكان الجهة كانوا يأملون تحديث الشبكة وربطها بمركز جهة بني ملال خنيفرة. إغلاق المعامل كانت مدينة الشهداء في العقود الماضية تتوفر على وحدات صناعية توظف يدا عاملة مهمة، وتدر مداخيل على أهل المدينة. شركات "إيكوز" و"لسيكون" و"فارتيما" و"كوبارتيف"...معامل ظلت رمزا للتشغيل بوادي زم، لكن مع مرور الزمن تحولت هذه المصانع إلى ما يشبه أطلال. أغلقت المؤسسات الصناعية أبوابها وشردت عمالها، وكان معمل "إيكوز" للنسيج يشغل لوحده 500 عامل، فوجدت العائلات قبل عقدين من الزمن نفسها في الشارع. المؤسسات التعاونية الفلاحية التي صمدت عقودا من الزمن وعرضت السنة الماضية للبيع في المزاد العلني بالمحكمة التجارية بالبيضاء. السريع... مشاكل مستمرة لا تعاني مختلف المرافق من الخصاص فخسب، بل حتى فريق سريع وادي زم الذي تأسس قبل حوالي 100 سنة يعاني الأمرين. فريق تاريخي يعتبر أول فريق وطني يواجه فريقا أجنبيا ويتعلق الأمر بسريع فينيا النمساوي. ورغم عراقة الفريق إلا أنه ظل يعاني من مشاكل كبيرة، علما أنه كافح بسواعد أبناء الشهداء ليصعد إلى القسم الأول في 2017 بإمكانيات مالية ضعيفة بعدما توفرت الأيادي النظيفة في التسيير. فريق بدون ملعب للمقابلات مع أندية القسم الأول، وقاوم خمس سنوات بقسم الصفوة، ليسقط السنة الماضية إلى القسم الثاني. الملعب البلدي توقف عن الاستقبال قبل ثلاث سنوات، من أجل الأشغال، لكن حتى الأشغال توقفت به سنة كاملة، لينطلق من جديد، ورمى بالفريق للانتقال إلى خريبكة لاستقبال مبارياته للسنة الثالثة على التوالي. وحتى ملعب التداريب بالمسيرة يعتبر منكوبا، وعانى الفريق بقسميه الأول والثاني في التنقل بين ملاعب أبي الجعد والعاصمة الفوسفاتية، ورغم عودته إلى ملعب المسيرة إلا أن شروط التدريب به تبقى صعبة. الحنين إلى مستشفى 20 غشت كان مستشفى 20 غشت بوادي زم، خلال الحقبة الاستعمارية يضرب به المثل، وكان وجهة للمرضى من مختلف مناطق المغرب سيما من الأطلس المتوسط. مستشفى يشرف عليه أطباء عسكريون ومدنيون أجانب، يتضمن مختلف التخصصات، لكنه اليوم بات يوفر خدمات بسيطة. ورغم إحداث المستشفى المحلي محمد الخامس بالمدينة، فإنه يعتبر من المؤسسات الصحية المنكوبة، إذ اقترح بعض النشطاء تحويل اسمه إلى "سير لخريبكة" في إشارة إلى أن مختلف التخصصات توجد بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني بالعاصمة الفوسفاتية. اهريدة: معاناة في جميع المجالات قال محمد اهريدة ابن المدينة وعضو حزب الطليعة سابقا، وعضو مكتب الشركة الرياضية لسريع وادي زم، أن المدينة تعاني خصاصا على صعيد مجموعة من المجالات. وشدد اهريدة أن الطرق بمدينة الشهداء مهترئة باستثناء إصلاح المدخل الشرقي في اتجاه أبي الجعد عبر الطريق الوطنية، والحفر تنتشر هناك وهناك، "هذا المشكل يعلمه كثيرا أصحاب سيارات الأجرة أثناء تنقلهم بين الأحياء"، مضيفا أن الوضع الصحي بالمدينة يعاني خصاصا كبيرا سيما قسم المستعجلات في القضايا المرتبطة بالجروح الخطيرة وأصبح المرضى لا يتلقون سوى عبارة "خاصك خريبكة". ويضيف المتحدث نفسه أن ملاعب القرب بدورها ضعيفة باستثناء ملعب المقاومة الذي تتوفر فيه شروط ممارسة اللعبة، مشيرا إلى أن أغلب ملاعب القرب الأخرى تكاد تكون ضعيفة. ولا يخفي المتحدث نفسه بأن مجموعة من المرافق الراضية والصحية والثقافية في حاجة إلى إعادة النظر، بل حتى المدينة في أمس الحاجة إلى التفاتة لإعادة تأهيلها حضريا وإعادة توهجها بعدما عانت من الظلم محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.

وادي زم … ماضيها أحسن من حاضرها

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بيع 15 هكتارا بوثائق مزورة

اعتقال مروجي مخدرات بمراكش

مقالات ذات صلة