fbpx
ربورتاج

“التريبورتورات” … “خطافين الرواح”

بعض سائقيها جانحون لا يعترفون بالقانون ويسلكون الاتجاهات الممنوعة ويتسببون في حوادث ومآس

تحولت دراجات “التريبورتور» من وسيلة مؤقتة إلى وسيلة نقل دائمة أمام استفحال أزمة النقل، التي تعانيها البيضاء. غير أنه في الوقت الذي كانت فيه السلطات تعتقد أن الترخيص بإدخال هذا النوع من الدراجات الثلاثية العجلات سيساعد على محاربة البطالة عن طريق التشغيل الذاتي، تفاجأت بتحولها من وسيلة لنقل البضائع إلى عربة لنقل الأشخاص. ولم تقف الصدمة عند هذا الحد، بل زادت بعدما تحولت هذه الدراجات الثلاثية العجلات إلى قنبلة موقوتة تجوب شوارع وأحياء المدن ومناطق متعددة بأقاليم المغرب، إثر تضاعف عددها بشكل مخيف، خاصة أمام المشاكل التي يتسبب فيها سائقوها وكذا المخاطر التي تتربص بركابها وباقي مستعملي الطريق، سواء كانوا راجلين أو سائقي وسائل النقل الأخرى.

إنجاز : محمد بها / تصوير (عبد اللطيف مفيق)

«واش هاد صحاب التريبورتور ماكينش اللي اردعهم؟”، “فهاد كازا والنواحي خاصك تحضي مع “التريبورتورات» كثر من الرموكات حيت ماكتعرفهمش منين كيخرجوا ليك”، صحاب الدراجات النارية الثلاثية العجلات ماعندهمش مع القانون ماكاين غير الأنتيردي»، «باز لدوك العيالات والناس اللي كيركبو مع شيفورات ماعارفينش أش كيديرو»…هي عبارات تلخص الاحتقان الذي تسبب فيه أصحاب الدراجات النارية الثلاثية العجلات بعدما تحولوا بسبب سلوكاتهم غير السوية إلى شبح يطارد مستعملي الطريق ويتهدد حياتهم.

فتوات يشرعنون الفوضى
يكفي القيام بجولة وسط عدد من الأحياء والمناطق بالعاصمة الاقتصادية، التي تعتبر صورة مصغرة لغزوات “التريبورتور» في باقي المدن والأقاليم، لمعاينة مشاهد الرعب التي يتسبب فيها أصحاب هذه الدراجات الثلاثية.
ومن الأمور الخطيرة التي تستدعي تدخل الجهات المسؤولة، ما تشهده الأحياء الشعبية والهامشية من سطوة فتوات و”منحرفين” من ذوي السوابق القضائية، استوطنوا الأزقة والشوارع وقرروا شرعنة قانون خاص بهم، مضامينه إشاعة الفوضى والغلبة للأقوى.
ورغم محاولات بعض أصحاب هذه الدراجات النارية تبرير سلوكاتهم برغبتهم في إعالة عائلاتهم والقطع مع ماضيهم في السرقة وارتكاب الجرائم «اللهم نخدم بدراعي ولا ندي ديال الناس”، إلا أن ممارستهم لأنشطتهم المتنوعة بين نقل البضائع وحمل الركاب بالاستهتار بالقانون وعدم احترام الآخرين، يكشف المخاطر التي صارت مرتبطة بوسيلة «التريبورتور» بعدما أصبحت النساء ضحية لتحرشات فتوات يرتدون ملابس خاصة بـ”التشرميل».
وتزداد حدة ممارسات بعض أصحاب “التريبورتور» يوما بعد آخر وتتنوع بين عدة سلوكات، من بينها الحرص على تدخين مخدر “الحشيش” أمام المارة والتلفظ بعبارات خادشة للحياء خلال محادثاتهم ومزاحهم الثقيل أثناء التسابق على الظفر بزبون، وهي الملاسنات التي تتطور إلى مشاجرات ومعارك دامية، مع منافسيهم في “الحرفة” أو سائق يحتج على سلوكهم أو يتشبث بعدم السماح لهم بإثارة الفوضى في الطريق.

غزو الأحياء الراقية
تحركات الدراجات الثلاثية العجلات، أو كما يطلق عليها “خطافة الرواح»، لم تنحصر في الأحياء الشعبية أو الهامشية، التي أصبحت محمية خاصة لأصحاب “التريبورتور»، بل بلغت الجرأة بهؤلاء المخالفين إلى حد استباحة المناطق الراقية خاصة المعاريف وأنفا.
«الحي الحسني، الألفة، ليساسفة، الرحمة، درب السلطان…يالله شكون غادي؟» عبارات تتكرر يوميا على مسامع مجموعة من الأشخاص بشارع إبراهيم الروداني بالمعاريف، سواء الواقفين في انتظار قدوم الحافلة، أو المتوجهين لقضاء مصالحهم الخاصة، حتى صارت مشهدا مألوفا لدى البيضاويين، وهي عبارات يخاطب بها سائقو «التريبورتور» كل يوم مجموعة من الأشخاص الذين ينتظرون الحافلة في موقفها بشارع إبراهيم الروداني بالمعاريف وقرب محطات “الطاكسيات».
في كل يوم يقف خطافة “التريبورتور» بدراجاتهم النارية التي تحولت إلى “براكة متنقلة” في مواقف الحافلات أو سيارات الأجرة للمناداة على الزبائن من أجل نقلهم، تفاديا للانتظار الطويل وقدوم الحافلة أو سيارة الأجرة، وبالتسعيرة نفسها.
وبفضاءات متعددة بشارع أنفا حيث يتوقف سائق «التريبورتور» لعرض خدماته قبل أن يحرك دراجته بصوت مزعج بعد أن يكون قد استقطب اثنين أو ثلاثة من الركاب من محطة حافلات النقل الحضري، فحتى هذا الشارع الراقي لم يسلم من ظاهرة أصحاب الدراجات الثلاثية العجلات في أوقات الذروة.

محطات قارة
رغم أن نشاطهم لنقل المواطنين يعتبر محظورا، إلا أن تحركاتهم أصبحت مشهدا مألوفا وظاهرا للعيان بمختلف أحياء البيضاء، وحتى من هو غريب عن المدينة، فكل من يريد الاستفادة من هذا النوع من الخدمات ما عليه سوى التوجه إلى «التريبورتورات» المركونة جانبا بمحطات قارة تنافس سائقي سيارات الأجرة التي فضل أصحابها التعايش مع هذا النوع من “الخطافة” تجنبا للمشاكل، وعلى سبيل المثال، هناك محطة بأولاد أحمد والرحمة و50 بالألفة والحي الحسني وليساسفة ودرب السلطان والقريعة والبرنوصي وعدد من الأحياء الشعبية، ويشمل ذلك بعض المنتظرين للحافلات، التي قد تأتي أو لا تأتي. في حين يفضل عدد من المواطنين انتظار الحافلة أو سيارة الأجرة لساعة من الزمن، بسبب عدم ثقتهم في سائقي الدراجات الثلاثية العجلات وكذا المخاطر المرتبطة بسياقتهم غير السوية.
وساهمت عوامل عديدة في بروز ظاهرة “التريبورتورات»، فلتحقيق غاية الوصول إلى وجهاتهم المختلفة في الوقت المناسب، فضل عدد من المواطنون نساء ورجالا ركوب مغامرة محفوفة بالمخاطر، عن طريق الاستعانة بسائقي «التريبورتور»، رغم علمهم بمخاطرها على أمنهم وسلامتهم الجسدية وحياتهم، خاصة أن سائقيها يتميزون بالسياقة بسرعة جنونية والقيام بسلوكات غير سوية.

حوادث قاتلة
مشاكل سائقي “التريبورتورات” لا تنتهي، إذ يكفي القيام بجولة بعدد من الطرق لمعاينة حوادث الاصطدام مع بعض سائقي هذا النوع من الدراجات النارية، الذين لا يعيرون أدنى اهتمام للقانون أو لحياة مستعملي الطريق، رغم التسبب في إصابتهم بجروح خطيرة لأنهم يكتفون بالفرار من مسرح الحادث، تجنبا للمساءلة والاعتقال، خاصة أن جلهم يكون في حالة غير طبيعية نتيجة تناول أصناف مختلفة من المخدرات وكذا تسابقهم للوصول إلى وجهاتهم والعودة إلى محطاتهم المعروفة لحمل زبائن آخرين، طمعا في تحقيق ربح سريع.
ولا تنحصر مخاطر دراجات “التريبورتور” في حوادث سير قاتلة تهدد مستعملي الطريق من سيارات وراجلين، بل يمتد الخطر إلى السائقين أنفسهم وركاب هذا النوع من الدراجات النارية، إذ تم تسجيل عدد من الحوادث التي تطورت إلى مآس، إثر انقلاب هذه الدراجة التي يفقد صاحبها التوازن بسبب السرعة المفرطة أو صعوبة التحكم في الدراجة، خلال الرغبة في تغيير الاتجاه خصوصا في المنعرجات، وهو ما أدى إلى تكرار الحوادث وارتفاع حصيلة الجرحى والقتلى، آخرها الفاجعة التي حلت بأسرة كاملة بسيدي رحال.
ولا تتوقف سلوكات الترويع عند تهديد سلامة فئة المواطنين، بل تمتد إلى المصالح الأمنية، من شرطة ودرك، فالجميع معرض إما للدهس أو الضرب أو التعنيف اللفظي والجسدي.

ترهيب مستعملي الطريق
بمجرد توغل السائق داخل طريق الرحمة وكذا طريق الجديدة بليساسفة وبدرب عمر ودرب السلطان وعين السبع وسيدي مومن والبرنوصي وغيرها من الأحياء بالبيضاء، يتفاجأ بسماع هزات وأصوات مزعجة قبل أن يتبين له مرور دراجة «التريبورتور»، على مسافة ضيقة بجانبه في محاولة لتجاوزه وباقي السيارات والناقلات المتوقفة أو التي تسير بسرعة محددة.
وأصبح استعمال الطريق شبحا يقض مضجع السائقين والراجلين، فعلى امتداده يصادف السائقون بمختلف أنواع المركبات، دراجات “التريبورتور” فباستثناء بعض سائقيها من كبار السن الذين يسوقون وفق “العقل” ويحرصون على احترام قواعد السير والجولان، فإن فئة الشباب خاصة المتهورين أو المتحمسين بتأثير المخدرات، يسوقون بسرعة جنونية، إذ لا يحترمون إشارات المرور ولا يميزون بين علامة المنع أو إشارة “قف” أو ممر الراجلين وحق الأسبقية، فالطريق بالنسبة إليهم مستباحة لمن يُحسن القيادة على طريقة سباق “الرالي”.
وأضاف سائقو السيارات أن تهور أصحاب دراجات “التريبورتور» التي يصادفونها في الطريق، جعلهم يعانون الأمرين، فإما ارتكاب حوادث سير باصطدامها مع الدراجة المخالفة القادمة من الجهة المعاكسة أو الهروب إلى جهة أخرى، في محاولة لتفادي الاصطدام بها وتحمل تبعات القرار الذي ينتهي بانقلاب المركبات التي يسوقونها أو صدم أحد مستعملي الطريق.

“المسؤولون آوت”
ساهم عدم القطع مع ظاهرة “فوضى سائقي التريبورتور»، بعد تورط أصحابها في حوادث سير خطيرة، في تشجيع عدد آخر من ذوي السوابق، على استغلال هذه الوسيلة للقيام بعمليات السرقة والاعتداءات الجسدية على من يكون ضدهم أومن يحاول الاحتجاج على تصرفاتهم، ومواصلة إثارة الفوضى والمس بالأمن والنظام العامين.
ولعل ما يقع بعدد من المقاطعات بأحياء العاصمة الاقتصادية وضواحيها، سواء وسط الأحياء الشعبية، أو الراقية، يطرح أكثر من علامة استفهام، حول من يقف وراء تسيب سائقي “التريبورتور”؟ ومن يحميهم من المساءلة عن مخالفات للسير وإثارة الفوضى وتهديد سلامة الراجلين والسائقين؟ كما هو الحال بأحياء المعاريف وفضاءات عين الذئاب ومنطقة أولاد أحمد 1 التابعة لعمالة النواصر وحي الرحمة ومحطة 50 بالألفة وليساسفة والحي الحسني والفداء مرس السلطان وسيدي مومن وغيرها من المناطق والأحياء، دون أن تتحرك السلطات لطردهم أو حجز دراجاتهم.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى