يمكن من استخدام أمثل للموارد وإطالة دورة حياة المنتجات وإعادة تدوير مكوناتها بقلم: عبد السلام الصديقي (*) لا شيء يضيع، كل شيء يمكن أن يتحول، هذا هو الدرس المستفاد من رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي نشر أخيرا وثيقة تحت عنوان: "إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في مجال معالجة النفايات المنزلية والمياه العادمة". وكعادته، قدم لنا المجلس وثيقة تغري القراء. من خلال تحليل مثل هذه الإشكالية، التي تتصدر المستجدات الراهنة، فهذه الهيأة الدستورية لا تناشد صانعي القرار فحسب، بل كل واحد منا، ما دامت المسؤولية مشتركة. علاقة جديدة بين الطبيعة والإنسان في ظل الاحتباس الحراري وانتشار الأوبئة وندرة الموارد الطبيعية، حان الوقت للعمل لضمان استدامتنا ومن ثمة حياة أفضل. وهذا يتطلب إنشاء علاقة جديدة بين الإنسان والطبيعة ومراجعة طريقتنا في الإنتاج والاستهلاك، والتي تقوم على الخطية. يخبرنا التقرير أن هذا النمط الخطي للإنتاج والاستهلاك والتخلص من النفايات غير مستدام. لا تستطيع الطبيعة أن تصمد أمام هذا "العدوان" الجماعي الذي تتعرض له يوميا: استنزاف الموارد الطبيعية، وتراكم المخلفات والتلوث، مع فقدان المكاسب في ما يخص النمو وخلق فرص الشغل. وتتمثل إحدى أهم السبل في استخدام الاقتصاد الدائري، الذي يفهم على أنه "نموذج اقتصادي مستدام، يتم فيه تصميم المنتجات والمواد بشكل يسمح بإعادة استعمالها أو تصنيعها أو تدويرها أو استعادتها، ومن ثمة المحافظة عليها ضمن الاقتصاد والاستفادة منها لأطول فترة ممكنة". يعتمد هذا النموذج على الاستخدام الأمثل للموارد وإنشاء نظام حلقات قيمة إيجابية، كما يركز بشكل خاص على النظم الجديدة للتصميم والإنتاج والاستهلاك، وعلى إطالة دورة حياة المنتجات، وإعادة استخدام وتدوير مكوناتها. 7 ملايين طن نفايات في المغرب، وفي ظل غياب سياسة متكاملة لإدارة النفايات تتمحور حول المواطن والمجال، تظل الجهود المبذولة حتى الآن محدودة ولا تزال تؤدي إلى نتائج ضعيفة في ما يتعلق بإعادة التدوير والتثمين. في هذا السياق، قدرت رواسب النفايات في 2020 بأكثر من 7 ملايين طن من النفايات، بمتوسط إنتاج سنوي من النفايات المنزلية في المناطق الحضرية يقدر بنحو 5.5 ملايين طن، أي ما يعادل في المتوسط 0.8 كيلوغرام يوميا للفرد الواحد. وفي المناطق الريفية، تشير التقديرات إلى 1.6 مليون طن سنويا، أي ما يعادل تقريبا متوسط 0.3 كيلوغرام في اليوم للفرد. حاليا لا يزال معدل إعادة التدوير منخفضا، ولم يتجاوز 10 في المائة في 2020، مع توقعات ببلوغ معدل 30 في المائة خلال هذه السنة. من المسلم به أن تنفيذ بعض التجارب المحلية قد نجح على مستوى بعض المدن مثل الرباط وفاس ووجدة وسمح باستعادة ورق الكرتون والزجاج والنفايات الصناعية الأخرى، بهدف تثمينها من قبل بعض الشركات. تحديات ندرة الموارد رغم النتائج الهامة التي تم الحصول عليها في ما يتعلق بالتطهير السائل، فإن إعادة استخدام المياه العادمة تظل محدودة. فقد بلغت نسبة إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة في القطاع الصناعي حوالي 17 في المائة ولسقي المساحات الخضراء 51 في المائة في 2020. ويعزى هذا المستوى المنخفض من إعادة الاستخدام بشكل خاص إلى صعوبات التمويل، ونقص الأراضي المتاحة وغياب قوانين تنظيمية تتعلق بمآل الأوحال المتبقية وتفريغها. مع متوسط توفر المياه للفرد الواحد يبلغ 650 مترا مكعبا وبتوزيع غير متساو بين الجهات، تحتاج بلادنا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحسين مواردها المائية، من خلال إعادة استخدامها بشكل أمثل. وفي المقابل، فإن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري سيجعل من الممكن اعتبار المياه العادمة، ليس مشكلة في البحث عن حل، ولكن جزءا من حل تحديات ندرة الموارد المائية وتلوثها. خيارات إستراتيجية على الصعيد الدولي، تقدر الدراسات أنه مقابل كل دولار أمريكي يصرف على التطهير، فإن العائد المتوقع للمجتمع هو 5.5 دولارات أمريكية. أما على الصعيد الوطني، فإن التكلفة الاقتصادية لتدهور البيئة الناجمة، على وجه الخصوص، عن الضغط الممارس على الموارد المائية (الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، تصريف المياه العادمة غير المعالجة، تغيرات المناخ وتقلباته، الممارسات غير المناسبة للتزود بالماء والتطهير والنظافة وآثارها السلبية على الصحة...) قد بلغت 11.7 مليار درهم في 2014، أي حوالي 1.26 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ومع اعتماد نمط الاقتصاد الدائري، سيعزز المغرب خياراته الإستراتيجية للاستدامة، وعلاقاته مع شركائه في مجالي البيئة والمناخ، وإتاحة الفرصة له بغية جلب مصادر تمويل أخرى من البلدان المتقدمة، التي توجه اقتصاداتها نحو حياد كربوني في أفق 2050. كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لم يغفل توضيح بعض أوجه القصور في ما يتعلق بإدارة النفايات المنزلية وإعادة استخدام المياه العادمة. في كلتا الحالتين، لدينا العديد من أصحاب المصلحة الذين يشتغلون بعيدا عن أي تنسيق، مما يحول دون بناء رؤية مشتركة ومتكاملة ومستدامة، وكذلك التقارب والالتقاء بين الخطط الإستراتيجية الوطنية والمحلية. (*) أستاذ الاقتصاد