“البـوز” أفسـد البرلمـان

لزرق حذر من خطورة نزعة أبوية وصعوبات بالغة في التفاعل مع المؤسسات فتح دستور 2011 الطريق نحو الديمقراطية البرلمانية وسريان مبدأ الفصل بين السلط وسيادة القانون واحترام القضاء واستقلاله، واضعا النخبة أمام امتحان ترسيخ مفاهيم الاختلاف الإيجابي والتسامح والسياسة المواطنة وسلطة القانون. وفي الوقت الذي يطمح فيه المغرب إلى ترسيخ ثقافة المؤسسات وتكريس التداول حول السلطة وإعطاء البدائل و تلبية تطلعات المغاربة، نجد أن النخبة أظهرت أنها فاقدة للقدرة على إنهاء زمن الصدام، في محاولة منها الالتفاف على عدم امتلاكها لمشروع، وبدل أن تتنافس في الإجابة عن التحديات، اتجهت إلى إطلاق النعوت والتنابز بالألقاب والسب والشتم واللعن وتخوين المخالفين. وانجر كثيرون إلى حروب كلامية دون أن فتح تحقيق قضائي عادل في ملفات الفساد المالي والرشوة والسطو على المال العام والمحسوبية، وكل الأمراض الاجتماعية الجديدة التي أخذت تنخر الجسم السياسي، في محاولة لإلهاء المخيال الشعبي. والمتتبع لسلوك بعض القادة الحزبيين سيجد أنهم غارقون في مستنقع تمجيد الذات، وهو ما وصفه رشيد لزرق أستاذ القانون العام بجامعة بن طفيل بنزعة أبوية تتناقض مع روح العصر، وهذا ما يجعلنا أمام أناس يجدون صعوبة بالغة في التفاعل مع المؤسسات وينتقدون التعاقد الدستوري الذي أرسى ثقافة المواطنة. ويضيف لزرق في تصريح لـ «الصباح» أن هذا التناقض يظهر جليا في كل خرجات عبد الإله بنكيران أمين عام العدالة والتنمية بشكل يجعله لا يتصور وجود تيار سياسي يمكن أن يشكل بديلا في إطار التداول السلمي للسلطة، بل يريد الجميع مريدا، يسمع ويطيع، لذلك فهو لا يتقبل النقد ويحاول كل مرة تبرير عصبيته وخروجه عن المنطق السليم بزلة لسان أو بحديث مرتجل. وأضاف المتحدث بأن الثقافة الأبوية تستعمل الآن أداة للاستلاب، ولخطاب السيطرة، في ضرب واضح للخطاب الديمقراطي المؤسساتي، الذي ينبني على أساس التواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد، لأنها لا تؤمن بالمؤسسات المرتكزة على أساس الفصل والتعاون والحوار، وفي عمقها إلغاء للسياسة والديمقراطية، مادامت الأخيرة فعلا حواريا بين المؤسسات التي تكون فضاء للاستماع إلى كل وجهات النظر والتفاوض والقبول بالحضور أقلية بالبرلمان، فلطالما سمعنا بنكيران يردد عبارته الشهيرة «فهمتيني أو لا لا»، مصرا على أسطوانة أن الشعب اختاره وأنه هو «رئيس الحكومة»، وغايته من ذلك تكريس «علاقة هرمية»، فتأويله الأبوي للدستور يجعله يسمح لنفسه بالتسلط والذهاب في اتجاه إخضاع مخالفيه حتى داخل حزبه. ويتناقض هذا النوع من السلوكات مع استقلالية المؤسسات، ويقوم على أساس احتكار الوسائط دون أن تحاسب، وسب الآخر والانشغال بالقضايا السلطوية على حساب القضايا الإستراتيجية، بمحاولة التغطية على ضعف سياسي بصناعة البوز وشيطنة كل من يختلف معه فكريا وسياسيا، مطلقا العنان لكل نوازع إقصاء الآخر المختلف، ومدعيا انفراده بامتلاك الحقيقة والكمال، مع اتهام كل من ينتقده بالتشويش، مستعملا لغة مستقاة من حقل الحيوان أو من حقل عجائبي (تماسيح وعفاريت وحمير وبغال ...)، أوصلته قمة الانحطاط الفكري والمسخ السياسي. صدمة التحديث هناك من لا يتقبل التغير، الذي أفرزته نتائج انتخابات 8 شتتبر 2021 و يتمادى في اختلاق المزيد من المبررات والمسوغات، من خلال ثقافة حزبية منغلقة تمنع استيعاب أن المغرب بلد مركب ذو هوية متعددة ضاربة في عمق التاريخ، وبحاجة إلى جهد ثقافي من شأنه تثبيت المشتركات الكثيرة بين مكوناته، ضمن ثقافة وطنية جامعة وشاملة، عوض العنف اللفظي الذي يتناقض مع تطلعات لبلوغ مشهد سياسي يؤهل السياسة لبلوغ مصاف الدول الديمقراطية، لأن ذلك مرهون حسب لزرق بقوة بتعاقد سياسي واضح بين القوى الديمقراطية التي تكون لها رؤية إستراتيجية لتجاوز واقع صدمة التحديث، لكن المعارضة الحالية أثبتت فشلها في مجاراة الزمن الدستوري. قيادات مستهلكة ومن شأن نخب «البوز» أن تغذي العنف المضاد وتعطيل قنوات البحث عن أساليب مبتكرة للتعامل مع الوضع السياسي، فالمزايدات والتشكي ليست من مقومات الأطراف التي تريد أن تكون بديلا، وبذلك أصبحت قيادات المعارضة شخصيات مستهلكة بفعل عدم القدرة على الإقناع وغياب مقومات التداول الذي يفرض على التحالف الحاكم التحلي بروح الإبداع وإيجاد حلول سريعة وتحصين سلم اجتماعي هش يتطلب جرعات إضافية من الإنصات لنبض المجتمع ياسين قُطيب

“البـوز” أفسـد البرلمـان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القاموس الحيواني... بؤس السياسة

بيد الله: لغة بنكيران تعبير عن الانحطاط

مقالات ذات صلة