نوستيك قال إن الهدف من كتابه الجديد «العدمية البراغماتية» البحث عن السعادة بطرق عملية أجرى الحوار: عزيز المجدوب قال هشام نوستيك إنه حاول من خلال كتابه الجديد "العدمية البراغماتية"، الصادر أخيرا عن منشورات "دار التوحيدي"، توظيف البراغماتية في عالمنا الفارغ من المعنى، والبحث عن وسائل عملية للفرد لتحقيق أكبر قدر من المنفعة وتفادي أكبر قدر من الضرر. وتحدث نوستيك في هذا الحوار الذي خص به "الصباح" عن مشروعه في نقد الأديان مشيرا أن هذا المشروع ما زال قائما، لكنه فضل في كتابه الجديد أن يتجه إلى مقاربة موضوع يقدم وجهة نظر جديدة في الحياة من منطلق اعتباره أننا الآن في حاجة إلى حلول عملية لمشاكل عصرنا، كما تطرق إلى مواضيع أخرى تجدونها في الحوار التالي. في كتابك الجديد "العدمية البراغماتية" اخترت التوجه نحو موضوع فلسفي وتأملي، هل يتعلق الأمر بصياغة تصور جديد للحياة أم بتلاعب ساخر بمفهومين فلسفيين معروفين سابقا؟ الجميل في "العدمية البراغماتية" هو أن لك كامل الحرية في التعامل معها بالشكل الذي تفضله. يمكنك أخذها على محمل الجد وتحليلها تحليلا فلسفيا "يليق بها"، يمكنك أيضا أن تعتبرها مجرد فكرة ساخرة. في نهاية المطاف الأمر نسبي. سأكون سعيدا جدا إذا وجد(ت) القارئ(ة) ضالته(ا) في كتابي، لكنني لن أحزن إذا كانت ردة الفعل: "تبا لك! ألهذا جمعتنا؟" ظاهريا يبدو أنك جمعت بين ما لا يجمع وهو مفهوما "العدمية" و"البراغماتية" كيف دبرت هاته المسألة؟ نعم، قد يظهر من الوهلة الأولى أن "العدمية البراغماتية" تجمع بين نقيضين. كيف للعدمية أن تكون براغماتية؟ أجبت على هذا السؤال، الذي تكرر طرحه علي، في الفصول الأولى من كتابي من خلال تعريفات مبسطة. في الحقيقة لست أول من حاول إضافة أفكار جديدة للعدمية. العدمية، رغم صحة أسسها، إلا أنها، عمليا، لا تفيدنا في شيء، بل بالعكس أؤمن أنها توجه خطير وهدام لا يخدم الفرد والمجتمع. يقينا لن نصل إلى أكبر قدر من السعادة الممكنة إلا إذا استطعنا التعامل "براغماتيا" مع حقيقة "عدمية الوجود". تدمير كل شيء أو البكاء على الأطلال لن يزيدنا إلا شقاء. هنا يأتي دور "البراغماتية" كأداة ضرورية لترويض الوحش العدمي الكاسر. ما هو الجديد الذي يحمله تصورك قياسا إلى مجهودات وتأملات فلاسفة سابقين أشبعوا هذا الموضوع تنظيرا وبحثا؟ صحيح أن مفهومي "العدمية" و"البراغماتية" كتبت فيهما كتب كثيرة، لكن لا يوجد، حسب علمي، أي مرجع جمع بين الإثنين. وحتى إذا وجد، فأنا أجزم أنه لم يربط بينهما بالطريقة التي قمت بها في كتابي. الجديد في تصوري هو توظيف "البراغماتية" في عالمنا العدمي الفارغ من المعنى، لتحقيق أكبر قدر من المنفعة وتفادي أكبر قدر من الضرر. هذا التوظيف مبني على حسابات رياضية بسيطة تسهل عليك اتخاذ القرارات السليمة في كل مجالات الحياة. هذا الجانب العملي هو بيت القصيد في "العدمية البراغماتية". ينطوي تصورك الجديد على وجهة نظر معينة لمفهوم السعادة باعتباره أحد المفاهيم الكلاسيكية في الفلسفة، وأيضا الأديان، ألا ترى أنك تعيد اجترار هذا المفهوم وفق رؤية ذاتية تنطلق من أنانية الفرد؟ "العدمية البراغماتية" هدفها الأول والأخير هو سعادة الفرد، لكنها تأخذ بعين الاعتبار إكراهات وميكانيزمات الطبيعة الإنسانية والمحيط. "العدمية البراغماتية" لا تشجعك مثلا على ارتكاب الجرائم للحصول على مصالح شخصية، لأن الأضرار المرتبطة بهذه الأعمال أكبر من المنفعة القصيرة المحتملة. سعادة الإنسان أولى من القصص الدينية هل يشكل هذا الكتاب امتدادا لمشروعك في نقد الأديان الذي بدأته في كتابيك السابقين "مذكرات كافر مغربي" و"حوار مع المسلم اللي ساكن فيا" أم مرحلة جديدة تقطع مع السجالات اللاهوتية؟ هذا الكتاب ليس امتدادا للكتابين السابقين. لكن هذا لا يعني أنني توقفت عن نقد الأديان. في الواقع، الكتاب هو نتيجة تصويت اختار فيه القراء بين مشروعي كتابين. الخيار الثاني كان كتابا عن سيرة نبي الإسلام. أعتقد أن الاختيار كان صائبا، التطرق إلى هذا الموضوع المتعلق بسعادة الإنسان في الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية حاليا، أولى من القصص الدينية. الإيمان مقابل الإلحاد نقاش بئيس كيف ترى واقع اللادينية والإلحاد في الفترة الحالية بعد الثورة الرقمية والانترنت؟ أظن أننا نقترب بخطوات سريعة من واقع جديد ستفقد فيه هذه المصطلحات قوتها. الملاحظ اليوم هو ابتعاد الناس تدريجيا عن المواضيع والجدالات الدينية. لا شك أن تقنيات التواصل الحديثة لها كل الفضل في ما يحدث. الذي يتوجب علينا فعله، أيـا كانت خلفيتنا الأيديولوجية، هو التركيز على ضرورة التعايش السلمي، لأنه الحل الوحيد لبناء مجتمع أفضل، أما نقاش الإيمان مقابل الإلحاد فهو نقاش بئيس وزائف، يستعمله عادة حراس العقيدة لتكثير المريدين ولفت الانتباه لسلعة سئم منها العباد. كورونا قزمت دور رجال الدين الملاحظ أنه في المواضيع التي صرت تناقشها عبر قناتك في "يوتوب" صارت تفاعلية أكثر مع المستجدات الصغيرة لدرجة أنها أسقطتها في نوع من الابتذال ومناقشة كل شيء. ما تعليقك؟ ليس كل محتوى أقدمه على الإنترنت هدفه تعليمي أو نقاش الآراء. صحيح أنه قديما كنت أخصص جل برامجي لنقد الأديان، لكن هذا لم يعد ضروريا في وقتنا الراهن، فالأديان في انكماش مستمر وجائحة كورونا ساهمت كثيرا في تقزيم دور رجال الدين. ما نحتاجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو معالجة مواضيع تمس إنسان القرن الواحد والعشرين. نحتاج حلولا عملية لمشاكل عصرنا، بدل اجترار ما قاله فلان أو علان في عصور ما قبل الطباعة. ألا ترى أن إصرارك على استعمال اللغة الدارجة يخلع عن أفكارك طابع الجدية ويحرم جمهورا عريضا من الناطقين باللغة العربية من فهمها. ما تعليقك؟ أرفض تماما فكرة اعتبار لغة معينة (العربية في هذه الحالة) معيارا للجدية. اللغة ليست إلا وسيلة تواصل. أنا مغربي يتكلم المغربية أتواصل مع المغاربة، ومع من يفهمون لغتي، بلغتي. ما الداعي لأن أجعل بيني وبين القارئ حاجزا لغويا؟ أليس الهدف من الكتابة هو إيصال الأفكار للمتلقي؟ إذا سألني شخص ما في الشارع عن رأيي في موضوع الانتحار مثلا، هل سأجيبه بلغة الضاد؟ طبعا لا! عندما أكتب، أحس أنني في حوار، وفي دردشة حبية، أو إن شئت "مستوني" مع القارئ، كل كلمة أكتبها لها وقع في عقلي وقلبي ووجداني، والمبتغى دائما هو أن يحس القارئ بنفس ما أحس. كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا باللغة الأم. هذا لا يعني أنني لا يهمني أمر من لا يفهم المغربية، ستكون مستقبلا ترجمات للكتاب بلغات أخرى، بما في ذلك العربية. "نوستيك"... مسار "كافر مغربي" فضل "هشام نوستيك" منذ ظهوره في مواقع التواصل الاجتماعي، التحرك باسم مستعار وملامح مستترة، ولقب اشتهر به هو "كافر مغربي"، منذ أن قرر الانتقال إلى ضفة الإلحاد واللادينية، بعد مخاض فكري ونفسي، وتجربة تدين أصولية ضمن جماعات الإسلام السياسي. تدرج نوستيك في مواقع التواصل الاجتماعي من غرف الدردشة و "البالتولك" مرورا بفيسبوك وإحداث قناة خاصة به على "يوتوب" طور فيها صناعة محتوى مرتبط بنقد الأديان ومناقشة مواضيع تتصل بها، وابتكار أسلوب خاص في مقاربتها يتأرجح بين المناظرات الجادة، والسخرية عبر "لايفات" تفاعلية أو تمثيليات صوتية، وصولا إلى تأليف كتب تواكب هذا المسار الذي يختلط فيه الذاتي بالموضوعي والهزل بالجد، مؤطرة بخلفية تنويرية ونقدية لاذعة. وتراوح إنتاج نوستيك على النت بين عناوين كثيرة منها برنامج "حوارات هشام" الذي استضاف فيه شخصيات مغربية ومن دول أخرى، وسلسلة "قبسات من حياة الأنبياء" و"قبسات من حياة الرسول" ثم مسلسلات صوتية مثل "أهل الكهف" و"أحداث النهاية" و"مائدة الأنبياء"، ليعزز هذا المنجز بكتابين بالدارجة الأول تحت عنوان "مذكرات كافر مغربي" والثاني بعنوان "حوار مع المسلم اللي ساكن فيا". وعن اختيار نوستيك الدفاع عن أفكاره ومشروعه بهوية مستعارة ومستترة، يقول "شخصيا ليست لدي أي مشكلة في الظهور، ولكن هذا الأمر سيسبب مشاكل كثيرة لأقاربي، لذلك تفاديت الضرر الذي قد يلحق بهؤلاء لمجرد الظهور". هشام نوستيك يتحدر من القنيطرة وفيها نشأ وترعرع، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا منتصف التسعينات وهو في أوج تدينه، بحكم انتمائه لعدة جماعات إسلامية، منها جماعة العدل والإحسان. ولحظة وصوله إلى ألمانيا كانت حرب البوسنة والهرسك على أشدها، فالتحق بأحد مساجد "هايدلبرغ"، حيث التقى هناك بأصحاب الفكر الجهادي، ما سمح له بالتعرّف على "الإسلام الحقيقي" و"الجانب المظلم من الشريعة التي تقوم على الجهاد والولاء والبراء والدم والهدم"، وتعرف كذلك على "الإسلام الحقيقي" من خلال مكتبة المسجد التي كانت حافلة بكتب الحنابلة كابن تيمية وابن القيم، والتي كانت تُمول من السعودية كما حكى ذلك في مذكراته التي حملت عنوان "مذكرات كافر مغربي". التحق نوستيك بعدها بجامعة مسيحية، فوجد تناقضا بين ما يُدرَّس في الجامعة وبين ما يقوله القرآن عن المسيحية، فكان ذلك من بين أسباب إعادة نظره في الإسلام. وصدم البعض هذا التحول من إنسان كان في مستوى معين من الالتزام الديني، بلغ درجات تشمل الجانب الجهادي، إلى الكفر، أقصى الكفر، مؤكدا أن هذا الأمر لم يأت بين عشية وضحاها، بل جاء نتيجة تراكمات. واعتبر أن هذه الفوارق أثارت عدة مشاكل بالنسبة إليه، كما أثارت عدة تساؤلات من قبيل: هل أقبل بالحقائق التاريخية التي أدرسها في الجامعة، أم أقبل بما أعرفه انطلاقا من الموروث الإسلامي؟ كما استمر مسلسل الشك نحو عشر سنوات، ما جعله يرى الأمور بحياد وبعد أكاديمي أكثر، على حد قوله. وأكد "كافر مغربي" أن "القشة التي قصمت ظهر البعير"، تكمن في المسائل الأخلاقية في الدين، كالحدود التي اعتبرها غير إنسانية.