fbpx
ربورتاج

“الإكستازي” … سعادة قاتلة

أسرار إدمان الشباب على مخدر الموضة  واكتساحه للملاهي والشوارع

حبوب السعادة، حبوب الهلوسة، “الحلوة”، “الملونات”، الإكستازي أو الإكستا، تختلف التسميات والتأثير واحد. جرعات من السعادة الوهمية المؤقتة، يحصل عليها مدمنون مقابل ورقة نقدية خضراء أو بنية أو غيرهما حسب الظروف والكميات والأشخاص.فبعد أن كانت تصنف ضمن مخدرات النخبة عند دخولها بكميات محدودة جدا إلى التراب الوطني، أصبحت الإكستازي اليوم تكتسح العديد من الشوارع المغربية،
بل صار عرضها يتجاوز الطلب والإقبال عليها في تزايد مستمر، خاصة في أوساط المراهقين واليافعين والشباب. في هذه الورقة حاولت “الصباح” تسليط الضوء على واقع هذا المخدر المهدد
لصحة الشباب من خلال شهادات متعاطين ومروجين، وآراء خبراء ومختصين.
إنجاز: يسرى عويفي (صحافية متدربة)

الساعة تشير إلى الثامنة والربع مساء ب”درب غلف” بالبيضاء، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تتوصل نجوى، طالبة طب وصيدلة، بجرعتها من مخدر “السعادة”.
بعد تأكيد الطلبية عبر الهاتف، تنتظر طبيبة المستقبل على أحر من الجمر مخدرها في نقطة التسليم، وهي مفترق طرق بدرب غلف، تتمركز به بعض النقط الثابتة لترويج الحشيش. ما إن تقف حتى يتفحصك “أولاد الدرب” المنتشرون هنا وهناك بنظرات ثاقبة، محاولين استبيان نوع “الدوخة” التي جئت تبحث عنها، معظمهم يروجون أو يتوسطون للزبائن “البرانيين” الآتين إلى درب غلف ناشدين ضالتهم حسب ظروفهم وسعة جيوبهم.

مخدرات تحت الطاولة

“يا ربي تكون الحبة الزرقاء بحال آخر مرة”، تقول نجوى وهي ترمق “البزناز” قادما في اتجاهنا بعينين تشعان فرحا، شاب وسيم في مقتبل العمر، بمظهر رياضي أنيق، ناولها الحبوب الملفوفة في ورق “السلوفان” عبر مصافحة سريعة لا توحي بتاتا بأنها عملية اقتناء مخدر أو ما شابه، ثم بعد دردشة صغيرة، سألته “ياك فوفو هادي اللي جبتي ليا”، أجابها بثقة “هادي غضربيها وغاتفكريني، واش أنا موالف كنجيب ليك البارد، عندي غير السخون “، فشكرته ودست في يده ورقة من فئة 100 درهم، بينما ألقت نظرة خاطفة على طلبيتها مشيرة إلى أنهما حبتان صفراوان سبق وأن جربتهما، مضيفة “يجب على الحبة ألا تكون فاقدة المفعول، فالإكستا تبرد مع الوقت إذا لم تخزن جيدا في ورق “السلوفان” أو كانت قديمة، كلما كانت حديثة العهد كلما كان تأثيرها أشد ونشوتها أعمق ” ثم استطردت كلامها في انتظار أخذ الباقي من 100 درهم “هم لا يحملون معهم السلعة أبدا، بل يخزنونها بإحكام كي لا تبرد ويخبئونها في منازلهم إلى حين تلقيهم المكالمة، ليتوجهوا عند الزبون بالكمية المحدودة التي طلبها”.

أشكال النشوة

توجهت نجوى إلى صالة البيلياردو، بعد أن أوضحت لنا أن تعاطي “الإكستا” لم يعد فقط مقترنا بالعلب الليلية والرقص المستمر، بل أصبح الشباب يتعاطونها في أي وقت “حسب المزاج”، شريطة أن يعتاد المرء عليها وأن تكون “عقتي ليها بقوالبها، ديك الساعة يمكن ليك تخدمها كيف بغيتي”، مشيرة إلى أنها تبتلع الحبة بعد دخولها لصالة البيلياردو وتضع السماعات في أذنيها، مشغلة أغانيها المفضلة وما هي إلا دقائق حتى تبدأ “الطلعة”، فتحس بارتفاع درجة حرارة جسمها وبسعادة غامرة تجعلها تستلطف الناس من حولها، تبتسم وتضحك أغلب الوقت مع الجميع، “وما أحبه فيها هو أنها تمنحني تركيزا عاليا عند لعب البيلياردو “. كما أضافت بأن أصدقاءها يفعلون الشيء ذاته، إلى جانب العديد من رواد الصالة الذين تميز بعضهم من خلال تعرقهم، ومضغهم للعلك، وحركيتهم الزائدة أوعيونهم الجاحظة، مدعية أنهم “لا يتحكمون فيها جيدا”.

وعن الأعراض الخارجية للانتشاء، يؤكد عبد الصمد التحفي، المنسق الوطني لجمعية “لا للقرقوبي” في تصريح لـ”الصباح”، بأن أنماط استهلاك وتعاطي هذا المخدر تختلف بين شخص وآخر، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الأعراض الظاهرية، إلا أن الأكثر شيوعا منها مضغ العلك واستهلاك كميات كبيرة من الماء والمشروبات الباردة، ثم الرغبة الجامحة في الاستماع إلى الموسيقى، لافتا الانتباه إلى ضرورة انتباه الآباء لهذه الأعراض التي قد تظهر لدى أبنائهم عند تعاطيهم لمخدر “الإكستا”، خاصة بعد اقتحامه للمؤسسات التعليمية واتساع رقعة إدمانه في صفوف المراهقين المرتادين الملاعب الكروية لتشجيع المباريات.

ما بعد السعادة

في الغد كان لقاء نجوى مختلفا، اختفت لمعة السعادة في عينيها وحلت مكانها هالات سوداء تنم عن نظرات فارغة كئيبة… رغم مزاجها المتعكر تابعت الحديث معنا عن هذا الموضوع قائلة وهي تشعل سيجارة بامتقات ظاهر ” أسوأ شيء في الحلوة هو مني كتفيق في الغد”، صداع وخيبة أمل وتعب شديد، بالإضافة إلى أنك تحس بأن “رئتيك عامرين بالدخان”، فالإكستا تجعلك تدخن “كارو من مورا كارو”، لتجد نفسك قد استهلكت أكثر من علبة سيجارة في وقت وجيز، ناهيك عن الحاجة إلى “الجوانات باش تحط الراس” فحبوب السعادة تبقيك يقظا بلا تعب، حتى عندما تتعب من حالة عدم التعب! وهكذا تجد نفسك “غير بالضحك” واقعا في دوامة ثلاث “بليات” أو أربع إذا ما قررت شرب الكحول والسهر بإحدى العلب الليلية.

مخدرات الأغنياء في أيدي الفقراء

بعد أن كان نجم “الحشيش” ساطعا، واعتبره بعض المدمنين من أساسيات الحياة تحت شعار “الخبز وأتاي والحشيش”، إلى جانب كل من “القرقوبي” و”المعجون” وغيرها من المخدرات “التقليدية”، جاء اليوم عهد الإكستا والامدي والتمبر أو (ال اس دي)، وهي أنواع جديدة ظهرت بالمغرب حديثا واقتصر تعاطيها في بداية الأمر على “الطبقة البورجوازية”، أو “أصحاب اللعاقة”، كما يشرح حمزة ،أحد المتعاطين والوسطاء للمخدرات “هاي كلاس” سابقا (كالكوكايين والهيروين والإكستازي)، في لقاء مع “الصباح”، ويعزي ذلك إلى ثمنها المرتفع الذي لم يكن في متناول أصحاب الدخل المحدود، فقد كان ثمن الحبة الواحدة من الإكستا يتراوح ما بين 300 درهم و800 ، وكانت أغلب الأنواع المروجة ذات صنع أمريكي، ونادرا ما توفرت سلعة هولندا التي تصنع من الإمديما، بل حبوب السعادة “فهاديك الوقت، أي 2009، 2010″ لم تكن إلا تجميعا لبقايا عملية إنتاج الكوكايين ببعض دول أمريكا اللاتينية.

ويستطرد حمزة قائلا ” حبوب السعادة التي يتم ترويجها حاليا”غير زبل”، يتم صنعه في معامل ومختبرات سرية بمواد كيماوية غير معروفة قد تكون بالغة الخطورة، وتحول إلى أقراص وحبوب تزين برسوم وبألوان مختلفة وتسميات عديدة “كالإسرائيلية، وموكا وهيللو كيتي، وغوتشي..”، مضيفا “غالبا ما يأتون بها من وجدة، الناظور، طنجة ومناطق شمالية كباب برد.. بحوالي 20 درهما، ثم يبيعونها بالتقسيط في أرجاء المملكة بأثمنة متفاوتة حسب الظروف، ففي بعض العلب الليلية قد تصل إلى 150 درهما، وفي الأحياء الشعبية يتراوح ثمنها ما بين 30 درهما و50 “، ثم يبتسم حمزة ساخرا “طاح عليها البق”، ويرتشف بعضا من كوب القهوة الساخن، مشيرا إلى يديه المتعرقتين “هذا ما جنيته من البلية، أنا اليوم لا أتعاطى شيئا منذ أربع سنوات، باستثناء الحشيش  فالأدوية تهدئني ولكن السبيل الوحيد للنوم هو تدخين الجوانات، رغم أنني لا أستطيع النوم أكثر من 4 ساعات يوميا وأدخل في نوبات صرع وكآبة بين الفينة والأخرى، فقدت وظيفتي، وحياتي الطبيعية وفقدت ثقة عائلتي، فالكل يتعامل معي بحزن وشفقة وكأنني على شفا الجنون”.

عــقــار المـــــوت

حبة ” الإكستازي”، أو ما يصطلح عليها علميا بـ” ليمديما”، نسبة إلى المادة التي تكونها، والتي تعرف أيضا في المغرب باسم “ليمدي”. والحقيقة أن ” ليمدي”(المخدر)  ليس سوى عقار “ليمديما” النقي الذي يكون عبارة عن بلورات بيضاء اللون، يصفها البعض بـ”الشبة”، و يتم تعاطيها خاما أو حبوبا بعد سحقها وإذابتها. أما “الإكستازي” فهي الحبوب المركبة كيميائيا، انطلاقا من عقار “ليمديما”، الذي يتم تخفيفه بمواد أخرى كالكافيين والكيتامين…  كما قد لا تحتوي بعض هذه الحبوب على مادة “ليمديما” مطلقا، بل يتم استخدام مواد أخرى نشطة من ضمنها مادة الميتامفيتامين، التي تشتق بدورها من المصدر الخام “لليمديما”، ألا وهو “الأمفيتامين”.

 الجحيم

يتابع حمزة، البالغ من العمر 38 سنة، بعد أن وافق بصعوبة على الحديث معنا خوفا من تعلق الأمر بمؤامرة من الشرطة، ” لقد تعاطيت جميع أنواع المخدرات في ما مضى، واليوم أشرب أزيد من ستة أدوية في اليوم، لكي أكبح الأعراض التي خلفها التعاطي وأبدو شخصا عاديا”.

هي بضع ساعات من الانتشاء قد تأخذك من شرفات الحياة الوردية إلى أروقة المستشفى، بعد نهاية مرحلة الانتشاء أو ما يسمى ب”الثمن” حسب ما أكد لنا المنسق الوطني لجمعية”لا للقرقوبي”، والذي يدفع بالمدمن إلى ارتكاب الجرائم والسرقة لتوفير جرعته من المخدر، مضيفا أنه رغم ضراوة التأثيرات السلبية للإكستازي، يبقى علاجها أسهل من علاج “القرقوبي” الذي أودى بحياة العديد من الشباب المغاربة.

حركات: تسبب اكتئابا وقلقا

فيما يتعلق بالتأثيرات النفسية والجسدية للإكستازي، يقول أبو بكر حركات، اختصاصي في علم النفس والجنس، في حديثه مع “الصباح”، إن لتعاطي هذا المخدر عواقب وخيمة على الصحة، وعلى عكس ما يظنه العديد من المتعاطين بأنه مخدر صعب الإدمان، فالإحساس بالقوة والنشوة والنشاط الهستيري المؤقت الذي تمنحه “الإكستازي” للمنتشي، هو ما يدفعه لتعاطيها بشكل متكرر ولفترات طويلة حتى يصل دون أن يشعر لمرحلة الإدمان، ليدخل بعد ذلك في دوامة الاكتئاب الحاد والقلق ثم النزوات العدوانية، خاصة عند زوال مفعول الجرعة أو ما يسمى بمرحلة” النزول إلى الجحيم”.
وشأنها شأن غيرها من المخدرات، أوضح الدكتور حركات أن العلاج من إدمان حبوب السعادة يتطلب المرافقة النفسية للمدمن حسب حالته، زيادة على وصف الأدوية الخاصة بالحالة، منها الخاص بالاكتئاب ومنها التي تقمع نسبيا النزعة العدوانية لمرحلة ما بعد الانتشاء.
ويفسر الدكتور حركات تزايد نسب الإدمان على هذا المخدر بغياب مراقبة الوالدين أساسا وب”الضسارة والزيغة”، مضيفا بأننا اليوم بلغنا فترة “الانحلال الأخلاقي للمجتمع”، وتخلينا عن القيم الجوهرية التي تكفينا شر هذه الآفات.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.