المرحلة الانتقالية تستلزم التنزيل الديمقراطي للدستور

الصديقي: هنا لا بد أن نقول لمن يتكلم عن حكومة خليط غير متجانس، إن هذا غير صحيح. حامي الدين: إن البرنامج الحكومي يتضمن التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، وحسب القراءة، هناك مجموعة من الإشكاليات الدستورية التي أود أن أتناولها. أولاها ترتبط بما بين مرحلة التعيين والتنصيب، هناك مرحلة وسطى هي مرحلة صياغة البرنامج الحكومي، ولا يمكن للبرنامج الحكومي أن يصاغ إلا بعد اجتماع مجلس الحكومة، فلا يعقل أن يقول البعض إن ترؤس رئيس الحكومة للمجلس الحكومي غير دستوري، فهذا كلام غير دستوري، لأن البرنامج الحكومي لا يمكنه إعداده إلا داخل مجلس الحكومة، والأخذ بعين الاعتبار جميع أعضائه، ثم إن عرض البرنامج الحكومي على مجلس النواب يتطلب جاهزية مجلس النواب، وإعداد النظام الداخلي لهذه المؤسسة، فالنظام الداخلي الذي صودق عليه الخميس الماضي بمثابة قانون تنظيمي، وينبغي أن يعطي فيه الرأي المجلس الدستوري، نعرف أننا في مرحلة انتقالية، مرحلة تستدعي إعداد مجموعة من القوانين حتى يتم توفير الشروط القانونية والدستورية لرئيس الحكومة الذي يتقدم بعرض حكومي أمام مجلس النواب، فبالبرلمان ليس في عطلة، إنه يشتغل، بالعكس فوجئنا بفريق الأحرار، يطالب بتأجيل جلسة التصويت على النظام الداخلي للمجلس، كان يريد أن يعطل عمل البرلمان الذي صادق بالإجماع على الاستمرار في عمله، وتمت المصادقة بالإجماع على القانون التنظيمي، الذي سيحال على المجلس الدستوري، الذي نأمل ألا يتأخر في المصادقة عليه، ليسمح لرئيس الحكومة بالمثول أمام البرلمان. وهذه المصادقة ضرورية ليأتي رئيس الحكومة وفق إجراءات قانونية، وليس وفق الأعراف. لدينا البرلمان وتقوية الطابع البرلماني لنظامنا الدستوري تجعل من الضروري أن يحسم البرلمان. إن هذه السنة سنة انتقالية، وفي السنوات المقبلة، ستكون الأمور عادية.بالنسبة إلى المادة 88، فإنها تتحمل عدة قراءات، بالمناسبة لا بد من التذكير بأن حزب العدالة والتنمية لعب دورا كبيرا في الفترة الأخيرة من النقاش الدستوري. وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة البرلمان المعبر عنها بالتصويت بأغلبية الأعضاء لصالح البرنامج الحكومي. إذن التصويت على البرنامج الحكومي بمثابة تنصيب للحكومة، فالحكومة معينة، والتنصيب يتم عن طريق البرنامج، وفي حال عدم حيازة البرنامج على الأغلبية المطلقة لمجلس النواب، فإن الحكومة تقدم استقالتها.أما في ما يتعلق بتشكيلة الحكومة، فلا بد أن أعطي بعض الملاحظات بشأنها، فأقول إن لا أحد ينكر أن المرحلة الانتقالية تستلزم التنزيل الديمقراطي للدستور، ورئيس الحكومة كان عليه القيام بدور أساسي في امتلاك سلطة الاقتراح لجميع الوزراء. وفي هذا الصدد، لا يمكن إلا أن نسجل بارتياح أن مجموعة من الوزارات التي كانت تعتبر وزارات سيادة، الآن أصبحت في ملك الأحزاب، خصوصا وزارتي الداخلية والخارجية. وأيضا وزارة العدل التي أثير حولها نقاش كبير، وعلينا أن نقر أيضا، ومن باب المسؤولية أن في هذا المنصب بالضبط تعرض رئيس الحكومة إلى مجموعة من الضغوطات السياسية والإعلامية، وصمد أمامها، ولم يكن أمام حزب العدالة والتنمية إلا التشبث بمرشحه في هذا المنصب، واستطاع أن يفرضه على من يهمه الأمر. بالنسبة إلينا هناك مجموعة من الإشارات التي تدل على أن احترام منطق الدستور حاضر لدى رئيس الحكومة، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، ويمتلك سلطة الاقتراح. وفي ما يتعلق ببعض الوزارات ذات الطابع التقنقراطي، فالوزير المنتدب لدى وزير الخارجية، حسب حزب الاستقلال، عضو بمجلسه الوطني وحزب الاستقلال يتحمل مسؤوليته. أما وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، فيعلم الجميع كيف أن رئيس الحكومة برر هذا الموقف، باعتبار أن الملك هو أمير المؤمنين، يشرف على هذا القطاع، لكن في هذا الإطار، كانت هناك اقتراحات لمجموعة من الشخصيات، لكنها تحفظت واعتذرت عن قبول المنصب، فما كان على رئيس الحكومة إلا أن يضع الأمر أمام أنظار الملك، باعتباره أميرا للمؤمنين.وبالعودة إلى وزير الفلاحة، الذي كان ينتمي إلى حزب معروف، قدم استقالته، أتوقع أن استقالته احتجاج على رئاسة الحزب، علما أن الأحرار كان مرشحا لأن يكون الحزب الأول، وأمينه العام رئيسا للحكومة، والحزب أيضا قاد تحالفا من ثمانية أحزاب، وكان من المتوقع أن يحصل على الأغلبية المطلقة. فإذا كانت هناك كفاءات وطنية مقتدرة، قدمت استقالتها، واختارها رئيس الحكومة لتولي المسؤولية، فلا عيب في ذلك، الأكيد أن المسؤولية مسؤولية الحكومة متضامنة، ورئيس الحكومة هو من اقترح هذا الوزير في هذا المنصب، ومسؤولية أيضا الوزير المعني. أما في ما يتعلق بالقطاعات الاجتماعية، فليس هناك أي تملص من قبل العدالة والتنمية، لأن وجهة النظر التي تفيد أن المسؤولية ستكون قطاعية، أو حزبية، نظرة تجزيئية، وتفرغ العمل الحكومي من بعده التضامني، نحن نعتبر أن الحكومة متضامنة ومتجانسة، والبرنامج الحكومي هو مرجعيتها، والقطاعات تبقى على قدم المساواة، وليست هناك محاسبة حزب، لأنه يتولى قطاع معين، الحكومة تتحمل مسؤوليتها، وحزب العدالة والتنمية لم يتملص من مسؤوليته بشأن القطاعات الاجتماعية. وبالنسبة إلى الوزراء المنتدبين، هناك من يرى أن هؤلاء غير منصوص عليهم في الدستور، إلا أننا نجد أن الحكومة تتكون من وزراء وكتاب دولة، وفي الفقه الدستوري، مراتب الوزراء تتجلى في وجود وزير الدولة، والوزير المنتدب والوزير، وليس من الضروري أن يفصل الدستور في هذه الأشياء، لكن عندما قال إن الحكومة تتكون من وزراء، معنى ذلك أن هناك مراتب داخل مصطلح "وزير". عبد السلام الصديقي: إذا سمحتم، سأعود إلى نقطتين، بالنسبة إلى موضوع المرأة، قال فيه السيد حامي الدين ما ينبغي أن نقوله، لكن بخصوص حزب التقدم والاشتراكية، وحسب ما أخبرنا به السيد الأمين العام للحزب، داخل المكتب السياسي، أنه رشح ثلاث رفيقات لتحمل مسؤولية حقيبة وزارية، وكنا نسير في هذا الاتجاه، وكان ترشيحهن يهم حقيبة معينة، وهي الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، لكن محصلة المشاورات مع رئيس الحكومة المعين، أفضى إلى سحب تلك الحقيبة من الحزب، وتعويضها بحقيبة أخرى، هي وزارة الثقافة، وحينما تم إخبار المرشحة لهذه الحقيبة، أكدت أن ليس لها استعداد لتحمل مسؤوليتها، وكانت المشاورات في مرحلتها النهائية، ولم يكن الأمر يسمح بالعودة من جديد إلى نقطة الصفر من المفاوضات. موقفنا في حزب التقدم والاشتراكية هو أننا نعتبر أن التمثيلية النسائية في الحكومة لم ترق إلى المستوى المطلوب، وأن هذه ليست قضية نسائية، بل مجتمعية، والحزب معروف بموقفه في هذه القضية، إذ كان دائما رائدا في الدفاع عن قضية المرأة والمساواة بين الجنسين، والحزب من بين المساهمين في تأسيس أول جمعية نسائية، هي الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التي ترأسها. المسألة أصبحت تشكل قاسما مشتركا، والدستور حسم في الموضوع. لن نقبل بهذا الوضع وسنعمل على تدارك الأمر، أي ضعف التمثيلية النسائية في الحكومة، في التعديل الحكومي المقبل، وينبغي أن نعمل على تصحيح الوضع، من خلال الأخذ بعين الاعتبار المشاركة النسائية في التعيينات في مناصب المسؤوليات في الإدارات والمؤسسات العمومية...عبد العلي حامي الدين: من المؤكد أن الأمر يجب تداركه، من خلال تعيين كفاءات نسائية في مواقع المسؤولية في العديد من المؤسسات العمومية والإدارات، ولم لا تعيين نساء واليات أو عاملات.عبد السلام الصديقي: يجب أن تكون الأمور واضحة، لا يكفي إشراك النساء في المرفق الحكومي لكي نقول إن القضية النسائية تشهد تطورا، وللتذكير، فإن الفترة التي تولت فيها المرأة الحديدية، مارغريت تاتشر، السلطة في بريطانيا، تميزت بانتكاسات على مستوى الأوضاع الاجتماعية ، بالتالي، هذا يقودنا إلى القول إن وجود امرأة في السلطة لا يخدم، بالضرورة، القضية النسائية، وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يخدم الرجل هذه القضية بشكل أفضل، ولكن من الناحية الرمزية والثقافية ضروري أن تكون هناك تمثيلية مناسبة للمرأة في الحكومة.على مستوى آخر، أريد أن أعقب على ما قاله السيد حنين، حينما وصف الحكومة الجديدة بالخليط غير المتجانس، الأمر يهم، بالأساس حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره حزبا تقدميا ويساريا إلى جانب ثلاثة أحزاب يعتبرها الرأي العام الوطني محافظة أو يمينية، أعتقد أن هذه القراءة للمشهد السياسي تتم بنظارات قديمة. لقد عرفت المجتمعات العربية والإسلامية، في الفترة الأخيرة، حراكا شعبيا ، وتغيرات بنيوية وحضارية، وأعتبر أن المغرب، على غرار البلدان العربية الأخرى، دخل في دورة حضارية سيطول أمدها، ولا يمكن اعتبار وصول العدالة والتنمية إلى الحكومة ، والنهضة في تونس، وأحزاب أخرى ذات المرجعية الدينية، في بلدان عربية أخرى، نتيجة ظرفية عابرة، بل تندرج ضمن صيرورة تاريخية ستدوم، كما أن هذه الأحزاب، لا يمكن النظر إليها باعتبارها أحزابا ظلامية، فهذه النظرة أصبحت متجاوزة ، هي أحزاب انبثقت من الواقع ولها برامج، ونحن نحكم عليها من خلال برامجها، ومن هذا المنطلق، فإن تقارب التقدم والاشتراكية مع العدالة والتنمية لم يتم وفق منطلقات إيديولوجية، بل حصل في المعارك اليومية، عندما كان الحزبان منخرطين في محاربة الفساد، كل من موقعه. في فترة زمنية معينة اختلفنا حول عدد من القضايا، ومنها قضية المرأة، ولكن الأمر أصبح متجاوزا، ثم إن المرجعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، أو أي أحزاب أخرى، تكون طبقا لما يتضمنه الدستور، في هذا الجانب. فالدستور أقر ثوابت، منها الخيار الديمقراطية، ولا يحق لحزب العدالة والتنمية ولا التقدم والاشتراكية، ولا لحزب آخر، أن يتراجع عن هذه الثوابت، وفي الوقت نفسه، وهذا هو الأساس، فإن ما يجمع التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، هي المرجعية البرنامجية، ومن هذه الزاوية اشتغلنا في حزب التقدم والاشتراكية ، وبصفة ديمقراطية، وعبر نقاش واسع داخل الأجهزة القيادية للحزب، إذ عقدنا أربعة اجتماعات على مستوى المكتب السياسي، تدارسنا فيه خيارات الحزب بالنسبة إلى الحزب المشاركة في الحكومة الحالية، كان من أصعب الخيارات التي تبناها الحزب، منذ التحاقي به في 1975، على اعتبار أن ذلك استلزم منا مراجعة العديد من الأمور، والحل السهل بالنسبة إلينا كان هو الخروج إلى المعارضة، ولكن اخترنا الحل الأصعب، وهو المشاركة في حكومة جديدة يقودها حزب سياسي حظي بثقة شريحة واسعة من الناخبين، يمكن أن نقول إن الشعب محافظ، ولكن الواقع هو هذا. دخلنا في هذه التجربة، واشتغلنا وفق مقاربة منسجمة، ويمكن أن أؤكد أنه لم يسبق للحكومات الائتلافية السابقة أن اشتغلت في إطار منظم، كما اشتغلنا في إطار الحكومة الجديدة، تذكروا معي كيف كانت تشكل الحكومات، في ما مضى من الأوقات، وكيف كانت تصاغ البرامج الحكومية، حتى الحديث عن المستوزرين، لم يكن يتم بهذا الشكل، كانت الأمور تتم في الخفاء، وعبر الهواتف، وكان الوزراء يُفرضون من خارج الأحزاب، ويصبغون بألوان سياسية...هل تغير شيء من ذلك، اليوم؟ إن الممارسات نفسها تمت بصيغة أخرى، خلال تشكيل الحكومة الجديدة؟ ما علاقة الكروج، مثلا، بالحركة الشعبية، وأنت فاعل سياسي، وهل عبد الإله بنكيران هو الذي اقترح الشرقي اضريس؟ عبد العلي حامي الدين: يجب أن نتفق حول مسألة محددة، حينما يتوصل رئيس الحكومة بلائحة زعيم حزبي مشارك في الحكومة يقول له إن هذه هي لائحة المستوزرين باسم حزب الاستقلال، أو الحركة الشعبية، فليس من المطلوب أن يتم التحري في الموضوع، هل وظيفة رئيس الحكومة أن يحقق في حقيقية الانتماء السياسي للأشخاص؟وما دام ذكرتم اسم الشرقي الضريس، معروف أنه ينتمي إلى جهاز أمني، هل تم التوافق مع رئيس الحكومة، أم فُرض عليه، سوف نعرف حقيقة الأمر، في ما بعد. أعتقد أنه لا يمكن لرئيس الحكومة أن يوافق على الشخص، إلا لاعتبارات موضوعية، منها مثلا أن لا تكون الأحزاب تتوفر على المرشح المناسب في ذلك المنصب، وهذا ما سيتم تداركه، مستقبلا، بعد ما انتقلت الداخلية من وزارة سيادة إلى وزارة عادية تتقلدها الأحزاب. ومن هذه الزاوية، من المفروض أن يتم تعيين العديد من مديري ومسؤولي المؤسسات العمومية من الأحزاب، وليس من خارجها، بعد اكتسابهم الخبرة والتجربة داخل العديد من القطاعات، لا شك أننا نسير نحو تسييس بعض القطاعات، التي كانت سيادية... عبد السلام الصديقي: لا يمكن، في المرحلة الحالية، أن نتعامل مع الواقع المغربي، وكأننا في إطار ملكية برلمانية، نحن في طور الانتقال... هناك تصريح لقيادي في التجمع الوطني للأحرار قال إنه لو خرج حزب الاستقلال من الحكومة الحالية لكان من ممكنا أن يكون الأحرار مشاركا فيها، ما رأيكم؟ محمد حنين: هذا رأيه، على كل حال، ولكن، منطقيا، الحزب الذي كان عليه أن يخرج إلى المعارضة هو حزب الاستقلال، لماذا؟ لأنه كان يقود الحكومة السابقة، وتصدر الانتخابات التشريعية لسنة 2007، وفي اقتراع 25 نونبر تراجع إلى الرتبة الثانية، ولكن مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات، عبر حزب الاستقلال عن استعداده ورغبته في المشاركة في الحكومة، وبالتالي، ولكي نساهم في إنجاح هذه التجربة، لم يكن من الضروري أن نكون في هذه الحكومة، بل كان من الضروري أن يكون هناك توازن، وهذا من مصلحة البلاد، ونتمنى للفريق الحكومي النجاح ، ولكن لدينا مؤاخذات لا بد من تسجيلها، وهذا هو دورنا في المعارضة، وعلينا أن ننبه إلى الانزلاقات، لسنا عدميين، لكن الحاصل أن هناك تعثر، وتحدثنا عنه. تقولون إن وزارات السيادة لم تعد قائمة اليوم، بل هي قائمة ولها طبيعة مزدوجة، سيادية وحزبية، وهو ما ينطبق على الخارجية والداخلية، المواطن المغربي ذكي، ويعرف خبايا الأمور، وهذا يفرض أن نتعامل بشفافية مع الرأي العام، ولذلك نركز على أنه وقع تأخير في تقديم البرنامج الحكومي، وما حصل الآن حصل، وعلينا أن نتعامل مع الحكومة بإيجابية، علينا أن ننتظر البرنامج الحكومي لكي نقيم رؤية وتصور الحكومة. اليوم نناقش التأخير، وهذا معطى موجود، ولكن لا يجب أن نجد له تبريرات أخرى، لماذا؟ لأن هذا واقع، وأكيد أن هناك صعوبات، ما نأمله اليوم، هو أن نتفادى تضارب المعلومات التي تطالعنا بها الجرائد، يوميا، ونتساءل لماذا لا يصدر رئيس الحكومة بيانا للرأي العام الوطني، يحدد فيه الأجندة المفصلة بالنسبة إلى البرنامج الحكومي، تفاديا للشائعات؟. باعتباري عضوا في مجلس النواب، أجهل تماما مآل هذا البرنامج، ومتى سيتم عرضه على المجلس الحكومي، ومتى سيناقش، وبالأحرى المواطن العادي... مصطفى منار: إسناد وزارات سيادية إلى الأحزاب أمر جديدفي البداية لا بد أن نسجل أنه لأول مرة في تاريخ البلاد، وقع اهتمام المواطن المغربي بالشأن السياسي، من خلال التتبع اليومي لما يجري في الساحة السياسية وتشكيل الحكومة الحالية. عندما نتحدث عن المقاربة أو السياق العام الذي يعرفه المشهد السياسي، لابد أن نسجل أنه وقع تراجع، لأنه عندما نتحدث عن السياق، نعني به التنزيل السليم للدستور، فقد وقع تراجع على مستوى الديباجة التي تحث على أن المملكة المغربية ما فتئت تدافع على دولة ديمقراطية أساسها الحق والقانون. فمن ثوابت الأمة الواردة في الدستور، بالإضافة إلى الدين والملكية، والوحدة الوطنية، نجد الخيار الديمقراطي. إنه خيار يطمح إليه الجميع، والكل يصبو إلى مرحلة تجاوز ما يسمى الانتقال الديمقراطي إلى مرحلة الديمقراطية، ولكن يبدو من خلال قراءتنا المتواضعة للحكومة، وقعت بعض التراجعات خاصة في كيفية تشكيل الهندسة الحكومية، فقد كنا ننتظر من الحكومة أن تتجاوز وجود أياد خفية أو المنطق الذي يتعامل بأن هناك تدخلات من "المخزن"، لأن وزارات السيادة التي كانت محط نقاشات عامة وضرورة تجاوزها، ولكن للأسف، وعلاقة بالفصل 147 الذي يتحدث على أن تشكيل الحكومة يجب أن تكون من طرف وزراء بمعنى أن يكون تغيير لما جرى في ضبابية الاختيار، والمنطق السري السابق، وهنا لا بد أن نقر بمرحلة جديدة تؤسس لدولة جديدة، وهنا نرى أن هذا التراجع في الحقيقة، يعكس خروجا عن المنهجية الديمقراطية التي أسس لها الدستور. وعندما نتحدث عن وجود وزير كان في حزب، ثم التحق بالحكومة، هذا يكون له تأثير على المسار الديمقراطي للبلاد، كنا نأمل أن يكون تكتل حكومي من بين الأحزاب الأربعة، ربما يدل على أن هناك تخوف وهناك ما يسمى المراقبة الآلية للتحركات، فهذا يدخل في إطار قواعد سياسية. هذا يؤثر على تشكيل الحكومة، وفي الوقت نفسه، لابد من تسجيل نوع من التراجع على مستوى المادتين 19 و30 اللتان تتحدثان عن المناصفة، وفرص المساواة، وكنا نعتقد أن المرأة سيكون لها حضور في الحكومة، إلا أن هذا الأمر لم يقع، وهو من السلبيات الأساسية للحكومة، والعثرات والاختلالات للحكومة الحالية. في الوقت نفسه، علينا أن نثير الايجابيات داخل الحكومة الحالية، إذ لأول مرة تمكنا من تغيير وزارة السيادة الأم، أي الداخلية، التي أسندت إلى أمين عام حزب الحركة الشعبية. الشيء نفسه بالنسبة إلى وزارة الخارجية، لكن هذه الايجابيات هي مكتسبات جديدة، وإذا لم نصل بعد إلى مرحلة الديمقراطية، فإننا إلى وقت معين، نتحدث عن وجود تناوب ديمقراطي، بينما الآن حصل الانتقال الديمقراطي، لكن يجب أن يبقى مكرسا ومرتبطا بالتنزيل السليم للدستور.هناك نقاط أثيرت بشأن الفصل 88، وتأخر البرنامج الحكومي، وارتباطه بالمجلس الوزاري، أعتقد انه لابد من القول إننا أمام إشكالات دستورية، بمعنى أننا نثير سلوكا دستوريا للحكومة، هذا أمر لا بد أن ننوه به، لأنه لأول مرة وقعت حركية والتحدث حول بعض النصوص، وهذا يجعل الجميع، سواء الأحزاب أو الأكاديميين أو الفقهاء الدستوريين، يخوضون في هذا النقاش، وهو أمر جديد، لأننا نؤسس لمرحلة الدولة الحديثة، عندما نتحدث عن المادة 88 مثلا، فهي تشمل عدة قراءات، بمعنى أن ضريبة التوافق على الوضع الدستوري في مرحلة معينة، وبشكل معين، هي وجود ثغرات ونقائص داخل الدستور، التي أدت إلى وجود هذا الاجتهاد، بمعنى أننا الآن نتحدث عن معارضة، وعن خروج عن مسار الوثيقة الدستورية، وهناك أغلبية تقول إننا في صميم الوثيقة الدستورية، فالخلل داخل الوثيقة الدستورية يمكن أن يؤول من قبل المعارضة، وأيضا من قبل الأغلبية. فالفصل 88 ينص على التنصيب، وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء، كنا أمام أحادية التنصيب، ثم بعد ذلك، وجدنا أنفسنا أمام ثنائية التنصيب، ولكن التوثيق جاء بشكل أدق في الدستور الجديد، مقارنة مع دستور 96، فالحكومة الجديدة لا يمكنها الانطلاق في عملها، إلا بعد أن تنصب من قبل الأغلبية المطلقة والتصويت على البرنامج الحكومي، هناك قانون تنظيمي، علما انه في السابق لم تكن قوانين تنظيمية، فكان فراغ مقابل وجود أعراف جعلت مثلا في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، إقرار مراسيم، علما أن الحكومة لم تكن منصبة بعد، فالمرسوم لم يمر لا في المجلس الحكومي، ولا في المجلس الوزاري، لكننا في الوقت نفسه، وجدنا أنفسنا أمام مرحلة معينة، ويجب أن نقرأ الفصل 88 من زاويتين، وحتى لا أفهم غلطا، الفقه الدستوري يحتم القراءات، فإذا كان هناك قرار للمجلس الدستوري، فسنخرج من الباب الواسع، لكن تشكيل الحكومة يعطي وفقا للفصل 47، ما يسمى الوجود الدستوري، فالحكومة المشكلة يصبح لها وجود قانوني محض، ويمكن لها أن تعمل لكن في إطار أعمال تدبيرية، بمعنى لا يمكن أن تلجأ إلى اتخاذ بعض القرارات ذات الطبيعة القانونية أو السياسية أو المالية، إلا بعد التنصيب من طرف البرلمان، وهنا يطرح إشكال هل هي حكومة تصريف أعمال، أقول إنها ليست كذلك، بالنظر إلى الفصل 47 الذي أشار إلى أن حكومة تصريف الأعمال تنتهي عندما تشكل الحكومة. في وضعنا الحالي، تشكلت الحكومة يوم رابع يناير الماضي، وصدرت في الجريدة الرسمية، بمعنى أننا نتحدث عن حكومة جديدة، والتنصيب يعني قوة دستورية للحكومة. الآن الاحتمالات والغموض الموجود في الدستور يحتمل أن يقرأ لصالح المعارضة أو لصالح الأغلبية. أما إحالة البرنامج على المجلس الوزاري، في إطار الحكومات السابقة، فليس هناك ما يلزم ذلك، لأن في جميع الحكومات تقوم بوضع برنامج حكومي وتعرضه مباشرة أمام البرلمان. حامي الدين: وعدنا بنكيران ببسط جميع المعطيات الخاصة بالمشاورات موضوع المرأة، بالفعل، نقطة سلبية تسجل في هذه الحكومة، لكن لا علاقة لها بالفصل 19 من الدستور، الذي يتحدث عن أن الدولة تسعى إلى تعزيز تكافؤ الفرص والمساواة، وتحدد لهذه الغاية هيأة لمكافحة التمييز وتكافؤ الفرص، ولا أرى أي علاقة بين هذا الفصل، وبين تشكيل الحكومة، لكن موضوع المرأة يستحق النقاش، لأن التركيبية أثبتت أن هناك عملا أساسيا يجب القيام به داخل الأحزاب من أجل فرض إجراءات تمييزية لصالح المرأة في مواقع التمثيلية بما فيها الحكومة، كما هو موجود في البرلمان، أو توفير الشروط الضرورية لبروز النساء الكفؤات داخل الأحزاب، وحتى حزب العدالة والتنمية قدم امرأة واحدة، وكان بإمكانه أن يقدم أكثر، خاصة لو كنا نعلم أن باقي الأحزاب لن تقدم مرشحات، لكن المعطيات الكاملة بشأن هذا الموضوع مازلنا لم نتوصل بها بعد، لأننا في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي قاد المشاورات، وبعد المصادقة على البرنامج الحكومي، لدينا وعد من قبل رئيس الحكومة بان يبسط أمامنا جميع المعطيات، على اعتبار أن الأمانة العامة لم تكن مشركة إلا في ما يتعلق بوزراء العدالة والتنمية، أما بالنسبة إلى باقي الوزراء، فكانت من اختصاص رئيس الحكومة، إذ كان هناك تكتم شديد من قبله، لكنه في المقابل، وعد بأن يكشف تفاصيل ما جرى بمجرد التصويت على البرنامج الحكومي. وبكل تأكيد، فإن بعض الأمور التي قد تبدو لنا غير منطقية، سوف ننتقد فيها الأخ الأمين العام بكل حرية، ولكن ما لا يمكن أن نقبل به، هو تجاوز الدستور، الذي يجمعنا مع جميع المؤسسات، والحزب سيكون حريصا على تطبيق الدستور ولا شيء غير الدستور.

المرحلة الانتقالية تستلزم التنزيل الديمقراطي للدستور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التمثيلية النسائية في الحكومة مطروحة بقوة

جدل حول تأخر التصريح الحكومي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات