خريف السياسة بالمغرب… عبث ومهازل

الدستور أكبر من مقاس الأحزاب وبرلمانيون شرهون ينامون كثيرا ويتغيبون أكثر جسدت لحظة النقاش السياسي الذي واكب الإعداد للدستور الجديد من خلال طرح سؤال مركزي: أي دستور نريد؟ فرصة تاريخية كان يمكن أن تنتهي إلى رسم معالم خريطة سياسية جديدة مؤطرة بتيارات فكرية ومرجعية تلعب دورا رائدا في التزيل السليم للدستور، قد تتباين من حيث الخلفيات الايديولوجية إلا أنها تتحد من حيث الايمان بالديمقراطية والحق في الاختلاف والاحتكام إلى سلطة صناديق الاقتراع، وتأكيد السيادة الشعبية مصدرا وحيدا لممارسة السلطة وربط المسؤولية بالمحاسبة. إخوان بنكيران فضلوا فتح نقاش حول الهوية وعلاقة الدين بالدولة من خلال الدفاع عن حقل إمارة المؤمنين ومجابهة التوجه «اللائكي» الذي بدا داخل المجتمع، وكان يطمح إلى الحفاظ على عبارة «المغرب بلد إسلامي» بدلا من «دولة إسلامية»، كما وردت في المسودة الأولى للدستور الجديد، كما فضلت الأحزاب أن تنشغل أكثر بالحديث عن صلاحيات الملك وتوسيع اختصاصات البرلمان، وتعزيز دور «رئيس الحكومة» في اختيار سياسته العمومية التي سيحاسبه عليها البرلمان، وقبلها فريقه الحكومي، إضافة إلى دسترة كل مجالس الشباب والمرأة و.... إلى درجة أصبحنا نعيش مع هذا الزخم تضخما مبالغا فيه في حقول الدسترة إرضاء لجميع التوجهات المجتمعية والسياسية، والتزاما من الدولة بآلية الاستشارة التي وعد بها ملك البلاد في خطاب تاسع مارس منهجية لصياغة الدستور الجديد. إلا أن مقولة «لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين» غابت عن الفاعلين السياسيين، حكومة وبرلمانا وأحزابا، لفائدة استمرار ثقافة سياسية مبنية على الاتكالية والانتظارية، فخطاب تجديد النخب لم يجد له صدى داخل الأحزاب، كما تكشف عن ذلك ترشيحاتها للانتخابات المقبلة وسلوك برلمانيي الأمة إبان الدخول البرلماني الحالي، رغم أن ملك البلاد طالب بذلك غير ما مرة، كان آخرها خطاب دورة أكتوبر.ينتظر أن تعود الوجوه ذاتها إلى قبة البرلمان، وتبدو الأحزاب السياسية عاجزة عن إفراز نخب شابة وكفؤة والقطع مع وجوه مشبوهة ليس لها ما تقدمه إلى المؤسسة التشريعية أكثر من الغياب وتحويلها إلى مؤسسة للوساطة وقضاء المصالح الشخصية والعائلية بدل أن تكون مؤسسة تمثل نواب الأمة وتحدد مصيرها.العبث السياسي الذي خيم على أشغال الإعداد لمشاريع القوانين الانتخابية بالبرلمان، والارتباك الذي عاشته الحكومة في صياغة هذه الشاريع وسحب بعضها ومراجعة تاريخ إجراء الانتخابات في آخر لحظة، كشف بالملموس أن أزمة المغرب اليوم تتجسد في أزمة الدولة التي فقدت رجالاتها، والأحزاب التي فقدت زعاماتها السياسية المتمتعة بالكارزيما والمتشبعة بالروح الوطنية الأصيلة، والتي قاومت الانتهازية سلوكا سياسيا والفساد كآلية للحكم والتحكم في وقت مضى.واقع سياسي من هذا القبيل لا يمكن أن ينتج إلا تشوها في الوجوه السياسية التي يفترض فيها أن «تقوم بتنزيل الدستور الجديد»، فالأزمة ليست أزمة حكامة وتوزيع سلط فقط، بل أزمة فاعلين سياسيين وثقافة سياسية تظل وفية لاعتبارات اللاقانون والولاء والبحث عن المقاعد من أجل تحقيق المكاسب، إلى درجة تحول معها النقاش حول اللائحة الوطنية للنساء والشباب إلى حرب ضروس تكريسا لمنطق الريع السياسي وجني المقاعد بلا سبب.غاب النقاش السياسي في إعداد مشاريع القوانين الانتخابية، وحلت السرعة والأجندة الزمنية محل الجواب على سؤال: أي انتخابات نريد وأي برلمان نطمح إلى أن يعيد للمغاربة الثقة في السياسة والمؤسسات ويقنعهم بأهمية المشاركة في الانتخابات باعتبارها حقا قبل أن تكون واجبا؟ والنموذج الحي لكل ما سلف هي المهزلة التي واكبت حدث افتتاح البرلمان، إذ التهم نواب الأمة الحلويات وكل ما لذ وطاب وهجروا المؤسسة تاركين وراءهم مشاريع قوانين تهم البلاد والعباد إلى حين، قبل أن تتدخل وزارة الداخلية وزعماء الأحزاب لاستعمال أساليب الترغيب والترهيب في إحضارهم لجلسة التصويت على مشاريع القوانين العالقة. إنه نموذج حي لبؤس السياسة وخريفها بالمغرب. رشيد باحة

خريف السياسة بالمغرب… عبث ومهازل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أمـسـيـف بـالـمـنـتـخـب

مونديال الأندية سيكلف عجزا بـ 14 مليارا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات