انتخابات القضاة…الفيصل

قضاة يعولون عليها لترسيخ حقيقي لاستقلال السلطة القضائية وتخوفات من تحول الجمعيات إلى دكاكين انتخابية 23 يوليوز المقبل، مسار فاصل بالنسبة إلى قضاة المغرب في اختيار من يمثلهم داخل تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو المجلس الذي لن يكون مغلقا على القضاة فقط بل سيعرف مشاركة شخصيات من خارج السلك القضائي. انتخابات لن تكون كسابقاتها فهي تؤسس لمرحلة جديدة بشأن التنزيل الفعلي للسلطة القضائية، وفي ظل التعددية الجمعوية للقضاة، الذين منحهم دستور 2011 الحق في تأسيس جمعيات مهنية، فهل القضاة مستعدون للمرحلة المقبلة أم أن التحالفات والحسابات الخاصة، ستطبع المرحلة وتفقدهم موعدهم مع تاريخ التغيير، ومع الدور الطلائعي الذي يروم أن تلعبه السلطة القضائية، في ظل الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية وخروج وزير العدل من تركيبة المجلس. * القضاء في أولويات الأجندة الملكيةعلى مر 17 سنة الماضية كان القضاء ضمن الأولويات في الأجندة الملكية، إذ لا تكاد تمر مناسبة دون أن يحتل استقلال القضاء حيزا مهما في الخطب الملكية، التي تحاول دائما وضع خارطة الطريق لإصلاح القضاء، في معناه الشمولي بدءا من المجلس الأعلى للقضاء، بالنظر إلى المكانة الدستورية التي يتبوؤها، ووصولا إلى السلطة القضائية التي ترجمها دستور 2011 والمجلس الأعلى للسلطة القضائية. ففي 2004 بعث الملك محمد السادس إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء رسالة أكد فيها أهمية المجلس باعتباره مؤسسة، وعلى دور أعضائه في الحرص على استقلال القضاء ونزاهته وحرمته، وحملت الرسالة الملكية "ومن ثمة وكما هو شأن كل مسؤول من الوزير المسؤول سياسيا أمام الملك والبرلمان وأمام المحكمة العليا في حالة خرقه للقانون إلى البرلماني الذي ترفع عنه الحصانة في حالة إخلاله بالدستور والقانون فإن القاضي المطوق بأمانة صيانة سيادة القانون لا يعتبر بالأحرى فوقه وليس منزها عن متابعته عند الإخلال بواجباته علما بأن الضمانات المخولة له لا يجوز أن تفسر بأنها امتياز تفضيلي وإنما هي ضمانات لأداء مهمته باستقلال وفي تقيد بالقانون وإلا فمن يراقب المراقب". ما جاء في تلك الرسالة، بشأن أهمية المجلس الأعلى للقضاء أعيد التنصيص عليه في الخطاب الملكي لمناسبة ثورة الملك والشعب ل 2009، إذ اعتبر الملك محمد السادس أن تفعيل إصلاح القضاء يأتي في مقدمتها، دعم ضمانات الاستقلالية بإيلاء المجلس الأعلى للقضاء المكانة الجديرة به، مؤسسة دستورية قائمة الذات، وتخويله، حصريا، الصلاحيات اللازمة، لتدبير المسار المهني للقضاة وإعادة النظر في طريقة انتخابه، بما يكفل لعضويته الكفاءة والنزاهة، ويضمن تمثيلية نسوية مناسبة لحضور المرأة في سلك القضاء، فضلا عن عقلنة تسيير عمله. لم تقف المطالبة الملكية بالاستقلال الفعلي للقضاء، واستمرت في أغلب الخطب، لتتبلور بشكل قطعي في ما حمله دستور 2001 بشأن استقلال السلطة القضائية في الفصل 107 منه على السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي نص عليه الفصل 113، إذ أكد أنه "يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ويضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها، ويصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط". ليترجم ذلك الاستقلال في القانونين اللذين صدرا أخيرا، في الجريدة الرسمية واللذين يؤسسان لاستقلال السلطة القضائية. الجمعيات المهنية القضائية... هل هي دكاكين انتخابية؟ بعد أن ظل القضاة لسنوات خارج التعددية الجمعوية، جاء دستور 2011، ومنحهم حق تأسيس جمعيات مهنية، وهو الحق الذي مكن من تأسيس عدد لا بأس به من الجمعيات التي حاولت كل واحدة منها أن تضع ضمن أجندتها الدفاع عن القضاة. تلك التعددية لم تخل في البداية من خلافات طبيعية أملتها المرحلة الانتقالية التي نص عليها دستور 2011. تأتي الانتخابات المقبلة لتساءل الجمعيات المهنية عن حدود تداخلها في تلك الانتخابات، فرغم أن عددا من الجمعيات المهنية القضائية، أخذت بشكل صريح مسافة مع الانتخابات المقبلة بالتأكيد على الحياد التام وأخذ مسافة واحدة من جميع المرشحين المحتملين للعضوية في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، انطلاقا من إيمانها العميق بحق جميع القضاة في الترشح و حريتهم في اختيار ممثليهم، إلا أن حدود ذلك الحياد تبقى قاب قوسين أو أكثر، على اعتبار أن الحملات السابقة التي تخوضها بعض الجمعيات إما بشكل علني أو سري، لتزكية بعض القضاة المنتمين إليها.ويرى المهتمون أن الخطأ الذي يمكن أن تقع فيه الجمعيات المهنية القضائية، هو أن الخوض في الانتخابات والعمل على تزكية القضاة، الشيء الذي سيفرغها من الغاية التي أنشئت من أجلها، ويضرب في الصميم الاستقلالية في الاختيار والترشح، فالجمعيات المهنية القضائية لا يمكن أن تتحول إلى دكاكين انتخابية، يخوض قضاة باسمها الانتخابات، لأن من سيمثل القضاة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية يفترض فيه أنه يمثل جميع القضاة، وليس قضاة جمعية دون أخرى. وأن ما تعرفه الساحة في الوقت الحالي من تحركات غير مباشرة يمكن أن تكون له نتائج عكسية، في ما ستسفر عليه النتائج، خاصة إذا لم توضع معايير محددة للترشح غير تلك المشار إليها في المادة 27 من القانون المنظم للسلطة القضائية. * الأقدمية شرط لولوج الانتخابات تحدثت المادة 27 من القانون المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أنه يكون مؤهلا للترشيح للعضوية في المجلس كل قاض تتوفر فيه الشروط التالية، أن يكون ناخبا في الهيأة التي يترشح فيها وألا تقل مدة أقدميته في السلك القضائي عن سبع سنوات، وأن يكون مزاولا فعليا لمهامه بإحدى محاكم الاستئناف أو محاكم أول درجة، وألا تكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية ما لم يرد اعتباره، وألا يوجد في رخصة مرض متوسطة أو طويلة الأمد.الشروط المتحدث عنها إذا توفرت في المرشح فلا تعني بالمطلق أنه يمكنه خوض الانتخابات بشكل مباشر، إذ أنه بعد أن يضع المرشحون تصريحاتهم بالترشيح مقابل وصل بالأمانة العامة للحكومة، يتم حصر لائحة الترشيحات، ثم يبت المجلس في التصريحات بالترشح داخل أجل 48 ساعة من تاريخ إيداع الترشيح، ويمكن الطعن في قرار رفض الترشيح، وفي كل ترشيح غير مستوف للشروط المطلوبة تم قبوله، أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض خلال أجل 48 ساعة من تاريخ تبليغه بكل الوسائل المتاحة، وتبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض داخل أجل خمسة أيام بقرار غير قابل لأي طعن.3821 قاضيا في امتحان الاختيار إن الانتخابات المقبلة ستفرز من خلال الأصوات المعبر عنها خارطة الطريق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يضم في هيكلته الجديدة 10 قضاة منتخبين، ستة عن المحاكم الابتدائية وأربعة عن محاكم الاستئناف، إضافة إلى الرئيس المنتدب الذي هو رئيس محكمة النقض، والوكيل العام بمحكمة النقض، ورئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض والوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وخمس شخصيات يعينها الملك. ولا يجوز الجمع بين العضوية في المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالنسبة إلى القضاة المنتخبين وممارسة أي مهام قضائية، كما لا يجوز الجمع بين العضوية في المجلس والعضوية في المكتب المسير لجمعية مهنية قضائية أو أي جمعية تهتم بشؤون العدالة، وستكون المرأة القاضية ستكون حاضرة داخل تمثيلية المرأة القاضية ضمن المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال تخصيص ثلاثة مقاعد لها، واحد لقاضيات محاكم الاستئناف، ومقعدان لقاضيات محاكم الدرجة الأولى، وهو ما يعني الوجود الحتمي للمرأة القاضية ضمن المجلس الذي لم تطأه قدماها منذ أن ولجت سلك القضاء، وهو ما اعتبر إشارة قوية للمرأة القاضية لخوض الانتخابات المقبلة، التي سيبدأ تاريخ عملية إيداع التصريحات بالترشيح لها في 20 يونيو الجاري، وتحديد بداية الفترة التي ستخصص لحملة تعريف القضاة المرشحين بأنفسهم لدى الهيأة الناخبة، والتي تنطلق في 4 يوليوز المقبل، مع تحديد لجنة الإحصاء بالقاعة الكبرى لمحكمة النقض. وتضمنت اللوائح بشأن الانتخابات، 1050 قاضيا بمحاكم الاستئناف سيختارون من بينهم أربعة قضاة لتمثيلهم في المجلس من بينهم امرأة قاضية، فيما سيقرر 2771 قاضيا بالمحاكم الابتدائية في اختيار ستة قضاة لتمثيلهم بمن بينهم امرأتان. وحددت مدة التمثيلية في المجلس في خمس سنوات غير قابلة للتمديد بالنسبة إلى الأعضاء المنتخبين ويمنع أعضاء المجلس من اتخاذ أي موقف أو القيام بأي تصرف أو عمل يمكن أن ينال من تجردهم أو من استقلالية المجلس. كما يمنع على أعضاء المجلس بوجه خاص، ولو بعد انتهاء مدة عضويتهم بالمجلس، اتخاذ أي موقف علني في القضايا التي سبق للمجلس أن بت فيها أو يحتمل أن يصدر منه قرار في شأنها. ومنح المشروع للقضاة المنتخبين والأعضاء المعينين تعويضا عن المهام يساوي على الأقل التعويض النيابي. سلطة الضمير "أعطني قاضيا جيدا ولو بتشريع سيئ أفضل بكثير من قاض سيئ بتشريع جيد"، "والعدالة البطيئة ظلم " من المقولات التي كثيرا ما تتداول للتعبير عما يصبو إليه أي مجتمع في الحصول على عدالة نزيهة. عدالة تضع في ضمن أولوياتها خدمة الصالح العام وتحقيق العدل والأمن والمساواة بين أفراد المجتمع. وهي المقولة التي يمكن استعارتها للقول "أعطني قاض نزيها وكفؤا لأجل تطبيق الفعلي للاستقلال السلطة القاضية، من خلال انتخابات نزيهة"، لأن أي إصلاح للقضاء لا يمكن أن يعطي أكله إلا بالعمل الجاد الذي يخفف أزمة الثقة، التي تنخر إرادة الإصلاح. فسلطة القضاء أو سيادة القضاء لا تتعارض مع ما يطالب به القاضي من معرفة بالبيئة وبالنظام الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه، ولا يمكن محاسبة القاضي على حسن تطبيقه للنصوص المتجسدة في الحكم القضائي، في أي حال من الأحوال، ولكن تمكن مساءلته عن طبيعة السلطة الممارسة من طرفه. ويرى المهتمون والفاعلون الحقوقيون أنه يتضح اليوم بالملموس أن المغرب وضع لبنة أساسية في ترسيخ دولة المؤسسات، ورفع السقف عاليا من أجل طمـأنة مختلف الفاعلين المحليين والدوليين على أن الرغبة الرسمية للدولة التي عبرت عنها الأمة من خلال دستور 2011، وأن التأويل السليم للدستور والتنزيل الحقيقي للمؤسسات المستحدثة دستوريا وعلى رأسها السلطة القضائية تقتضي إحداث آليات وميكانيزمات خاصة. وأن المغرب سيشهد اليوم ميلاد سلطة قضائية حقيقية، مع فك الارتباط بصفة مطلقة وحاسمة مع مكونات السلطة التنفيذية، سيما الوزارة المكلفة بالعدل ضمانا لحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وبناء دولة الحق والقانون، إلا أن هذا الميلاد يتطلب بالتأكيد حسن تدبير المرحلة الانتقالية، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والابتعاد عن التطاحنات، التي من شأنها أن تساهم في الولادة المشوهة للسلطة القضائية. كريمة مصلي

انتخابات القضاة…الفيصل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دراسة: العنف مستفحل في الإعداديات

"دارت" أبرز مصادر تمويل القفة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات