ثلاث حكايات عن غضب رسمي نزل باهرمومو (3/3)

سكان رباط الخير يطالبون رسميا باستعادة اسمها الأصلي وجبر ضررها كلها حفر، هي ذي حال الطريق إلى رباط الخير أو اهرمومو، الاسم الأصلي لمدينة احتضنت سبب سعادتها وشقائها، أكبر مدرسة عسكرية على المستوى الإفريقي، ولم تمثل بالنسبة إليها طاحونة اقتصادها وتنميتها فحسب، بل كانت أيضا عش أحلام أبنائها، في ارتقاء سلالم الجندية واحتلال المراتب الأولى في صفوة المجتمع. لكن بعد محاولة انقلاب الصخيرات التي خرجت مخططاتها من رأس مدير هذه المدرسة امحمد اعبابو، نزل عليها سخط رسمي وأحيطت بها أسوار الإهمال، فعاش فيها البشر والحجر محاصرين. كل الأمطار والثلوج التي تساقطت على اهرمومو لم تغسل ماضيها، ولم تمح سيولها آثار رجال دبوا في المدينة، وساهمت سواعدهم في تحريك نواعيرها. توقفت أنفاس المدينة عن الزفير والشهيق يوم وضعت السلطات المركزية قفل الحصار في باب المدرسة العسكرية، آنذاك علم السكان أن محرك تنمية مدينتهم أصيب بعطل ووحده قرار سياسي قادر على إصلاحه.حكاية مدينة...أكثر المدن سلما في خريطة المغرب المنسي، هي رباط الخير أو اهرمومو، ورغم أنها تعيش جميع شروط التهميش والإقصاء، فإن هذه التربة لم تنبت فيها مظاهر الجريمة والانحراف، كما هو حال مجموعة من المدن الصغيرة التي تعيش الوضعية الاجتماعية والاقتصادية نفسها، إذ تكاد نسبة الإجرام فيها تنعدم، رغم أن تعداد سكانها يفوق 15 ألف نسمة، وتتعدى نسبة الفقر، فيها أيضا، 74 في المائة، إذ تعيش المدينة على معاشات هزيلة لمتقاعدي الجيش الذين يشكلون النسبة الغالبة من السكان، فيما يعيش آخرون على فلاحة معيشية لا تحقق حتى الاكتفاء الذاتي. بالنسبة إلى الزائر الجديد، فالمنطقة تبدو كمدينة عسكرية قديمة، وهو السؤال الذي ينظر إليه السكان باستغراب، عندما تستفسرهم عن سبب ارتداء أغلبية الرجال لباسا عسكريا قديما، فإن لم تكن السترة فإنه حتما السروال، وإن لم يكونا معا فالمعطف أو الحذاء أو على الأقل القبعة، وهو ما يمكن أن تلاحظه عند مدخل المدينة أو في بعض مقاهيها أو سوقها أو أي مكان، لكن السكان لا ينظرون إلى ذلك على أنه ظاهرة، بل يعتبرونه أمرا عاديا، بما أن المدينة تضم فئة كبيرة من متقاعدي الجيش، "هؤلاء تعودوا على نمط عيش معين في الصحارى وداخل الثكنات، ولا يمكن أن يتخلوا عنه بسهولة، لذلك تصادف بعضهم وهم يرتدون ملابسهم العسكرية القديمة". نمط عسكري آخر يختلف عن باقي المدن الصغيرة، فكما المدرسة العسكرية، تحيط أسوار بأغلب المنازل المجاورة لها، وهو نمط بناء غير مألوف في مجموعة من المدن الصغيرة، خاصة في الأحياء المهمشة التي يحرص أصحابها على أن يحيطوا بيوتهم البسيطة بأسوار الوقار.الذين عاشوا الفترة الموالية لمحاولة الانقلاب التي طبخت بالمدرسة العسكرية اهرمومو، يذكرون كيف انسحب البساط من تحت مدينتهم، وكيف لاحظوا أن باقي المدن المحيطة بهم والتي كانت مصنفة أسوأ حالا، تتقدم، وتسير نحو المستقبل، فيما كانت أياد خفية تضغط صدر مدينتهم وتحولها تدريجيا إلى مدينة أشباح، لهذا السبب فطن هؤلاء إلى أن مدينتهم تستحق جبر الضرر الجماعي، فتقدموا بطلب رسمي، إلا أن ذلك لم يأت بنتيجة وتلقوا الجواب نفسه الذي تلقاه ضباط الصف والضباط الذين دفعوا ثمن خطيئة مدير المدرسة العسكرية اهرمومو. بالنسبة إلى نائب رئيس بلدية رباط الخير/اهرمومو، عبد الصمد سلوان، "الإقصاء كان ممنهجا، وهو ما شكل بالنسبة إلى المجالس السابقة إشارة خضراء ليعيثوا فيها فسادا ويحرموا المدينة من كل فرصة حقيقية لتنميتها"، قبل أن يضيف أن المدرسة العسكرية كانت تشكل "دينامو" المنطقة، خاصة في غياب أي موارد أخرى تعيش منها رباط الخير، "شرحنا لهم مرارا أن إغلاق المدرسة يعني قتلها، ويكفي ما مر من السنوات لرفع هذا الحصار وإعادة فتح المدرسة، سواء لاستئناف مهامها السابقة، وبالتالي إنعاش المنطقة من جديد، لأنه أصلا كانت اهرمومو صغيرة جدا، قبل أن تكبر وتتشكل ملامح مدينة فيها بسبب المدرسة، إلا أنه بعد إغلاقها سدت كل فرص الشغل وانتهت كل المشاريع التي تدر عليها مدخولا إلى الفشل، لذلك نقلنا أسئلة المواطنين بصفتنا سياسيين ينتمون إلى المنطقة من الحزب الاشتراكي الموحد، قبل حتى أن نتسلم المسؤولية في المجلس البلدي، إذ طرحنا عدة أسئلة حول مصير المدرسة، بل أكثر من ذلك طالبنا بإعادة فتحها، لكن جاءنا الجواب ديبلوماسيا، إذ ردت علينا إدارة الدفاع الوطني أنها ليست في حاجة حاليا إلى خدمات هذه المدرسة، أي أن قرار إعادة استئناف نشاطها رهين بالحاجة"، يقول سلوان، قبل أن يضيف أن المناضلين أنفسهم جددوا الطلب، وهذه المرة بصيغة أخرى "اقترحنا عليهم إعادة فتحها في مجال آخر، مثلا كفرع للجمارك أو أي مدرسة أخرى، يمكن أن تجلب إلى المنطقة حركة جديدة وتضخ فيها دماء التنمية من جديد".بالنسبة إلى مصادر أخرى الأمر لا يتعلق فقط بعقاب سياسي مازال يخيم على سماء المدرسة والمدينة على حد سواء، بل أيضا هناك أطماع أخرى تهدف إلى الاستيلاء على عشرات الهكتارات التي تقع عليها المدرسة، إذ أن الموت البطيء الذي تعانيه يساهم شيئا فشيئا في الدفع إلى تفويتها إلى منعشين عقاريين، وهو ما أثار استغراب المسؤول البلدي نفسه، "ما يهمنا نحن هو إعادة الحياة إلى هذا المرفق لأنه مهم بالنسبة إلى مدينتنا، ولا يمكن أن يبقى على حاله، فحين كان مفتوحا كان كل شيء يتحرك، العقار والرواج الاقتصادي والفلاحة، بل إن المدينة كانت تضم مطاعم وحانتين أغلقتا بعد توقف نشاط المدرسة، المهم أن وجود هذه المؤسسة يساهم بشكل كبير في تحريك عجلة اقتصاد المدينة".مطالب...مهما حاول سكان رباط الخير تجنب لفظ اسمها الأصلي، فإنهم يعجزون عن ذلك، رغم مرور عدة سنوات على تغيير اسمها من اهرمومو إلى رباط الخير، فلا تسمع في محطات طاكسياتها إلا اسم اهرمومو يتردد بأعلى صوت أو على لسان كل المتحدثين عن المدينة التي ماتت كل الطرق المؤدية عبرها إلى عدة مناطق.الواقع يفرض الآن، حسب شباب رباط الخير، إعادة الاعتبار إلى المدينة بدءا من استعادة اسمها، وإنصافها، "قيل الكثير عن المصالحة، ولكن لم يصالحنا أحد، ولم يستمع إلى مآسينا أحد، فإن كانوا مثلا تصالحوا مع قرية تازمامارت فإنهم تناسوا اهرمومو، ولذلك سنطالب محمد الصبار بزيارة المنطقة ليقف على العقاب الجماعي الذي تعرضت له مدينتنا، وليطلع على ملفات ضباط الصف من أبنائها الذين قضوا عقوبات حبسية في إطار ملفات محاولة انقلاب الصخيرات ولم يتم تعويضهم". هذا الواقع الذي لم يستجد، بل عاشته وتعيشه رباط الخير منذ وجدت، دفع مسؤولو البلدية وجمعيات المجتمع المدني إلى مناقشة مطلب سيتقدمون به رسميا لاستعادة الاسم الأصلي للمدينة "اهرمومو"، الذي حرمت منه بعد محاولة انقلاب الصخيرات قبل حوالي أربعين سنة. وقال نائب رئيس بلدية رباط الخير، عبد الصمد سلوان، إن هيآت سياسية وحقوقية ناقشت الأمر مع البلدية لتتقدم بالمطلب بشكل رسمي إلى الجهات المركزية في الرباط. وأضاف المسؤول نفسه "آن الأوان لتستعيد المدينة اسمها الحقيقي لرد الاعتبار إلى هذه المنطقة التي عوقبت على ذنب لم ترتكبه، وبما أننا فعلا أمام مدينة تتحرك نحو التنمية وتحررت نسبيا من التهميش الذي عاشته ومن العزلة التي ضربت عليها، لمعاقبتها على فعل لا علاقة لها به، فإنه وجب إنصافها".وكانت رباط الخير طالبت في عدة مناسبات عبر مناضلي تحالف اليسار الديمقراطي وجمعيات حقوقية بإعادة الاعتبار إلى المدينة، وجبر ضررها، بعد خلق هيأة الإنصاف والمصالحة، دون أن يؤخذ ملفها بعين الاعتبار، كما سبق أن وجهت 17 سؤالا شفويا في قبة البرلمان عن مصير قرار إغلاق المدرسة العسكرية اهرمومو والتي همشت هي الأخرى وتحولت إلى مجرد بنايات تسكنها أشباح الماضي. وهو مطلب ستجدده البلدية وجمعيات المجتمع المدني والهيآت السياسية، إذ "سنطالب أيضا بإيجاد حل لهذا المشكل، إذ لا يعقل أن تظل المدرسة مغلقة بهذا الشكل" يسجل المسؤول نفسه. وعبرت إحدى رسائل السكان في سؤال كتابي موجه إلى الوزير الأول عن تساؤلاتهم بالقول "سبق لسكان منطقة رباط الخير أن تقدموا عبر فعاليات المجتمع المدني بمطلب جبر الضرر عن منطقتهم إلى هيأة الإنصاف والمصالحة، وهو المطلب الذي لم تتم إعارته العناية الضرورية، وهو ما يجعلنا مضطرين إلى طرح الموضوع عليكم السيد الوزير الأول أخذا بعين الاعتبار أن المنطقة عانت التهميش الكبير بسبب الأحداث التي عرفها المغرب خلال السبعينات وتجسد ذلك في حرمانها من التجهيزات الأساسية الضرورية من طرق وماء وكهرباء ومرافق اجتماعية وغياب برامج تنموية تنتشلها من التخلف والفقر المدقع الذي يكتوي بنريانه أغلب سكانها وهو ما يفسر على أنه ممارسات انتقامية ضد السكان العزل الذين لا ذنب لهم أو مسؤولية في ما حدث". وإذا كانت إدارة الدفاع الوطني ردت على أسئلة اهرمومو بأنها، حاليا، ليست في حاجة إلى فتح المدرسة، فإن الوزير الأول لم يرد على رسائل واستسفارات السكان، الذين يرون الآن أنه لابد من تحويلها إلى مرفق آخر، "عليهم أن يفتحوا على الأقل بعض أقسامها المتعددة كفرع لمدارس الدرك مثلا أو الجمارك أو غيرهما، فعدة خدمات كانت تنتعش بوجود المدرسة، وإذا استعاد المرفق حياته، مهما كان النشاط الذي يجب أن يستخدم فيه، ستستعيد المدينة وجودها، فهناك عدة تخصصات يمكن نقلها إلى هذه المؤسسة، وبالتالي زرع الحياة من جديد في اهرمومو". إنجاز: ضحى زين الدين

ثلاث حكايات عن غضب رسمي نزل باهرمومو (3/3)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تبادل الاتهامات بين مدير وتلاميذ المعهد العالي للدراسات البحرية

إسلاميون ويساريون يطالبون بتعديل الفصل 19

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات