لا أحد يجادل في أن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي سيدخل حيز التطبيق بعد ثلاثة أشهر، على أبعد تقدير، يعد علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب، كما أكد ذلك محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الأربعاء الماضي، لمناسبة اللقاء التواصلي المنظم من قبل المجلس نفسه، تحت شعار "القضاء في خدمة الإدماج: قراءة تطبيقية في مسارات تفعيل العقوبات البديلة". فالعقوبات البديلة ظلت مطلبا حقوقيا دافع عنه المهتمون بمجال العدالة، وطالبوا منذ مدة بسنه، إسوة بدول أخرى تبنته ونجحت في مواجهة الجريمة وتحقيق الردع العام والخاص، وتجنيب السجون أعباء الاكتظاظ والتغذية والتطبيب وغيرها. ويتزامن تنزيل القانون الجديد مع ذكرى غالية على المغاربة، وهي ذكرى ثورة الملك والشعب، التي تصادف 20 غشت، إذ أن التطبيق سينطلق في الثامن منه، وهو ما يؤكد ترجمة لرغبة ملكية ما فتئ جلالته يدعو إليها من أجل مغرب أفضل، إذ في الذكرى نفسها لسنة 2009 خصص الملك خطابه السامي لإصلاح منظومة العدالة، واصفا الحدث بمواصلة الجهاد الأكبر، إذ قال "مواصلة للجهاد الأكبر... ارتأينا أن نخصص خطابنا، المخلد لذكراها السادسة والخمسين، لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، تعزيزا لأوراش التحديث المؤسسي والتنموي، الذي نقوده. فمنذ تولينا أمانة قيادتك، وضعنا في صلب انشغالاتنا إصلاح القضاء، بمنظور جديد، يشكل قطيعة مع التراكمات السلبية، للمقاربات الأحادية والجزئية...". أكثر من ذلك أن جلالته في الخطاب نفسه أوجب اعتماد الطرق القضائية البديلة، عندما قال "يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة...". هكذا إذن خطط الملك، وهكذا ترجم الخطاب على أرض الواقع من قبل مختلف المتدخلين، لنصل إلى الصيغة التي تضمنها القانون 43.22 والمنتظر تنزيلها في 8 غشت المقبل. في اللقاء التواصلي المنظم الأربعاء الماضي من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي شاركت فيه الهيآت المكلفة بتنزيل القانون وتنفيذه، لم يفت محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التأكيد على أن المراحل الأولى لدخول القانون حيز التنفيذ، ستحمل بلا شك، العديد من التحديات، داعيا إلى تقييم كل مرحلة من مراحل التنزيل، لاستخلاص النتائج وتطوير الأداء وتوحيد وتوجيه جهود جميع السلطات والهيآت والفعاليات المجتمعية، لبلورة نموذج مغربي متفرد، تفاديا للإخفاقات التي عرفتها تجارب مجموعة من الدول التي سبقتنا في اعتماد العقوبات البديلة. ما يعني أن القائمين على هذا الورش الكبير، تنتظرهم امتحانات تنزيل القانون وترجمة فلسفة المشرع وأهدافه، وأن طريق الجهاد الأكبر مازالت متواصلة لإنجاح هذا الانتقال الذي يروم إصلاح سلوك المخالفين للقانون وتنويع رد الفعل العقابي تجاه الجريمة.