يشكل الشهود في أي ملف قضائي، معادلة صعبة، قد تنبني عليها أحكام لا تمت للحقيقة بأي صلة، وقد تكون وراء تجريد ضحايا من حقوقهم أو الزج بأبرياء في السجن، خاصة في الحالات التي تكون من ضمن وسائل الإثبات الرئيسية. ما حدث في قضية الضحية خديجة، المعروفة إعلاميا بقضية «مولات 88 غرزة»، والتي تعرضت إلى اعتداء شنيع من قبل متهم، خير دليل على تلك المعادلة الصعبة، إذ أن مجرد تصريح في شريط صوتي، قدم للمحكمة في المرحلة الابتدائية، وتم بناء عليه استدعاء الشاهد المفترض، انقلبت الموازين في تلك القضية وأضحت الضحية مقترفة الاعتداء، حسب ما أكده الشاهد المفترض ليتم استبعاد محاضر الضابطة القضائية، والاستناد إلى ما جاء في تلك الشهادة، والحكم على المتهم بشهرين حبسا نافذا، كانت ستنتهي، أول أمس (السبت)، ليعانق الحرية بجرمه، غير أن ما أثير حول ذلك الحكم الابتدائي، دفع المحكمة في المرحلة الاستئنافية إلى البحث في وسائل الإثبات المعتمدة، أي شهادة الشهود، الذين تم إحضارهم بالقوة العمومية، من قبل الوكيل العام لاستئنافية القنيطرة، مخافة عدم الاستجابة للاستدعاء، لتنكشف الحقيقة بأن تلك الشهادة التي اعتمد عليها في المرحلة الابتدائية كانت تحت الضغط، وأن المتهم بالفعل هو من اعتدى على الضحية، لتعيد المحكمة في المرحلة الاستئنافية الأمور إلى نصابها، برفع العقوبة في حق المتهم ومنح الضحية تعويضا عن الضرر الحاصل لها. قضية خديجة وغيرها من القضايا التي تصب في الاتجاه نفسه، والتي تكون فيها الشهادة وسيلة مهمة في الاثبات أو النفي، تتطلب التزام الشاهد أو المبلغ بقول الحقيقة وكشف النقاب عنها، على اعتبار أن المجتمع أضحى يعاني أزمة القيم التي تطبع سلوك البعض، وتدفع إلى القيام بأي شيء يكون في سبيل تحقيق غاية معينة، حتى ولو كانت ضد القوانين ويمكن أن تضر بالآخر. فإشكالية "شهود الزور" في محاكم المملكة هي "أخلاقية" بالدرجة الأولى وقضية مجتمع، قبل أن تكون قضية قضاء، الشيء الذي يصعب معه في حالات عديدة السيطرة عليها بالشكل الحازم، إذ رغم أن القانون الجنائي في الفصل 368 وما يليه من القانون الجنائي، يعاقب على شهادة الزور، التي تصل العقوبة القصوى فيها إلى 10 سنوات في حال إذا ما كان موضوع الشهادة قضية جنائية، مما يؤكد خطورة هذه الجريمة، إلا أن الإجراءات الرسمية تبقى عاجزة عن القضاء على هذه المعضلة، فالعدالة وحدها عاجزة تمام العجز عن أن تصنع العدل والإنصاف ما لم تكن هناك مساهمة الجميع بمن فيه المواطن، الذي عليه أن يقدم يد المساعدة إلى العدالة، بقول الحقيقة لأن "الساكت عن الحق شيطان أخرس". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma