تشابه إحصائيات غرف المحاكم الأربع واستفهامات حول تعطيل جرائم أصلية برمجت هيأة جرائم غسل الأموال بالمحكمة الزجرية، ثلاثة ملفات في الأسبوع الماضي، وهو العدد نفسه الذي سيتم النظر فيه الأسبوع الجاري، وأغلب هذه القضايا مازالت لم تصدر فيها أحكام نهائية، بل إن ملف الناصري وبعيوي ومن معهما، المدرج ضمن القضايا الثلاث، مازالت جلساته رائجة بغرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية البيضاء، أي أنه لم يصدر فيه حكم بعد. أما في مراكش فلا يتعدى عدد الملفات المدرجة بجلسات المحكمة الابتدائية لهذا النوع من الجرائم، واحدا، بينما في فاس يوجد 14 ملفا، والرباط أيضا تعرض بها ملفات معدودة على أصابع اليد. إعداد: المصطفى صفر إذا كان العمل القضائي قد سار على أن تستقبل غرفة جرائم غسل الأموال، ملفات لم يتم الحسم فيها بأحكام نهائية، فإن القانون يفرض أن تحال فعليا ملفات الأحكام التي أصبحت منتهية وحائزة لقوة الشيء المقضي به، سيما أن غسل الأموال جريمة تابعة لجريمة أصلية تم ارتكابها. ملفات دون أخرى حدد المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 574 الخاص بمكافحة غسل الأموال، 24 جريمة أصلية، تقتضي تحريك المتابعة بجريمة غسل الأموال، وضمنها الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية والاتجار في البشر وتهريب المهاجرين والاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخيرة والرشوة والغدر واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة والجرائم الإرهابية والتزوير وتزييف النقود وسندات القروض العمومية والبيع الهرمي وخيانة الأمانة والنصب وغيرها من الجرائم المذكورة على سبيل الحصر في الفصل ذاته. ويرى المتتبعون أن استقبال غرفة غسل الأموال لملفات متهمين غير مدانين بالجرائم الأصلية، أي مازالت قضاياهم معروضة على القضاء، فيه نوع من التشكيك في قرينة البراءة التي تمت دسترتها في 2011، بل إنه يمس بهذه القرينة، خصوصا إذا صدرت أحكام برأت المتهمين من تلك الأفعال المحددة جرائم أصلية، سيما أن جريمة غسل الأموال هي جريمة تابعة، أي أنه لا بد من تحقق الأصلية، وأن المشروع هدف من ورائها إلى حماية النظام الاقتصادي وتنزيل سياسة الدولة لتحقيق معدلات نمو عالية وتحقيق الرفاهية والمساواة في الكسب والثراء، إذ أن للجريمة آثار اقتصادية وخيمة على الدخل القومي وعلى توزيعه ومعدل التضخم وقيمة العملة الوطنية وغير ذلك من الأضرار. دور النيابة العامة من بين الجرائم التي ينبغي أن يعقبها تحريك النيابة العامة لجريمة غسل الأموال، النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، ورغم أن عددا كبيرا من القضايا الزجرية الكثيرة التي يتم البت فيها من هذا النوع داخل النفوذ الترابي الشاسع لمحكمة غسل الأموال بالبيضاء، إلا أنها لم تر الطريق ولم يتم اعتبارها أصلية لتحريك متابعة تبييض الأموال. نفوذ المحكمة الزجرية لعين السبع يشمل نفوذ محاكم الاستئناف بالبيضاء وسطات والجديدة وخريبكة وبني ملال، وهي دوائر قضائية تنتج شهريا مئات الأحكام من النوع الأصلي لجريمة غسل الأموال، ما يطرح استفهامات حول ضعف إحالة الملفات على الغرفة المخصصة لمعالجة هذه القضايا. المعلوم أن النيابة العامة هي التي تفرز الملفات وتحيلها على قضاء التحقيق ومنه تمر إلى الهيأة المكلفة بجرائم غسل الأموال، وفي أحيان يتم تكليف الفرقة الوطنية بإنجاز أبحاث قبل إحالة الملف، وهي أبحاث قد تتعلق بانتدابات لكشف أرصدة أو عقارات وغيرها من الأشياء المفيدة التي يمكنها أن تكون محل أوامر بعقلها، إلى حين إصدار الحكم، وهو الإجراء نفسه الذي يشرف عليه قاضي التحقيق. ورغم ارتفاع عدد القضايا المحكومة والمرتكبة في الدوائر الاستئنافية التابعة للمحكمة الزجرية عين السبع، والتي تشكل جرائم أصلية تتيح تحريك المتابعة بجريمة غسل الأموال، تطرح استفهامات حول ضعف الإحالات، سواء في قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية أو النصب أو خيانة الأمانة أو التزوير في المحررات الرسمية وغيرها من الجرائم المحددة في الفصل 574 من القانون الجنائي، خصوصا أن الإحصائيات التي وردت في الجمعيات العمومية للعامين الماضيين، لمحاكم الاستئناف لكل من الجديدة والبيضاء وبني ملال وخريبكة، أشارت إلى نسبة عالية من تصفية الملفات، ما يفترض معه أن تتضمن هذه الملفات أعدادا كبيرة من القضايا التي تشكل جريمة أصلية لجنحة غسل الأموال، إلا أن ذلك لم يظهر على مستوى إحصائيات الملفات المعروضة بغرفة غسل الأموال بزجرية عين السبع المختصة بالبت في هذا النوع من القضايا والتي تتبع لها الدوائر الاستئنافية سالفة الذكر. إخفاء الأموال ضمن الجرائم الأصلية التي تستوجب تحريك المتابعة بجريمة غسل الأموال، جنحة النصب المنصوص عليها في الفصل 540 من القانون الجنائي، والشيء نفسه بالنسبة إلى جنحة خيانة الأمانة والاختلاس، وعموما الجرائم المرتكبة ضد الأموال، إذ أن النصابين يجنون أموالا كثيرة من وراء عمليات إيقاع الغير في الغلط، كما أنهم يعمدون إلى إخفاء هذه الأموال، إذ حتى في حال اعتقالهم فإن الضحايا من المطالبين بالحق المدني لا يجدون لديهم ما يحجز، وتضيع حقوقهم، فرغم الحصول على أحكام بتعويضات بالملايين يتيه المطالب بالحق المدني ولا يجد سبيلا لتنفيذ حكمه والحصول على الأموال. وغالبا ما يعمد النصابون إلى إخفاء الأموال ونقلها إلى أشخاص آخرين من أقربائهم، وهو ما يتعذر معه الوصول إليها. ردع المجرمين من الأهداف ففي البيضاء قضت محكمة عين السبع، أخيرا، ضد نصاب بسنة ونصف سنة حبسا نافذا وتعويض لضحاياه، ممن أوهمهم بقدرته على تخفيض الضرائب لهم. الغريب أن هذا المتهم غادر السجن قبل ستة أشهر فقط من صدور الحكم الجديد في حقه، وكان مدانا بالنصب أيضا بعد أن احتال على العديد من الضحايا بمدهم بوثائق مزورة تهم جميع الإدارات وبيعه لهم عقارات تابعة للأملاك المخزنية بوثائق مزورة عليها توقيعات رسمية. المتهم أدين في الملف الأول ابتدائيا واستئنافيا بثلاث سنوات ونصف سنة، وغادر السجن، ليعود إلى نشاطه الإجرامي، قبل أن يعتقل من جديد وهو متلبس بالجرائم نفسها التي سبق أن أدين من أجلها وفي زمن قصير. فلو حركت النيابة العامة ضده جنحة غسل الأموال، لتمكنت من ردعه، إذ على الأقل سيعلم أنه مراقب وأن الأموال التي سيحصدها ستعود لأصحابها أو للخزينة العامة ولو أخفاها بنقلها إلى زوجته أو أبنائه أو أقاربه. والشيء نفسه بالنسبة إلى الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، فالمتابعات بجنحة غسل الأموال، المعتبرة جريمة تابعة، تضيق الخناق على هذه العينة من المجرمين وتجعلهم يدركون أنهم ملاحقون بقانون أشد من حيث العقوبات المالية، إذ لا تقتصر إجراءاته على الأحكام التي تصدر، بل إنها تبدأ بعقل الممتلكات والحسابات سواء الشخصية للمتهم، أو تلك المشكوك في أنها لأحد أقاربه. جريمة مستقلة جريمة غسل الأموال هي الجريمة التابعة لجريمة أصلية مفترض ارتكابها، وهي من الجرائم الـ 24 التي حددها المشرع، في الفقرة الثانية من الفصل 574 الخاص بمكافحة غسل الأموال، وwالتوجه الذي كان سائدا هو تحريك المتابعات بشأن تبييض الأموال بعد الإدانة بإحدى الجرائم الأصلية والتي ضمنها الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية والنصب وغيرها من الجرائم المذكورة في الفصل ذاته على سبيل الحصر. لكن التجربة القضائية أكدت أن جريمة تبييض الأموال هي أيضا جريمة مستقلة، تتوفر عناصرها القانونية، سواء تم تحريك الدعوى العمومية في إحدى الجرائم الأربع والعشرين المحددة حصرا، أو لم يتم تحريكها، إذ لم تعد متوقفة على إدانة مرتكب الجريمة الأصلية. تأهيل وتطوير أكد رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، في ماي الماضي لمناسبة مشاركته في ندوة دولية نظمها الاتحاد الدولي للمحامين بشراكة مع هيأة المحامين بطنجة وجمعية هيآت المحامين بالمغرب، (أكد) أن المغرب قام بمجموعة من الإجراءات العملية لتحصين المنظومة المالية المغربية، عبر الاستجابة لمعايير مجموعة العمل المالي وملاءمة التشريعات القانونية وتوسعة اختصاص المحاكم المالية، مبرزا أن هذه الجهود ضمنت خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي وساهمت في تعزيز الثقة في المنظومة الاقتصادية وجعل المغرب وجهة آمنة للاستثمارات. وأضاف الداكي أن النصوص التشريعية والآليات المؤسساتية غير كافية لوحدها للحد من مخاطر جريمة غسل الأموال، داعيا إلى ضرورة تأهيل كفاءات مختلف المتدخلين وتطوير طرق اشتغالهم، وزيادة التنسيق والتعاون بين الهيآت القضائية والأمنية والاقتصادية والمصرفية المعنية، مبرزا أن رئاسة النيابة العامة أعدت دلائل تطبيقية في تقنيات البحث والتحقيق حول مختلف أشكال جرائم غسل الأموال بتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون. وأورد رئيس النيابة العامة في اللقاء ذاته أن الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة، سجلت ارتفاعا مطردا في عدد القضايا المسجلة منذ دخول قانون مكافحة غسل الأموال حيز التنفيذ، إذ تم تسجيل 336 قضية في الفترة بين 2008 و2018 مقابل أكثر من 2927 قضية من 2018 إلى 2023، بينما ارتفعت الأحكام من 27 حكما إلى 311، مشيرا إلى التحديات الجديدة الناجمة عن التطور التكنولوجي من قبيل التجارة الإلكترونية، الأصول الافتراضية، وغيرها، ما يقتضي مواصلة الجهود الفردية والجماعية وتحديث الترسانة القانونية وتقوية الكفاءات وتعزيز التنسيق الوطني والدولي.