تتمنى لمياء عبيدي، نموذج المرأة الفاسية، لو يطول اليوم بساعات إضافية لتفي بجميع متطلبات أسرتها، وتعين جدتها على التطبيب وترتيب بيتها وتوفير جو مرح يرضيها. جربت لمياء العمل والموازنة بينه وبين الواجبات الأسرية، قبل أن تتفرغ لتربية ابنيها المراهقين. يبدأ يوم هذه المرأة الطموحة، المزدادة في 20 يونيو 1979، باكرا، على غرار كل الفاسيات نواة أسرهن الأساسية، إذ تعد فطور فلذتي كبدها، قبل أن يستفيقا ويتناولاه وترافقهما إلى وجهتيهما الدراسية، في رحلات مكوكية يومية تستلذ بها رغم مشاقها، للفرحة والبشاشة اللتين تعاينهما في وجهيهما وهما يرسمان قبلات حارة على جبهتها كلما استفاقا، أو هما بالنزول من سيارتها بباب المدرسة. هذا المشهد يتكرر 4 مرات على الأقل في اليوم دون كلل في سبيل توفير الجو الملائم لدراستهما وعيشهما، رغم ظروفها الاجتماعية موازاة مع انكبابها اليومي في ترتيب قاعة الضيوف والاستقبال وغرف البيت الذي تحرص أن يبقى دوما نظيفا ومرتبا، قبل أن تتفرغ للطبخ وتهييء وجبة الغذاء والعشاء ووضع اللمسات الضرورية لجمالية المائدة، دون حاجة إلى مساعدة أحد. وتؤكد أن ربة البيت الفاسية حريصة على تحضير وجبات الأكل وترتيب المائدة بذوقها الفني، إن لأسرتها أو الضيوف، طالما أن ذلك من صلاحياتها وواجباتها وسياديتها بمنزلها، وكل إبداع في الوجبات، يحفزها وتنال عنه احترام متناوليها، مشيرة إلى أنه لا يمر يوم دون أن تزور فيه جدتها القاطنة بفاس أيضا، للاطمئنان على حالها ومساعدتها في التبضع وترتيب المنزل وزيارة الطبيب والترويض. وترى في رعاية جدتها، واجبا يوازي مسؤولياتها المنزلية اليومية، وفي الأعياء والمناسبات الدينية، لما تتفنن في إبداع أشكال فاسية من الحلويات والوجبات، مشيرة إلى أن نساء العاصمة العلمية حريصات على عادة تقطير الورد البلدي وأزهار البرتقال و"الرانج"، فيما مازالت بعضهن وفيات لصناعة "الغاسول" المستعمل في تنظيف الشعر، الذي لا محيد عنه حتى بعد اكتساح أنواع "الشامبوان".وأثنت على طريقة تربيتهن أطفالهن على احترام الآخر والتحلي بالأدب في التعامل مع الجميع، وتلك الأجواء اللائي يخلقنها بتلقينهم قطعا في الأمداح النبوية وموسيقى الآلة وفن الملحون وغيرها من الفنون التراثية، موازاة مع تحفيظهم سورا قرآنية وبعض الحرف التقليدية، دون أن تنكر أن بعض تلك العادات سائرة إلى زوال، بفعل ابتلاء المدينة بعادات دخيلة تسربت إليها من قبائل أخرى.هذه المسؤوليات الكثيرة داخل البيت، التي تأخذ من وقت لمياء عبيدي وكل ربات البيوت بفاس، أكبر حصة من أيامهن، لا تلهيهن عن تهييء أنفسهن زوجات باختيار حسن اللباس والحلي واستعمال وسائل التجميل التقليدية والعصرية منها، إذ تبدين في منتهى الأنوثة والجمال والذوق الرفيع، لتكبر صورتهن في أعين أزواجهن، بشكل يومي وليس اقتصارا على المناسبات على اختلافها. وتؤكد أم أمين وشيماء، أن مسؤولياتها المنزلية والمجتمعية ونشاطها المكثف في جمعيات، لا يمنعها من الاهتمام بمظهرها وجمالها ومختلف ألوان الموضة، وفي تتبع الأخبار الدولية والوطنية في الصحف وعبر مختلف القنوات التلفزيونية الفضائية، والاستمتاع بالموسيقى التراثية والاستماع إلى فنانين عالميين بمن فيهم الإسباني خوليو أيلغسياس وطرب الآلة وفنون شعبية تراثية مغربية.حميد الأبيض (فاس)