إن لم يكتب لأمينة مساعد الحسني، أن تعيش حلم الأمس بأن تصبح مسؤولة عسكرية، فإنها ذلك لم يصبها بعقم الأحلام، فحولت بيتها إلى ثكنتها الخاصة، حيث تمارس سلطة الأم على أبنائها، وتوجههم إلى طريق المستقبل بالكثير من الصرامة والحب.مينة أم وربة بيت في الأربعينات من العمر، طموحة، محبة للحرية، "نعم أحب الحرية، وهذا ما ربيت عليه أبنائي لا فرق عندي بين الولد والبنت، بل هذا ما رباني عليه والدي رحمه الله الذي كان جنديا، وحارب لصالح فرنسا في عدة بلدان أوربية ضد الألمان". واجهت مينة صعوبات في طفولتها، بعد أن حاولت والدتها إجبارها على الانقطاع عن الدراسة على غرار بنات الدوار في بولعوان بالجديدة، "كانت والدتي تضغط على أبي، خاصة أن المدرسة كانت بعيدة، وكنت أقطع مسافة طويلة مشيا، وأعبر واد وساقية أحيانا في الظلام". كبرت مخاوف والدة مينة، غير أنها والدها الذي عاد من أوربا مشبعا بالفكر المتحرر أبى إلا أن تتابع ابنته دراستها، "كان يدعمني حتى عندما كان إخوتي الذكور يحاولون منعي من اللعب مع زملائي ، فكان رحمه الله يقول لهم : هي حرة، ولها أن تلعب مع الإناث والذكور".تتذكر مينة والدها بكثير من الشوق والفخر، "أبي علمني أن أكون قوية، وألا أخضع أبدا لأي ظرف أو شخص"، غير أن الطفلة الصغيرة سرعان ما كبرت وكبرت معها مخاوف الأم التي ظلت مصرة على حرمان ابنتها من متابعة الدراسة، "أتممت المرحلة الابتدائية بنجاح، وهنا حلت الكارثة، لأنه لم تكن في قريتنا إعدادية، ووجدت أمي ضالتها لتجدد ضغوطها على والدي، غير أنه اصطحبني بعد العطلة الصيفية إلى بيت أقاربنا في الدار البيضاء حيث قضيت أربع سنوات أخرى، ظهرت خلالها مشاكل حقيقية أدت إلى عودتي إلى بيتنا".بعد فترة قصيرة من إجهاض أحلام مينة في متابعة دراستها، تقدم ابن خالتها لخطبتها، "تزوجنا، وكنت أعتقد أن الزوج هو المسؤول الوحيد عن بيت الزوجية، وأن قراراته كلها لابد أن تكون صائبة، وما علي سوى التنفيذ". غير أن الأيام والمنعطف الجديد الذي دخلته الزوجة الصغيرة، أظهرا لها أن عليها المشاركة، فلم تتورع عن تحمل المسؤولية، "يخطئ من يعتبر أن الرجل هو الذي يجب أن يتحمل مسؤولية جميع القرارات لأنه ينفق على الأسرة، بل على الزوجة أن تتحمل قدرا بل كل المسؤوليات الكبيرة، لذلك تحولت إلى عسكرية في بيتي".امتلأت مينة إحساسا بالمسؤولية بعد إنجابها أطفالها الأربعة، "لم يكن علي أن أأتمن الصدف على مستقبل أبنائي، وإن كنت أحيانا أشعر بمرارة لأنني لم أحقق حلم طفولتي، فقد جعلت من أحلام أبنائي امتدادا لأحلامي". مرت السنوات بسرعة، وبدأت المسؤوليات تقل، "سابقا كنت أستيقظ قبل السادسة صباحا أعد لهم الفطور، وأهيئهم للمدرسة، وأرافق الصغار منهم، قبل أن أعود لأبدأ في تنظيف البيت، ثم إعداد الغذاء، وأهرع من جديد نحو المدرسة لإعادة الأبناء، ثم إعداد مائدة الغداء، فمرافقتهم إلى المدرسة زوالا، قبل أن أعود لغسل الأواني". تمر ساعة بعد أخرى، تقوم فيها مينة بأشغال منزلية متواصلة، "لا توجد راحة، لا عددا محددا لساعات العمل، ولا عطلة أسبوعية، ولا عطلة صيفية ولا تقاعد، ولا ضمانا اجتماعيا، نقوم بأعمال شاقة، في سبيل الله". كبر الأبناء، وبدأت مسؤوليات مينة تقل نسبيا، وحين شعرت بظلال الفراغ تزحف باتجاهها، بحثت عن اهتمامات جديدة، "تسجلت في التكوين المهني، وتعلمت الطبخ لأحصل على دبلوم، غير أن ذلك غير كاف في غياب أي دعم من الحكومة لربات البيوت، فلو فكر بنكيران في خلق دعم لمشاريع ربات البيوت لتقبلت شخصيا كلامه عن "الثريات"، لكني لن أتقبله مادامت ربة البيت تترك للفراغ وللمسلسلات التركية والمكسيكية، ولا تجد من يساعدها على تحقيق مشاريعها، فلكل واحدة منا طموح وقدرة على المساهمة في بناء اقتصاد الوطن، حين تخف مسؤوليات تربية الأبناء".ضحى زين الدين