آسفي، مدينة صنو التراب، والنساء الملتحفات بالحايك الصوفي الوثير، الذي يعبر عن تقليد عبدي ضارب في أعماق التاريخ. بهذه المدينة، ورثت "لالة هنية السميري" ما يكفي من والدتها "فاطمة"، التي علمتها أبجديات الحياة، حتى صارت "لالة هنية" المزدادة سنة 1943 معدنا من معادن النساء اللواتي يدركن جيدا معنى الحياة ومعنى الحب، يفرحن عندما تكون الحياة مليئة بالأفراح والمسرات، ويحزن كثيرا عندما يكون الألم متدفقا، ويحاولن أن ينسين ذلك بدموع غزيرة، تقوم بدور التخفيف من وطأة الألم."لالة هنية" المتيمة حتى الثمالة بمعنى الأمومة، ورثت من "السي الطاهر" الذي غادر إلى دار البقاء، خمسة أبناء منهم ثلاثة ذكور وأنثيان، الابن الأكبر يعمل اليوم مديرا لشركة تشغل في مجال الأشغال العمومية، في حين يشتغل الذي يصغره سنا والمسمى "أحمد" مديرا لمؤسسة ثانوية، والثالث صيدلي، في حين أن البنت الأولى، قادها قدرها إلى الاشتغال ممرضة، والثانية حصلت أخيرا على الإجازة في الفلسفة.وراء هذا الزخم من نجاح الأبناء، امرأة مكافحة ومناضلة اسمها "لالة هنية"، تحملت عناء ومشاق الحياة، وصبرت على الكثير من "زلات" الزوج كما تقول وابتسامتها لا تفارقها، إذ قالت ذات يوم لوالدها، الذي لم يقبل عنف زوجها عليها، "إذا كان الزوج يمارس علي عنفه، فإنني أتحمل عنفه وشغبه في سبيل أبنائي، لأنهم هم الأمل والمستقبل والحياة"، وهي أم لطفلين فقط آنذاك.منذ زواجها، ظلت هذه المرأة الحديدية كما تصنفها ابنتها "هند"، مقاومة لتقلبات الزمان، فالزوج كان يشتغل بقطاع الصيد البحري، وعمله مرتبط بما يجود به البحر، وهو ما جعل من "لالة هنية" مطالبة بمساعدة الزوج بتدبير أمور الحياة، فكانت تلجأ إلى صناعة الحلويات، ثم يقوم أحد أبنائها ببيعها، وجني مبلغ مالي من وراء ذلك يعين على نوائب الدهر، كما كانت تستثمر جزءا من عائدات بيع الحلويات في اقتناء المجوهرات وبيعها عند الحاجة.لم يكن الزوج يشعر بأنه لوحده مسؤول عن توفير لقمة العيش للأبناء "نحن أسرة، وبالتالي فالجميع معني بتوفير لقمة العيش، خصوصا أنا والزوج، لأن الأبناء كانوا صغارا، وبالتالي كان لابد من مساعدة الزوج".لم يقف الأمر عند حدود المساعدة في تدبير مصروف البيت فقط، ف "لالة هنية" وبحكم طبيعة الزوج، كانت مسؤولة عن دراسة الأبناء وتتبعها، ومراقبة أدائهم الدراسي، لأن أي تراجع في مستواهم، يبقى من صميم مسؤوليتها في نظر الزوج، وكذلك في نظر أسرتها.ثامن مارس، لم يكن يوما في ذاكرة امرأة نقشت اسمها على صخر المعاناة، فالتضيحة لم تكن مرتبطة بتخليد أو الاحتفاء بيوم عالمي أو وطني الأمر سيان، ولا بدفاع من قبل منظمات أو هيآت، "لأن السر يكمن في أننا نحن النساء في تلك الفترة، كنا نحب الحياة، ونسعى إليها، ونتحمل كل المعاناة في طريق البحث عنها..تقول "لالة هنية".محمد العوال (آسفي)