العادة أن جرائم النصب تنطلي على المواطنين من الفئات المتوسطة والدنيا، وأن الطعم الذي يختاره المحتالون يكون منسجما مع طموحات وأحلام هذه الفئات، ليختار النصاب السبيل المختصر للإيقاع بضحاياه، سواء بادعاء لقب مهنة ينظمها القانون، أو بالادعاء بعلاقاته مع نافذين، أو أيضا بما استجد اليوم من جرائم "السماوي" أو التسويق الهرمي وغيرهما. وإذا كان الضحية في الحالات العادية يطمح إلى الربح السريع أو قضاء مآرب إدارية عجز عن الوصول إليها بسبب حواجز البيروقراطية الزائدة والزبونية، فإن قضية "المخازني" المتقاعد، الذي أسقط عمالا على عمالات ومسؤولين بالداخلية في فخاخه، تطرح أكثر من علامة استفهام، كما تدعو إلى التساؤل حول ماهية الربح الذي حلم بتحقيقه من نفذوا رغباته. حيلة المحتال على مسؤولي الإدارة الترابية أيضا تدعو إلى التساؤل حول شبهة وفرضية استغلال النفوذ لتلبية حاجات خاصة، سيما أنه بمجرد مكالمة هاتفية إلى الموظفة المكلفة باستقبال الاتصالات بالعمالة، تعبد أمامه الاتصالات والطريق، ليأمر بتحويل مكالمته إلى الهدف الذي يريد الإيقاع به، وبذلك يصبح الضحية أمام مكالمة قادمة من عمالة تابعة للداخلية، ليسقط صريعا في الفخ وينفذ ما يطلب منه معتقدا أن الذي يخاطبه هو العامل نفسه أو الكاتب العام، حسب ما يختاره المحتال في كل مرة من صفة أو لقب. أتقن المتهم وسيلة الخداع والوصول إلى مديري وكالات بنكية عبر موزعات الهاتف والكتابة الخاصة بعمالات، وطلب ما يريده من أموال تحت ذريعة ضياع بطاقته البنكية وغيرها، وتوصل بالأرقام السرية للحوالات المالية، لكن لكل بداية نهاية، ونهايته كانت على يد مصالح الأمن التي أفلحت في اعتقاله. في عدد من السوابق أوقف منتحلو صفات، ضمنهم من أفلح في الاحتيال على عامل مدينة بتقمصه صفة مسؤول بالمخابرات المدنية، وأنه في مهمة لتفكيك شبكة إرهابية، ليسقط مسؤول الداخلية في الفخ، ويسقط معه مرؤوسيه بأن وضعهم رهن إشارته ولبوا مطالبه المالية، قبل أن يكتشفوا انهم ضحية نصاب ماكر. واقعة "المخازني" المتقاعد، ليست الأولى التي أسقط فيها محتال موظفين كبار اختارهم طعما لتنفيذ عملياته الإجرامية، فقد سبق في مرات أخرى أن ظهر محتالون من العينة نفسها، انتحلوا صفات مختلفة أو ادعائهم ألقاب مستشارين في دواوين مسؤولين سامين، لدرجة أن النصب طال عمال عمالات وموظفين سامين ومنعشين عقاريين وغيرهم، ما يعيد طرح الاستفهامات حول أسباب الاستجابة السريعة لمطالب هؤلاء المحتالين، وكيف تنطلي الحيلة على من وجب عليهم الاحتياط والحذر، أكثر من غيرهم. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma