حملة للسلطة كشفت الوجه الخفي لمناطق سوداء وحررت شوارع وأحياء من الفوضى لا صوت يعلو هذه الأيام بمنطقة سيدي مومن بالبيضاء، على صوت جرافات، استعان بها مسؤولو السلطة المحلية في حرب ضروس على العشوائي واحتلال الملك العمومي. امتازت الحملة هذه المرة بالصرامة، ونجحت في إزالة "ممالك" العشوائي، كان يروج أنها مستعصية على الزوال، إما بحجة أن مالكيها "مشرملين" تتفادى السلطات مواجهتهم، أو أنهم يحظون برعاية خاصة من نافذين بالمنطقة، إلا أن هذه الأسطورة تكسرت على أرض الواقع، في رسالة إلى أن تفعيل القانون سيطول الجميع مهما كلف الأمر. إنجاز : مصطفى لطفي تشهد الملحقتان الإداريتان "الأمان" و"الجوهرة"، حالة استنفار غير عادية، بعد أن قررتا بشكل مشترك خوض معركة ضد العشوائي ستمتد لمدة شهر. كل صباح باكر، ينظم رئيساهما بزيهما العسكري، اجتماعا مصغرا مع أعوان السلطة وعناصر القوات المساعدة، لتحديد المكان المستهدف في الحملة، والخطة والهدف من العملية، مع تعليمات صارمة للأعوان و"المخازنية" من أجل احترام القانون أثناء تنفيذ قرارات الهدم وتفادي أي اصطدامات مع المواطنين، قد يستغلها بعض من في قلوبهم مرض للترويج بأنها تجاوزات وشطط. بعد الاجتماع ينطلق الجميع صوب الحي المستهدف، وخلفهم جرافة ينتظر سائقها الأوامر لتخريب كل بناية أو "براكة" نبتت في جنح الظلام. «جمهورية الشابو» المستقلة تظل "حفرة الشابو" بسيدي مومن من أخطر المناطق بالبيضاء، إذ رغم النهضة العمرانية التي شهدتها المنطقة، ظل هذا المكان الممتد على مساحة تزيد عن 9 آلاف هكتار، أرضا خالية، بها مسالك طبيعية وعرة، تصعب عملية الولوج إليها، وتطل من ارتفاع 30 مترا على "دوار الرحامنة" العشوائي. كانت هذه المنطقة منذ عهد الاستعمار مقلعا لاستخراج الأحجار، ولما توقف النشاط فيه، خلف حفرة كبيرة بعمق 30 مترا، تسببت في مصرع العديد من المواطنين، بعد أن هووا منها، سيما بالليل، بسبب غياب أي سياج أو على الأقل علامة تحذر من الاقتراب من الحافة. كان يروج أن المكان سيتحول إلى أكبر فضاء أخضر في إفريقيا، لكن لا شيء من ذلك تحقق، رغم تخصيص ميزانيات كبيرة له. كما رشح المكان لاحتضان الملعب الكبير للبيضاء استعدادا لكأس العالم 2030، قبل أن ينقل إلى بن سليمان. إلى اليوم، مازال الغموض يلف سبب استثناء هذه المنطقة من الإعمار، ربما لأنها تعد موقعا إركيولوجيا، إذ تم العثور فيها على بقايا الإنسان القديم، كما تحولت إلى منتجع عشوائي به طيور جذبتها بركه المائية. وكما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد، استغل جانحون هذا الفضاء لتحويله إلى "جمهورية" خاصة بهم، إذ صار المكان قبلة لمدمنين على المخدرات والخمور ومجرمين ومبحوث عنهم، وتجار مخدرات وكل "المصايب"، بسب صعوبة السيطرة عليها من قبل المصالح الأمنية، لطبيعته الجغرافية الوعرة ومساحته الكبيرة، وخطورة شن حملة أمنية فيه، والتي قد تكلف أمنيا حياته. صدمة ومحجوزات رغم هذه المخاطر والإكراهات، حرص وديع حجلي رئيس الملحقة الإدارية "الأمان"، وعادل مشواط، رئيس الملحقة الإدارية "الجوهرة"، رفقة أعوانهما والقوات المساعدة على تخصيص يوم كامل لحفرة "الشابو"، مع وضع جميع التدابير الاحترازية والأمنية، لتفادي أي ردة فعل متهورة من قبل "بوعارة" وجانحين. فعلا عم الهرج بالمكان، بمجرد أن اقتحم القائدان وعناصرهما المكان، فكانت الصدمة كبيرة، فالفضاء تحول إلى محمية للحيوانات الأليفة، سيما الدواب والمواشي والطيور، تتقاسم العيش داخل إسطبلات عشوائية. جميعها متسخة وتعاني الهزال وربما حتى المرض، قوتها اليومي النفايات المنتشرة هنا وهناك. الخطير في الأمر، أن المواشي تذبح دون مراقبة طبية و تعرض لحومها في الأسواق العشوائية، وتلك المنتشرة في الضواحي. حاول مالكو المواشي والدواب عرقلة عملية الهدم، والتي ستطول 40 إسطبلا. في البداية تم التلويح ضد عناصر السلطة بلغة التهديد والتمرد على قراراتها، لكن حنكة القائدين، أحبطت هذا المخطط، ووجد الجميع نفسه منصاعا للغة القانون. بعد هدم الإسطبلات، كان رجال السلطة أمام مفاجأة ثانية بحفرة "الشابو"، إذ تم العثور على محلات عشوائية بها أجزاء سيارة ودراجات نارية، تبين أنها تستقبل ليلا السيارات والدراجات النارية المسروقة، وداخلها يتم تفكيكها وبيعها قطعا للغيار. كلما توغل رجال السلطة داخل حفرة "الشابو"، يكتشفون أحد أسرارها، وهذه المرة حانتين عشوائيتين تخصصان خدماتهما لفائدة "أهل المكان"، تعرضان عليهم خمورا رديئة، ووفرتا لهم أيضا فضاء للقمار. وبعيدا عن هذا المكان حجز القائدان أسلحة بيضاء من مختلف الأشكال وحقائب نسائية متنوعة، بعضها من ماركات غالية الثمن، اتضح أنها سرقت من مالكاتها في الشارع العام، وتم التخلص منها بحفرة "الشابو" بعد اقتسام الغنيمة. «تقريب الياجور من المواطن» بعد يوم شاق بحفرة "الشابو"، قرر القائدان توجيه بوصلة الحرب على العشوائي لتشمل "جلسات" مواد البناء. استهداف هذا النشاط له ما يبرره، إذ يعتبر السبب الرئيسي في تفشي البناء العشوائي بالمنطقة، كأن مالكيه يرفعون شعار "تقريب الياجور من المواطن". استهدفت الحملة على الخصوص "جلسة" لمواد البناء عمرت أزيد من 15 سنة بالمنطقة، دون أن يجرؤ مسؤول سابق على إزالتها. وتتجه الشكوك إلى أن مالكها يحظى بحماية خاصة من نافذين بالمنطقة، وهذا ظهر جليا عندما أبدى مقاومة عنيفة في البداية ضد رجال السلطة المحلية، لما حاولت جرافة اجتثاث "جلسته"، إذ اعترض طريقها وأرغى وهدد، ما اضطر القائدين المشرفين على العملية إلى إحالته على الدائرة الأمنية الثانية سيدي مومن، لاتخاذ الإجراءات القانونية في حقه. اجتثاث شامل لـ «الجلسات» كانت هذه "الجلسة" موضوع شكايات عديدة من قبل المواطنين، ومدير مؤسسة تعليمية بالجوار، إذ عانى التلاميذ روائح وغبار مواد البناء، سيما الإسمنت، ما تسبب لبعضهم في صعوبات كبيرة في التنفس، لدرجة يروي سكان المنطقة، أن مدير المؤسسة التعليمية تعارك مع مالكها لتمسكه بعرض سلعه علنا دون الاهتمام بمصير التلاميذ. كما عانى مستخدمو شركة توزيع الماء والكهرباء، كثيرا من تصرفات مالك "الجلسة"، بحكم أن الفضاء الذي يعرض فيه سلعه، به محول كهربائي، وعدد كبير من الآجر في كل جنباته، وكلما حدث عطب في المحول، يجد التقنيون صعوبات للوصول إلى المحول الكهربائي وإصلاحه، إذ يرفض مالك "الجلسة" دخولهم، معتبرا الأمر اعتداء على ملكيته الخاصة، رغم أنه أسسها بعد أن ترامى على ملك الدولة. الآن صارت هذه "الجلسة" من الماضي، وستطول الحملة "جلسات" أخرى بمناطق عديدة بسيدي مومن، إذ تشبه "رأس الأفعى" التي يجب بترها لمنع تفشي البناء العشوائي بالمنطقة. تحرير الملك العمومي يتواصل التنسيق بين قائدي ملحقة الأمان والجوهرة ليشمل هذه المرة، تحرير الملك العمومي بعدد من الأحياء السكنية بالمنطقة، سيما "إقامة البيضاء"، التي عان سكانها الويلات منذ أن اقتنوا شققهم، مع انتشار الباعة الجائلين وعرباتهم المجرورة، إلى درجة أن العديد منهم اضطروا لركن سياراتهم، بعيدا عن محلات سكنهم. تحولت الإقامة رغم أنف سكانها إلى سوق عشوائي، وتواجه كل محاولة للاحتجاج على هذا الوضع، بالتهديد والوعيد من قبل باعة جائلين، إلى أن جاء الفرج بعد صبر طويل، إذ نجحت الحملة في اجتثاث الباعة الجائلين وعرباتهم بشكل صارم ونهائي، رغم محاولة البعض منهم التمرد على تفعيل القانون، لتستعيد "إقامة البيضاء" جمالها أخيرا، وتحررت أزقتها من هيمنة الباعة بعد سنوات طويلة من المعاناة. إلى جانب إقامة البيضاء، طالت الحملة أيضا الباعة الجائلين والواجهات الخارجية لعدد من المحلات التجارية "الباشات"، بأحياء أخرى منها، الأمان وإقامة هاجر واليقين، إذ تبين أن أصحاب المحلات التجارية يستغلون "الباشات" دون ترخيص من السلطة المختصة، بل وصل الأمر ببعضهم إلى حد عرض سلعهم ومنتوجاتهم خارج المحل، دون احترام المكان المخصص للراجلين. وساهمت هذه الحملة بعد طول انتظار في تحرير منطقة سيدي مومن من هيمنة الفوضى والعشوائية، وصار بإمكان سائقي العربات مهما كان حجمها التنقل بكل حرية، في وقت كانوا مجبرين على المرور من شوارع معينة دون أخرى، لأنها تحت سيطرة الباعة الجائلين والمترامين على الملك العمومي، وحتى إن فسح لهم المجال للمرور، فإن ذلك يستغرق قطع مسافة طويلة بسبب الفوضى والاكتظاظ.