عشرات الملفات ومئات "المخازنية" توبعوا لتسهيلهم تهريب مخدرات عبرها أو تبديد محجوزات عمليات فاشلة تحول الشريط الساحلي بين بني أنصار وقرية أركمان وما بينهما وبعدهما، مشتلا أنبت موظفين مخالفين للقانون أعماهم الطمع وسقطوا في براثن مهربي مخدرات وبشر، أغروهم بالمال لتسهيل تنفيذ مختلف عملياتهم، أو بددوا محجوزات وتصرفوا فيها بالبيع، مقابل مداخيل مغرية أعمتهم عن واجبهم لما مات ضميرهم المهني. يشهد قسم جرائم الأموال باستئنافية فاس، على فضائح الكثير منهم باعوا ضمائرهم لأجل عيون المال، على حساب ما يفرض الواجب من حراسة مشددة أو الحفاظ على كل محجوز، مخدرا كان أو محركات وغيرها، دون أن يعوا خطورة أفعالهم إلا بمحاكمتهم والحكم عليهم بعقوبات ضاع معها مستقبلهم المهني، بعد تفريطهم في واجبهم. إنجاز: حميد الأبيض (فاس) لم تمنع أحكام مشددة صدرت في حق الأوائل من المعتقلين منهم، في وقف نزيف تواطؤ مكشوف لأفراد من القوات المساعدة والدرك والجمارك، في تسهيل التهريب أو الاستيلاء الشخصي على ما قد يحجز في عملياته، حتى حطم رقم قضايا مرتبطة بذلك كل الأرقام القياسية بين الملفات الرائجة والمحالة على القسم المختص بفاس. متابعات متتالية لا تخلو جلسة من جلسات القسم، من ملف وأكثر يفضح تورط أفراد القوات المساعدة في تسهيل تهريب مخدرات، عبر نقط بسواحل مكلفين بحراستها على طول الشريط، مقابل إتاوات بملايين السنتيمات دون أن تكفي متابعات وأحكام في وقف زحف "أفواج" أخرى تشهد القاعة 3 باستئنافية فاس على مغامراتهم مع بارونات أغروهم. أكثر من 120 "مخازنيا" ورجال درك وجمارك، توبعوا في ما يفوق 30 ملفا جنائيا أدرج أمام القسم منذ إحداثه، غالبيتهم حراس بهذا الشريط الساحلي المترامي، ومنهم من تصرف في محجوزات وتحوز بها وباعها وتملك ثمنها بعدما وضعت تحت تصرفه بحكم مهنته، آخرهم 9 متابعين في ملفين منفصلين مثلوا أمامه الثلاثاء 4 دجنبر الجاري. جريمة الارتشاء لاحقت المدانين والرائجة ملفاتهم، لتلقيهم ملايين السنتيمات، مقابل غض الطرف أو المساهمة في تهريب المخدرات وتصديرها، وفئة منهم ضبطوا متحوزين بكميات منها، وأدينوا بعقوبات سالبة للحرية وأداء تعويضات مدنية سمينة لإدارة الجمارك، فاقت 66 مليون درهم في آخر ملف محكوم، الثلاثاء الماضي. رزم "الشيرا" 70 رزمة من "الشيرا" ضبطتها عناصر الجمارك والدرك بالناظور ورصدتها كاميرات مراقبة للبحرية في طريقها للتهريب في اتجاه سواحل إسبانيا في عملية أجهضت. البحث في مصدرها ومساعدي صاحبها البارون، فضح 3 عناصر للقوات المساعدة مكلفين بالحراسة في أجراس مجاورة، توبعوا ويوجدون رهن الاعتقال بسجن بوركايز. المتهمون أقروا تمهيديا بالتواطؤ مع البارون مقابل 100 ألف درهم رشوة لكل واحد منهم، وصك الاتهام عزز بصور وتسجيلات لمكالمات هاتفية بينهم تعزز التواطؤ والتنسيق المسبق. اعترافهم تراجعوا عنه في محاولة لإبراء ذممهم، دون أن ينفع ذلك في تكوين قناعة المحكمة بمؤاخذتهم وإدانتهم بالغرامة وسنتين حبسا نافذا. كلهم أكدوا أمام الشرطة القضائية أنها أول عملية يتورطون فيها، ومواجهتهم خلال استنطاق القاضي محمد لحية لهم، بما توفر من أدلة وقرائن مادية، فرمل محاولة هروبهم للأمام بإنكار غير مؤسس وبدون جدوى. أحدهم لم ينكر علمه بالعملية، لكنه لم يخبر رؤساءه "خوفا من توريطي فيها" كما تحجج في تبريره للفعل المساءل بشأنه. "نحن أمام أشخاص ربما ضحايا أكثر مما هم فاعلون رئيسيون لأفعال فرضت عليهم" يقول محام في مرافعته دفاعا عن موكله القائل بعدم استطاعته البوح وفضح العملية لخوفه من العقاب الإداري، والمدان رفقة زميليه بسنتين حبسا وأدائهم تضامنا أكثر من 66 مليون درهم لفائدة إدارة الجمارك، مجبرا في الأدنى في حالة عدم الأداء. الخوف والعقاب ملفات تورط "مخازنية" في تسهيل التهريب الدولي للمخدرات بمحاذاة مناطق حدودية يحرسونها بسواحل ناحية الناظور، تتقاطر بشكل متواتر ومتتال على القسم، وبرره محامي متهم من الثلاثة، بهشاشة الفاعلين اجتماعيا، خاصة أن نسبة كبيرة منهم تنتمي لعائلات فقيرة وحديثي التعيين ولم يخبروا تجربة كافية لتحصين أنفسهم. ويضيف "جميعهم يسقطون ضحايا إغرائهم بالمال، من قبل البارونات. ولأجل كسب ملايين السنتيمات في وقت وجيز، لم يراعوا عواقب وتبعات ذلك" و"ربما حتى المهام الملقاة على عاتقهم تفوق قدراتهم وصعوبة جسامة المسؤولية"، مؤكدا أن الإغراء سلاح فتاك، كما الإكراه ويقصد به اضطرار بعضهم للقبول بالأمر الواقع خوفا. وأشار في مرافعته إلى خوف بعض ممن لا يشاركون في التهريب ويغضون الطرف عنه، من أي انتقام أو توريط أمام "ما يمارس عليهم من ضغوطات وتخويف من قبل عصابات منظمة مستعدة للانتقام من كل من يحاول منع تهريبهم للمخدرات"... عبارات لم يتمالك معها موكله، نفسه فأجهش بالبكاء كما بدا من خلف شاشة البث. البكاء لم يكف لتلافي عقوبة فعل توبع عليه للتواطؤ الإرادي أو تحت الإكراه، كما توسل المحكمة بالإفراج عنه في آخر كلمة أعطتها له ولزميليه المعتقلين والمتابعين معه في الملف ذاته، قبل حجزه للمداولة. محجوزات الجمارك عرفت جلسة، الثلاثاء الماضي، تأجيل البت في ملف آخر مماثل، عكس ذاك لتبديد محجوزات في عمليات أجهضت تهريب كميات مهمة من مخدر الشيرا عبر تلك السواحل. ستة متهمين بينهم موظفو جمارك، توبعوا فيه واستمع إليهم والمرافعات وحكم عليهم، دون أن يتم إحضارهم إلى قاعة الجلسات واكتفي بالتناظر معهم عن بعد. "اختلاس وتبديد أموال عامة ومنقولات اؤتمنوا عليها" تهمة مشتركة بينهم ويؤطرها الفصلان 241 و242 من القانون الجنائي، وحاول كل واحد منهم إبعادها عنه في محاولة لتبرئة ذمته أو الاستفادة من ظروف تخفيف، سيما خمسة منهم رموا بكرة من نار في حجر الجمركي متهما رئيسيا، قبل تراجعهم عن تحميله مسؤولية التبديد. اثنان منهم لهما سوابق في الاتجار في المخدرات، وكلهم أكدوا أن كل عمليات تبديد المحجوز وبيعه يقف وراءها الجمركي ونفذت بأمر منه، فيما يوحي الأمربوجود "تواطؤ" على توريطه للانتقام منه ل"صرامته وجديته في عمله وعدم تساهله فيه" بتعبير محام ينوب عنه وقال إن موكله أدى ضريبة تفانيه في عمله طيلة سنين. "عاود لينا شنو كيدير" عبارة قالها متهم من الخمسة تمهيديا، واستغلها محامي الجمركي للقول بأن موكله ضحية انتقام لأنه "نظيف ومستقيم ونظيف اليد"، مؤكدا أن باقي المتهمين وظفوا بعلة أنهم إذا ورطوه سيبرؤون، "للزج به في مقصلة عقاب شديد"، موضحا أن تراجعهم عن أقوالهم، "ليس غريبا" بعد انفضاح الأمر. زيارة واعتقال وجد الجمركي أمين مخزن الجمارك بسلوان، وزميلاه أنفسهم في موقف غير محسودين عليه في يوم من أكتوبر 2023، إثر زيارة غير متوقعة لعناصر الشرطة القضائية بناء على أمر وكيل الملك بابتدائية الناظور للبحث في مصير وظروف اختفاء محجوزات في عمليات مختلفة لتهريب كميات من المخدرات عبر سواحل المنطقة. المحققون تحوزوا بتفريغ قرص مدمج يوثق عمليات تبديد المحجوز والاستيلاء عليه من المخزن المجزأ ل3 أقسام، استند إليه في استنطاقهم للمتهمين الستة، بمن فيهم الجمركي المتهم الرئيسي المقر تمهيديا بسرقة معدات بما فيها محركات بحرية محجوزة وقطع غيارها وبيعها لتجار المتلاشيات واختلاس قيمتها المالية في عمليات متكررة. إخبارية عن اختلاس قطع غيار وبطاريات خاصة بزوارق مستعملة في التهريب ومحركاتها ونقلها وبيعها، جرت الويلات على المسؤول المباشر عن مستودع الجمارك، والبحث كشف استغلال مقطورة في تخزين قطع غيار مسروقة لإعادة بيعها بتواطؤ مع باقي المتورطين من دركيين ومستخدمين، طالهم البحث والاعتقال والمتابعة. نفى الجمركي سرقة محجوزات في عمليات محاربة تهريب المخدرات عبر سواحل المنطقة، مفصلا في حديثه عن المراحل الموالية لإفشال أي محاولة تهريب والحجز والنقل والتسليم للجمارك، مؤكدا تسجيله ملاحظات تخص نقصان قطع من محجوزات إبان تسليمها، فيما تحدث دفاعه عن خروقات مسطرية حول تقرير الجمارك. والتمس المتهم إجراء خبرة تقنية على المحجوزات، ما زكاه دفاعه متحدثا عن غياب وسائل إثبات الوقائع والتهم المنسوبة إليه، مشيرا لجوابه بسلاسة عن أسئلة المحكمة وتفاعله التلقائي معها لحد الانفعال أحيانا، عكس باقي المتهمين المسخرين بنظره للانتقام منه، فيما التمس ممثل الحق العام إدانة الكل وفق المنسوب إليهم. مداولة وأحكام "بغيت من المحكمة تطلقني نمشي عند ولادي" تلك آخر عبارة نطقها سادس المتهمين بعد إعطائه وزملائه الكلمة، بعد نهاية مناقشة الملف الرائج منذ شهور، فيما اكتفى اثنان بالقسم أنهما لم يتورطا في أي فعل جرمي، كما آخر توسل هيأة الحكم لإنصافه، بينما قال الجمركي المتهم الرئيسي، "والله ما داير والو، ظلموني". حجزت الهيأة ويرأسها القاضي محمد لحية، هذا الملف للمداولة ورفعت الجلسة بعد بتها في كل الملفات العشرة المدرجة في الجلسة، ليختلي أعضاؤها للبت في ملفين اثنين فقط استكملت مناقشتهما وكلاهما متعلق بتواطؤ موظفين عموميين في تسهيل تهريب مخدرات عبر سواحل الناظور وتبديد محجوزات في عمليات للتهريب. 18 شهرا حبسا نافذا عقوبة أدين بها الجمركي المسؤول عن مخزن سلوان، بتهم "اختلاس وتبديد أموال عامة ومنقولات اؤتمن عليها والتزوير في وثائق المعلوميات والمس بنظم المعلوميات والمس بنظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال"، مقابل 8 أشهر حبسا نافذا ومليون غرامة لكل واحد من المتهمين الخمسة الآخرين. وحكم في الدعوى المدنية التابعة بأدائهم على وجه التضامن لفائدة الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة، نحو 115 ألف درهم إرجاعا وتعويضا، و150 ألف درهم لإدارة الجمارك في شخص مديرها العام، ليطوى واحد من عشرات ملفات سهل فيها موظفون عموميون تهريب مخدرات وبيع محجوزات من مختلف عملياتها. ثلاثة أسئلة: الحاجة للتوعية والتحسيس بجسامة المسؤولية لوحظ ارتفاع في عدد ملفات تورط أفراد القوات المساعدة والدرك والجمارك في تسهيل التهريب الدولي للمخدرات وتبديد محجوزاتها، فلم تعزو الأسباب والعوامل؟ فعلا عرفت الآونة الأخيرة، ارتفاعا في عدد المتابعين لأجل ذلك، سيما أمام محاكم الجنايات وقسم جرائم الأموال، خاصة رجال القوات المساعدة )المخازنية(، وفي قضايا تتعلق بعمليات تسهيل تهريب المخدرات عبر السواحل المغربية، ومنها سواحل إقليم الناظور، بعدما تم ضبط أغلبيتهم في حالة تلبس . ومن أهم الدوافع لتورط هؤلاء في مثل هذه الجرائم، المغريات والعروض المالية الكبيرة والمشجعة على ارتكاب مثل هذه الأفعال، إذ يعمد العديد من تجار المخدرات لتقديم رشاو لرجال القوات المساعدة، مستغلين وضعهم المادي المتواضع وحاجتهم للمال ولتحسين مستواهم المادي والاجتماعي، مقابل غض الطرف أو تسهيل تهريب المخدرات عبر نقط يحرسونها. ألا ترى أن لقلة الخبرة والتجربة والتحصين دورا في ذلك؟ طبعا الأمر لا يقتصر على الإغراء المادي وحاجة المتورط للمال لارتكاب مثل هذه الأفعال المعاقب عليها قانونا، بل إن قلة التجربة المرتبطة بالتحاقهم الحديث العهد بالعمل، سبب كما التهور وعدم الانضباط بقواعد العمل وعدم وعي هؤلاء بخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقهم. للأسف هذه العوامل وغيرها، تجعلهم عرضة للاستغلال من قبل بارونات المخدرات وهو ما لوحظ بشكل لافت للانتباه في هذه الملفات المعروضة على القضاء، إذ أن أغلبية هؤلاء المتابعين شباب حديثو الالتحاق بعملهم، أعماهم الطمع دون الأخذ بعين الاعتبار العقاب وتبعات ذلك. كيف يمكن أن نحد من هذا التواطؤ ومثل هذه الجرائم ومحاربة إمكانيات الإغراء؟ أظن أنه للحد من تطور هذا النوع من الجرائم المرتبطة بتهريب المخدرات، وما قد يترتب عنها من تورط موظفين عموميين، تجب محاصرة الأنشطة الإجرامية المرتبطة بذلك، وتطوير تقنيات الرقابة لمواكبة تطور طرق وأساليب التهريب، التي تستعملها العصابات التي تنشط في هذا المجال. ويبقى تعزيز الدور الأمني والاستخباراتي، ضروريا في هذا الميدان، بمقابل الاهتمام بالتأطير المستمر لأفراد القوات المساعدة وباقي رجال الدرك والجمارك، سيما المكلفين بمراقبة السواحل الوطنية وتلقينهم تكوينا خاصا يواكب المهام الصعبة التي يقومون بها، وتوعيتهم بمخاطر مهامهم والعواقب الوخيمة، التي قد تنتج عن عدم انضباطهم في عملهم أو انصياعهم لمغريات قد تعرض عليهم، من قبل عصابات التهريب وقد تشل مستقبلهم المهني وتجعلهم يقضون سنوات من حياتهم وراء قضبان السجون. خالد البقالي (محام بهيأة فاس)