الجفاف والمنافسة الإيرانية وعقبات التصدير تدفع نحو الاستثمار لزيادة الإنتاج يواجه زعفران تالوين، المعروف بلقب الذهب الأحمر، تحديات بيئية واقتصادية كبيرة. فبعد أن كان إنتاجه يتجاوز ستة أطنان سنويا، انخفض هذه السنة إلى ثلاثة أطنان فقط، بسبب التغيرات المناخية والجفاف وعدم انتظام الأمطار خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أسفرت تساقطات الصيف المفاجئة وارتفاع درجات الحرارة عن تعفن جزء كبير من المحصول، مما أدى إلى خسائر فادحة للمزارعين. ورغم أن المغرب يحتل الرتبة الرابعة عالميا في إنتاج الزعفران، إلا أنه يواجه منافسة غير متكافئة من المنتجات المهربة، خاصة القادمة من إيران، والتي تشكل تحديا كبيرا على مستوى التصدير. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) استضافت تالوين، بإقليم تارودانت، عاصمة الزعفران، النسخة الخامسة عشرة من المهرجان الدولي للزعفران من 7 إلى 10 نونبر الجاري، تحت شعار "زعفران تالوين والتغيرات المناخية نحو زراعة مستدامة وقادرة على التأقلم"، هذا الحدث يعد محطة هامة لدعم سلسلة الزعفران وتعزيز قدرتها على التأقلم مع التحديات البيئية، إذ يتيح الفرصة للمهنيين والفاعلين لتبادل الخبرات وتطوير رؤية مستقبلية للتكيف الزراعي المستدام. يسعى هذا المهرجان إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين مهنيي سلسلة الزعفران وسلاسل المنتجات المجالية الأخرى. وقد شهدت هذه الدورة مشاركة نحو 80 عارضا من أبرز العاملين في سلسلة الزعفران، حيث تم عرض تجارب ناجحة في إنتاج وتسويق الزعفران محليا ووطنيا، وتشجيع الفلاحين والتنظيمات المهنية على اعتماد تقنيات زراعية صديقة للبيئة، تعزز قدرتهم على مواجهة التغيرات المناخية. وأشار المنظمون إلى أن هذه التظاهرة تسلط الضوء على سلسلة ذات قيمة اقتصادية كبيرة في منطقة تالوين، والتي تكتسب أهمية ضمن إستراتيجية "الجيل الأخضر 2020-2030". وتميز المهرجان بإقامة أنشطة متعددة على مساحة تزيد عن 1250 هكتارا، وعرض إنتاج يقدر بحوالي خمسة أطنان من الزعفران، كما شارك في المهرجان أكثر من 120 تعاونية متخصصة في هذا المجال. ويهدف المهرجان إلى التعريف بالزعفران المغربي الأصيل، وتعزيز إشعاع منطقة تالوين على المستوى الوطني والدولي، كما يوفر فضاء للتواصل بين الفاعلين في سلسلة الزعفران وسلاسل أخرى، بهدف تبادل التجارب وتطوير قنوات تسويق الزعفران والمنتجات المحلية. وتضمن برنامج المهرجان محاضرات وورشات عمل وموائد مستديرة، إلى جانب أنشطة اقتصادية وثقافية ورياضية وفنية، سعت إلى تسليط الضوء على الإمكانات الزراعية والاقتصادية والسياحية لمنطقتي تالوين وتازناخت، مما يعزز مكانة المهرجان كأحد أهم الفعاليات السنوية لدعم الزراعة المستدامة والتنمية المحلية. عراقة الزعفران تتمركز حوالي 90 في المائة من إنتاج الزعفران المغربي في منطقتي تالوين وتازناخت، حيث تجتمع ظروف مناخية فريدة تزاوج بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ويتميز الموقع بارتفاع يصل إلى حوالي 1500 متر عن سطح البحر، كما أن عملية زراعة الزعفران تبدأ في غشت وتستمر حتى العاشر من شتنبر، وتشمل إعداد الأراضي وغرس البصيلات وسقيها مباشرة لضمان نموها السليم. تغطي زراعة الزعفران في تالوين، التي تشرف عليها أكثر من 20 تعاونية، مساحة تصل إلى 540 هكتارا موزعة على خمس مناطق رئيسية هي: تسوسفي، وسيدي حساين، وأسايس، وأكادير ملول، وأسكاون، ويبلغ إجمالي مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الزعفران في المغرب حوالي 1826 هكتارا، بإنتاج سنوي يصل إلى ستة أطنان. يعد زعفران تالوين أحد أرقى أنواع الزعفران في العالم، بفضل خيوطه ذات اللون الأحمر الداكن ورائحته العطرة ومذاقه المميز، ويرجع ذلك إلى تركيزه العالي من مادتي الكروسين التي تمنح اللون، والسافرانال التي تكسبه الرائحة والنكهة الفريدة. جودة الزعفران "الحر"، الأصيل، بتالوين يتم فحصها بدقة في مختبرات دار الزعفران، حيث تعمل هذه المؤسسة، التي تجمع 25 تعاونية، على ضمان جودة وأصالة الزعفران عبر نظام تتبع شامل، ويتم تجفيف شعيراته بعد جمعها، ما ينتج توابل عضوية نقية بنسبة 100 في المائة. تلعب دار الزعفران دورا أساسيا في تحسين ظروف المزارعين عبر الحد من دور الوسطاء وتوفير التسويق المباشر بين المنتجين والمستهلكين، مما يعزز من هامش الربح للمزارعين الذين كانوا مضطرين لبيع محاصيلهم بأسعار منخفضة يفرضها سماسرة السوق. وتعد دار الزعفران بمثابة بورصة تقيم جودة الزعفران وتحدد سعره، كما تمنح شهادة المنشأ لحمايته من التزوير. تلعب التعاونيات دورا حيويا في تطوير زراعة الزعفران في تالوين، إذ يعتمد هذا القطاع على مجهودات النساء، اللاتي يقمن بإنجاز 80 إلى 90 في المائة من العمل، مما يعكس إسهامهن الكبير في استدامة هذه الزراعة التي تعد جزءا من التراث المحلي المتجذر في تقاليد المنطقة. تحديات التصدير يصدر حوالي 90 في المائة من إنتاج الزعفران المغربي إلى الأسواق الخارجية، حيث تعتمد العديد من الدول الأوربية على هذا المنتج المميز في صناعة الأدوية بفضل جودته العالية. يتكون الزعفران من حوالي 150 مركبا، ويحتوي على الماء والألياف والمعادن، بما في ذلك الحديد، الزنك، المنغنيز، الكالسيوم، والمغنيسيوم، إضافة إلى فيتامينات C وB1 وB2 وB3. تحتل المملكة الرتبة الرابعة عالميا في إنتاج هذا الذهب الأحمر، وفي السنوات الأخيرة، زاد اهتمام المغاربة باقتناء الزعفران الحر واستخدامه في تحضير بعض الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة. ورغم الزيادة في معدلات التصدير، يرى المنتجون المحليون أن المستفيد الأكبر هم المستوردون الأوربيون، حيث يعاد تغليف الزعفران المغربي في إسبانيا ويباع بأسعار تصل إلى 16 يورو للغرام الواحد دون الإشارة إلى أصله المغربي، بينما يباع محليا بحوالي 3.5 يورو للغرام. التغييرات المناخية تعتبر التغيرات المناخية من أكبر التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المغرب، خصوصا في المناطق التي تشتهر بزراعة الزعفران المعروف بجودته العالية، وقد أثرت هذه التغيرات بشكل مباشر على إنتاج الزعفران، الذي يعد من المحاصيل الحساسة للتقلبات المناخية، كما أسفر انخفاض كميات الأمطار عن تواتر حالات الجفاف وتأثيرات سلبية على غلة المحاصيل الزراعية. كما تؤكد التجارب في المناطق الزراعية، مثل تالوين وتازناخت في الأطلس الكبير، أن الزعفران بات يعاني بسبب تقلبات الطقس غير المنتظمة، ففي الماضي، كانت الأمطار تهطل في أوقات معينة وتساعد على نمو الزعفران، لكن مع التغيرات المناخية أصبحت الأمطار غزيرة وغير منتظمة، مما يؤدي إلى فيضانات تتسبب في إتلاف جزء كبير من المحصول، كما وقع في الصيف الماضي، كما أن الجفاف المستمر يقلل من قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه اللازمة لنمو الزعفران. وساهم ارتفاع درجات الحرارة في تعفن بعض المحاصيل، مما أدى إلى تقليص حجم الإنتاج وتدني جودته، وكانت التساقطات المطرية الأخيرة قد تسببت في بعض الفيضانات التي أضرت بالحقول، رغم أنها كانت مرجوة لتنشيط الزراعة في بعض المناطق. وفي ما يتعلق بالموارد المائية، يعاني الفلاحون انخفاض مستويات المياه الجوفية، حيث كان يحفر في الماضي على عمق 6 أمتار للحصول على المياه، بينما يتطلب الأمر الآن حفر مئات الأمتار للوصول إلى الكمية نفسها. ورغم هذه التحديات، يواصل الفلاحون اعتماد زراعة الزعفران خيارا اقتصاديا بديلا، خصوصا أن المغرب أصبح من أكبر مصدري الزعفران في العالم، وفي ظل التغيرات المناخية، ينصح بتطوير أنظمة الري الحديثة مثل السقي بالتنقيط، التي تساهم في ترشيد استهلاك المياه، فضلا عن العودة إلى الطرق التقليدية لتخزين مياه الأمطار، مثل "الخطارات"، التي تمنع تبخر المياه أو انجرافها، ويتطلب التصدي لتأثيرات التغيرات المناخية على زراعة الزعفران تبني تقنيات مستدامة وإيجاد حلول مبتكرة لضمان استمرارية الإنتاج والحفاظ على هذا الذهب الأحمر الذي يعد جزءًا من الهوية الزراعية والاقتصادية للمغرب. المنافسة الإيرانية يواجه منتجو الزعفران في المغرب تحديا كبيرا نتيجة للمنافسة غير المتكافئة من المنتجات المهربة من إيران، حيث يشتكي العديد من الفلاحين المغاربة من أن الزعفران الإيراني المهرب يتم خلطه مع الزعفران المغربي، مما يؤدي إلى غش المستهلكين، هذا الزعفران المهرب يعرض في الأسواق دون أي رقابة، مما يزيد من حدة التنافس غير العادل في السوق. كما تعد إيران أكبر منتج للزعفران في العالم، حيث تُنتج نحو 85 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، ويعود ذلك إلى مناخها الجاف والمشمس نسبيا، بالإضافة إلى الخبرة الزراعية المتراكمة عبر أجيال من المزارعين الإيرانيين. ورغم أن الزعفران المغربي يتمتع بسمعة ممتازة من حيث الجودة، إلا أن هذا الزعفران يواجه منافسة شديدة من الزعفران الإيراني الذي يعرض بأسعار منخفضة تصل إلى حوالي 20 درهما للغرام، مما يشكل ضغطا كبيرا على المنتجين المحليين. وراهن منتجو الزعفران في المغرب على زيادة الإنتاج وتحسين التنافسية، سواء في الأسواق الوطنية أو الدولية لمنافسة زعفران الهند وإيران واليونان، إلا أن التوقعات لم تتحقق، حيث كانت الأماني تشير إلى بلوغ الإنتاج ثمانية أطنان، لكن المحصول في نهاية الموسم لم يتجاوز ثلاثة أطنان فقط. في منطقة تالوين، التي تشتهر بإنتاج الزعفران الأصيل، يواجه الفلاحون تحديات كبيرة، حيث ينتج الزعفران هناك بمعدل لا يتجاوز أربعة كيلوغرامات في الهكتار سنويا، ويتطلب إنتاج 500 غرام من "الذهب الأحمر" زراعة ما لا يقل عن 70 ألف زهرة، يجب أن تكون جميعها صحيحة وصالحة. هذه التحديات تتفاقم بسبب المنافسة الشديدة من الزعفران المهرب، ما يجعل من الصعب على الفلاحين الحفاظ على مكانتهم في السوق المحلية والدولية. إن الحفاظ على جودة الزعفران المغربي وزيادة تنافسيته في ظل هذه التحديات يتطلبان تطوير تقنيات زراعية حديثة، فضلا عن تعزيز آليات الرقابة على الأسواق لمكافحة الغش والتهريب، من أجل ضمان استمرارية الإنتاج والمنافسة العادلة في السوق العالمية. استثمارات لرفع الإنتاج تتجه سلسلة إنتاج الزعفران في المغرب نحو طفرة جديدة من التطوير والنمو، بفضل استثمارات مهمة تقدر بـ297 مليون درهم، في إطار عقد برنامج وقعته الدولة، أخيرا، مع المهنيين في القطاع، ويهدف هذا الاستثمار إلى تعزيز إنتاج الزعفران المحلي وزيادة تنافسيته على المستوى الدولي، من خلال رفع الإنتاج وزيادة المساحة المزروعة. وتعتبر زراعة الزعفران ذات أهمية اقتصادية واجتماعية، خصوصا في المناطق القروية، حيث تعد مصدر دخل رئيسيا للسكان. وحسب أرقام وزارة الفلاحة، تعد منطقتا سوس-ماسة ودرعة-تافيلالت من أبرز مناطق الإنتاج في البلاد، وتستحوذان على النسبة الأكبر من الإنتاج الوطني، حيث تسهمان بنسبة 57 في المائة و43 على التوالي. كما ينص العقد الجديد على مساهمة الدولة بـ247.1 مليون درهم في تمويل مشروع تطوير زراعة الزعفران، بينما سيساهم الفاعلون في القطاع بـ49.9 مليون درهم. ويهدف البرنامج إلى رفع المساحة المزروعة بالزعفران إلى 3000 هكتار بحلول 2030، وزيادة الإنتاج ليصل إلى 13.5 طنا، مع تحسين معدل تعبئة الإنتاج ليبلغ 70 في المائة، مقابل 55 في 2020، إضافة إلى تحسين وتوسيع الصادرات لتصل إلى طن واحد سنويا. هذا البرنامج يأتي في سياق سلسلة من الجهود المستمرة، حيث سبق وأن أبرم عقد برنامج للفترة 2012-2020 لزيادة المساحة المزروعة إلى 1350 هكتارا، ورفع الإنتاج إلى تسعة أطنان. ومع نهاية 2020، تجاوزت المساحات المزروعة الأهداف المقررة، حيث بلغت 1944 هكتارا، إلا أن الإنتاج بقي دون الهدف المخطط له بنحو 6.2 أطنان. ولتطوير سلسلة القيمة في قطاع الزعفران، تعتزم الحكومة تشجيع التعاون بين مختلف الفاعلين في سلسلة الإنتاج، بدءا من المنتجين إلى المحولين والتجار والمصدرين، وتعزيز الترويج للمنتجات عبر منصات التجارة الإلكترونية، إلى جانب دعم المشاتل المحلية لإنتاج بصيلات زعفران عالية الجودة، بتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي. وشهدت زراعة الزعفران في المغرب قفزة نوعية خلال العقد الأخير، حيث تضاعفت المساحات المزروعة ثلاث مرات، وارتفع الإنتاج بأكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى ستة أطنان في 2020، كما زادت الصادرات بشكل ملحوظ، مما يعكس التقدم في هذا المجال ودوره في توفير فرص عمل تقدر بـ258 ألف يوم عمل سنويا، ومع ذلك، عرف الإنتاج تراجعا كبيرا في الموسم الماضي، ليصل إلى 3 أطنان فقط خلال هذا العام. وفي سياق الاستجابة للطلب العالمي المتزايد، تتجه جهود الدولة نحو الاستفادة من الموارد المحلية، ومهارات المزارعين المغاربة، وتطوير تعاونيات زراعية جديدة في مناطق مثل بولمان وتطوان وأزيلال وبني ملال وكرسيف وخريبكة، ما يتيح فرصا أكبر للتنمية المستدامة في قطاع الزعفران بالمغرب.