محتالون يستغلون أوضاع ضحاياهم للاغتناء ويلقون بهم في براثن الجريمة بقدر التطور العلمي والتكنولوجي الذي غزا الحياة العامة، بقدر الجهل الذي مازال يعشعش في عقول العديد من الأشخاص، بإيمانهم بالخرافات والشعوذة والجهل التي ترتكب من أناس يجيدون النصب بجميع الطرق، ووصل صيتهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاستعراض قدراتهم "الخارقة" في علاج المس من الجن وإبطال السحر أو الحسد أو غيرها، وقد تصل إلى الإيذاء في حق العديد من الضحايا. ورغم خطورة الأفعال التي ترتكب تحت يافطة الشعوذة والسحر، والجرائم الموازية لها، فالمشرع عوض التصدي لهذه الظاهرة بنص قوي زجري لتخليص المجتمع من آثارها السلبية، سواء النفسية أو الجسدية والمالية، اكتفى بالتنصيص عليها باعتبارها مخالفة من الدرجة الثالثة، وبتغريم مرتكبها بغرامة تتراوح بين عشرة دراهم ومائة وعشرون درهما، وهو ما يفسر استمرار هذه الآفة في نخر المجتمع، واستمرار تداعياتها داخله، الشيء الذي يؤكد أنه في ظل غياب رؤية واضحة في التعاطي مع هذه الآفة، فلن يتوقف نشاطها داخل المجتمع، ولن تتوقف الجرائم التي ترتكب والتي تكون لها تداعيات خطيرة، قد تصل حد القتل. كريمة مصلي بشاعة دجالين مشعوذ أحرق خليلته وآخر قتل على يد بارون بسبب «الثقاف» وطالبان فصلا رأس ضحيتهما ما يميز جرائم القتل بدافع الشعوذة أنها تتم بطريقة بشعة، إذ أن القاتل يتفنن في تعذيب ضحيته إلى حد الموت والتمثيل بجثته بكل وحشية. آخر الجرائم التي تورط فيها مشعوذون، تلك التي حدثت بضواحي أزمور، عندما أجهز مشعوذ على خليلته بطريقة بشعة لشكه في خيانتها له، قبل أن ينقل جثتها إلى مكان قريب من الطريق السيار الجديدة البيضاء، وأحرقها بعد سكب كميات من البنزين عليها. القصة بدأت عندما توصلت عناصر الدرك الملكي بإشعار حول وجود جثة ما زالت ألسنة النيران مشتعلة فيها، وبعد البحث والتحري وبالاستعانة بكاميرات المراقبة، تم التوصل إلى أن الجثة نقلت على متن سيارة، وتم تحديد مكان وجودها بعد بحث مضن. وتبين لعناصر الدرك أن السيارة في ملكية شخص خمسيني، ولما طلب منه فتح صندوقها الخلفي، تم العثور على قنينة بلاستيكية كان بها بنزين، وبعد محاصرته، اعترف أنه من قتل الضحية وأحرق جثتها. خلال البحث معه، أقر المتهم أنه يحترف الشعوذة والدجل بمنزله، وأنه تعرف على الضحية التي تتحدر من البيضاء ونسج معها علاقة غير شرعية، إلا أنه اكتشف في الفترة الأخيرة أنها تخونه، فأجهز عليها بمنزله، وبعد أن تأكد من موتها، نقلها إلى محاذاة الطريق السيار ليلا وأضرم النار فيها لإخفاء معالم الجريمة. وبمنطقة إمزورن، لم يكن مشعوذ بها أحسن حالا من زميله بالجديدة، إذ هو من سيقع ضحية جريمة قتل بشعة، على يد بارون مخدرات، ليس بسبب صفقة "حشيش" لم يلتزم بتسديد قيمتها، بل لأن البارون شك في المشعوذ أنه تسبب له في عجز جنسي. التفاصيل تعود عندما اكتشف المتهم أنه يعاني عجزا جنسيا بشكل مفاجئ، ليتوصل بأخبار تفيد أن مشعوذا بالمنطقة من تسبب له في ذلك، بعد أن أغرته جهات بالمال، وانتقاما لرجولته، هاجم البارون منزل المشعوذ ودون تردد شرع في طعنه بجنون إلى أن فارق الحياة. ورغم فرار المتهم صوب قرية نائية ضواحي الحسيمة، نجحت عناصر الدرك الملكي في تحديد هويته ونصب كمين له، انتهى باعتقاله وإحالته على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف. وتبقى جريمة مكناس التي تورط فيها طالبان، من أبشع الجرائم المتعلقة بالشعوذة، بحكم أنها تمت لاستمالة الشيطان وكسب رضاه، كما كشف البحث مع المتهمين. وفي ظروف غامضة اعتنق الطالبان مذهبا شاذا وهو "عبدة الشيطان"، ومن أجل التقرب من إلههما الجديد، قررا تقديم قربان له، عبارة عن روح ودم شخص. وفعلا استدرج المتهمان الضحية إلى منزل، وبعد القيام بطقوس شيطانية من كتابة ورسومات ومخطوطات وترديد عبارات خاصة، تم ذبح الضحية وفصل رأسه عن جسده، واستغل دمه في طقوس شيطانية خاصة. وللتمويه على جريمتهما، أضرم المتهمان النار بالمنزل وغادرا صوب وجهة مجهولة، إلا أن حضور رجال الأطفال وسرعتهم في إخماد النيران فضحا جريمتهما بعد العثور على جثة الضحية مفصولة الرأس، وبعد تحريات وأبحاث تم إيقافهما وإدانتهما بعقوبة مشددة. مصطفى لطفي إعادة النظر في الزجر المشرع وضعها ضمن خانة المخالفات التي تستوجب غرامات مالية فقط لم يشدد القانون الجنائي العقوبة على ممارسي الشعوذة، رغم خطورة الفعل الذي يرتكبونه، إذ أدخلها ضمن خانة المخالفات التي يعاقب عليها فقط بغرامات مالية، إذ نص في الفقرة 35من الفصل 609 من القانون الجنائي، أنه يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 10 دراهم و120 درهما، كل من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام، ويعتبر هذا الفعل مجرد مخالفة فقط من الدرجة الثالثة، لا تستوجب أي عقوبة حبسية. الصفة التي منحها المشرع لهذا النوع من الجرائم، يمكن أن تتغير إذا ما اقترنت أعمال الشعوذة بجنح أو جنايات أخرى، فتصبح العقوبة ملتصقة بالجرائم الجديدة المرتبطة بأعمال الشعوذة. ومن بين التهم الكثيرة التي تلتصق بمتعاطي الشعوذة، هي النصب، إذ غالبا ما ينسجون الأحلام أمام الضحايا لحل مشاكلهم النفسية، أو الاجتماعية بالاحتيال والنصب عليهم، وتصبح التهمة اللصيقة بالمشعوذ في هذه الحالات، هي النصب التي ينص على عقوبتها الفصل 540 من القانون الجنائي، من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من خمسمائة درهم إلى خمسة آلاف، في حق من ارتكب جريمة النصب، واستعمل الاحتيال لخداع أو إخفاء وقائع صحيحة، أو استغل استغلالا ماكرا لخطأ وقع فيه غيره، و يدفعه بذلك الى أعمال تمس مصالحه، أو مصالح الغير المادية، بقصد الحصول على منفعة مالية له، أو لشخص آخر. وقد تصبح التهمة جناية إذا ما اقترن الفعل بجريمة من الجرائم، التي تصنف ضمن خانة الجنايات، وغالبا ما تكون متعلقة بالقتل، خاصة في جرائم البحث عن الكنوز أو الصرع وغيرهما. ويعتبر البعض أن المشرع عليه أن يعيد النظر في العقوبات المتعلقة بأعمال الشعوذة والسحر، وعدم اعتبارها مجرد مخالفات، إذ لابد من وضع مادة محددة مطبقة على الفعل الحقيقي، طالما أن لكل جريمة نصا يعاقب من يرتكبها، ومن الخطأ حسب قولهم اعتبار أعمال الشعوذة والسحر من قبيل جرائم الاحتيال والنصب بسبب خطورتها، على الفرد والمجتمع. كما أن التسامح الذي يتم التعامل به مع هذه الجرائم يمنح ممتهنيها إشارات إيجابية بأنهم بعيدون عن المساءلة، وأن أقصى ما يمكن أن يتعرضوا له إذا ضبطوا يمارسون الشعوذة والسحر غرامة مالية. والغريب في الأمر أنه رغم أن القانون الجنائي هو الآن محط تعديل لعدد مهم من نصوصه، إلا أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار هذا النوع من الجرائم، الذي ظل ضمن خانة المخالفات. ك. م ثلاثة أسئلة: سببها أمراض نفسية ما هي الحقائق التي تظهر في المحاكم خلال مناقشة قضايا القتل المرتبطة بالشعوذة؟ الحقائق عنوانها الأبرز مرض متورطيها نفسيا، ومعاناتهم مع متلازمات وصفها الطب النفسي في الكثير من الحالات، بالاكتئاب المستمر أو المزمن. فحينما يعجز المريض عن الحصول على وصفات طبية للعلاج، يفكر في القيام بأفعال خارجة عن المألوف لذبح الغير واستعمال ماء غسيله أو شعره في طقوس السحر والشعوذة، بحثا عن علاج آمن. وتعج محاكم المملكة بعدد من المتورطين في نبش القبور وانتهاك حرمات الموتى، فحينما يعجز هؤلاء المرضى عن الحصول على الدم مباشرة، يبحثون عن رفات الأموات، ومن حسن حظ المتورطين في مثل هذه القضايا أنهم يتابعون بجنح بسيطة، عكس المتورطين في القتل، بسبب ممارسة طقوس الشعوذة واحتراف التكهن والتنبؤ بالغيب. هل يصل في نظرك الأمر إلى ارتكاب جرائم أخطر؟ وقفت محاكم على جرائم قتل، هدفها تقديم الضحايا بمثابة قرابين، وفق معتقدات كتسخير من قبل الجن، وهو ما يشكل جرائم القتل والتمثيل بجثث، وهي معتقدات ظلت ملازمة لعقلية المغاربة سيما للجهلاء وذوي الفكر المحدود، وهناك حكايات وأغان مازالت شاهدة على تقديم الإنسان قربانا لأضرحة وأسياد على مر التاريخ، وهناك فئات واسعة من المجتمع المغربي تؤمن بأن دم البشر يبقى أغلى من الدماء الأخرى، بمعنى أن بعض جرائم القتل المرتبطة بالشعوذة يكون مبتغاها هو دم الإنس. كيف يمكن الخروج من مثل هذه الورطات التي تسيء لصورة المجتمع المغربي؟ من الطبيعي أن تنعتنا دول المشرق ببلد السحر والشعوذة، ولهذا لا بد من رجة ثقافية وأخلاقية للخروج من هذه الأصنام الدخيلة على معتقداتنا، حتى نخرج إلى الحقيقة، وهذا يحتاج إلى وعي ثقافي تشارك فيه مختلف الفئات الثقافية ويوازيها دعم إعلامي قوي، للتحسيس بمدى خطورة مثل هذه الأفعال، التي لا تمت بصلة للقيم الكونية ولا للدين الإسلامي، كما يجب كسر الطابوهات المتعلقة بالأمراض النفسية، سيما المزمنة منها حتى لا تصبح بمثابة عيب مجتمعي، وكما أشرت سابقا يجب الاهتمام بالصحة العقلية والنفسية وتشييد مستشفيات بجميع المدن لعلاج شرائح واسعة تعاني تراكمات نفسية، ينتهي بها المطاف إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم قتل وبعضها يكون بدافع الشعوذة. حاتم عريب محام بهيأة الرباط أجرى الحوار: عبد الحليم لعريبي