شروط مجحفة وأسعار خدمات مرتفعة وعمولات مبالغ فيها تضمن الربح في عز الأزمة تهيمن المجموعات البنكية الثلاث الأولى على حوالي ثلثي حصيلة الأداء الإجمالي للقطاع. وينعكس هذا التمركز على مستوى التنافسية داخل القطاع، إذ أن أسعار الخدمات تظل متقاربة جدا بين مختلف البنوك. ويعد الزبون الضحية الأولى لغياب منافسة حقيقية داخل القطاع، إذ لا يجد أي بديل أحسن من مؤسسته البنكية، ما يجعله مثل المستجير من الرمضاء بالنار، إذ أن الشروط والعمولات وأسعار الخدمات تظل متشابهة. وتفرض البنوك قواعدها المؤطرة بمقتضى قوانين، تضمن لها تحقيق ريع بنكي مستدام، يتمثل في مختلف العمولات والتعويضات التي تستخلصها مقابل الخدمات المقدمة لزبنائها. تقدم "الصباح" أوجها من القواعد المجحفة التي تصب في صالح المؤسسات البنكية على حساب الزبناء. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي شروط مجحفة تفرض البنوك شروطا تكون في الغالب مجحفة للزبون، وتقتطع عمولات متنوعة غير واضحة، كما أن ضعف الثقافة البنكية لدى فئات اجتماعية واسعة بالتعاملات المالية، يجعل العلاقة بين البنك والزبون غير متكافئة، ما يؤدي إلى شطط من قبل المؤسسات البنكية. تمثل العمولات والفوائد التي تستخلصها البنوك من زبنائها النسبة الكبرى من الناتج البنكي الصافي. وتلجأ المؤسسات البنكية إلى فرض أسعار مرتفعة على الزبناء، وتستعمل وسائل متنوعة، من أجل استخلاص مزيد من العمولات والاقتطاعات من حسابات زبنائها. طلاسم بنكية تعتبر المراسلات البنكية الموجهة إلى الزبناء بمثابة طلاسم يصعب على الكثير من المتعاملين مع المؤسسات البنكية فك رموزها ومعانيها، إذ أن أغلب مستهلكي الخدمات البنكية يتعاملون مع الإرساليات التي يتوصلون بها من وكالاتهم البنكية على أنها وثائق للاستئناس ليس إلا، رغم أنها يمكن أن تتضمن معلومات خاطئة بخصوص بعض العمليات، التي تتطلب من الزبون تنبيه مؤسسته البنكية إليها لتصحيحها وتفادي تبعاتها على حسابه البنكي. ويفضي ذلك، في حالات عديدة، إلى سوء تفاهم بين المؤسسة والزبون، يصل بعضها إلى سلطات المراقبة الممثلة في البنك المركزي. والأدهى والأمر أن المؤسسات البنكية تقتطع على بعض المراسلات مبالغ يمكن أن تصل إلى 40 درهما، ما يمثل أضعاف كلفة المراسلات داخل المغرب. قيمة المعاملة... مصلحة البنك أولا يختلف تاريخ العملية عن التاريخ الفعلي لاحتساب قيمة تلك العملية، المعروف بتاريخ القيمة (Date de valeur)، إذ أن المؤسسة البنكية تفرق بين التاريخين، وتتمكن من تحصيل عمولات دون أن يدري الزبون بذلك، ويختلف تاريخ القيمة، حسب صنف العمليات، وتحدد المدة بين تاريخ العملية وتاريخ القيمة بشكل تفاوضي، علما أن شرائح واسعة من زبناء البنوك لا تلقي بالا لهذا الأمر، أي أن المؤسسة البنكية هي التي تحدد في نهاية المطاف الفرق الزمني بين التاريخين. وهكذا، نجد أن تاريخ القيمة يكون سابقا لتاريخ العملية، إذا كان السحب أو الأداء من حساب الزبون، في حين يكون تاريخ العملية سابقا لتاريخ القيمة إذا كان التحويل أو الأداء لفائدة الزبون، ويؤدي هذا الأمر إلى اقتطاع مبالغ من حسابات الزبون. فإذا افترضنا أن تحويلا بنكيا تم لفائدة زبون بتاريخ 30 أبريل، على سبيل المثال، ولم يكن أي مبلغ في رصيده آنذاك، فإنه لا يمكنه الاستفادة من المبلغ إلا بعد يوم أو يومين، حسب الحالات وتاريخ القيمة المعتمد من قبل مؤسسته البنكية بالنسبة إلى هذه العملية، فلو سحب مبلغا في اليوم الموالي، فإن البنك تعتبره قرضا وتستخلص عليه نسبة فائدة، عن الفترة الفاصلة بين تاريخ العملية وتاريخ القيمة، علما أن أيام العطل تضاف على الفترة الفاصلة بين التاريخين. وإذا استخدم أحد الزبناء بطاقته البنكية لأداء مقتنيات بالخارج، فإن البنك ينتظر يومين، قبل احتساب قيمة العملية، ويحتسب المبلغ على أساس معدل الصرف المحدد في اليومين المواليين للأداء، إذا سجل هذا المعدل ارتفاعا، في حين يعتمد البنك سعر تاريخ العملية، إذا سجل معدل الصرف انخفاضا خلال اليومين المواليين، ما يعتبر شططا في حق الزبون يتعين تداركه وتصحيحه، بتوحيد تاريخ العملية وتاريخ القيمة، على غرار ما هو معمول به في البنوك التشاركية. اتفاقية الحساب...حق مغيب تلزم دورية والي بنك المغرب رقم 15/W/16 المؤسسات البنكية بتمكين الزبون من نسخة من اتفاقية الحساب مجانا وموقعة من الطرفين، ويتعين أن تحدد هذه الاتفاقية الشروط والالتزامات المفروضة على الطرفين. لكن أغلب الزبناء الذين يعدون بالملايين لا يتوفرون على هذه الاتفاقية، كما أنه لا يتم إخبارهم بحقهم في الحصول عليها، ما يمثل إخلالا بالمقتضيات القانونية والتنظيمية، التي تنظم العلاقات بين المؤسسة البنكية وزبنائها. وأكد عدد من الذين يتوفرون على حسابات بنكية في تصريحات لـ «الصباح» أنهم لا يتوفرون على الاتفاقية ولم يتم إخبارهم بهذه المقتضيات، ما يجعل المؤسسات البنكية في موضع المساءلة. وأكد خبير بنكي أنه يحق لزبناء البنوك التقدم بطلبات لمؤسساتهم، من أجل الحصول على هذه النسخة، وإذا لم تتم الاستجابة إلى طلباتهم فيمكنهم اللجوء إلى بنك المغرب، باعتباره سلطة الرقابة، والذي سيلزم المؤسسة بتمكين زبونها من الاتفاقية. تجاوزات في تحديد الفائدة تحتسب البنوك الفائدة السنوية على القروض الذي تقدمها للزبناء على أساس 360 يوما، في حين أن عدد أيام السنة يصل إلى 365 يوما، ما يمثل حيفا في حق زبناء البنوك، حيث إن اعتماد 360 يوما، يمكن البنك من تحصيل فوائد أكثر. وسبق لمحكمة النقض الفرنسية أن اعتبرت أن معدل الفائدة التفاوضي يتعين أن يحتسب، بالنسبة إلى المستهلك أو الأفراد غير المهنيين، على أساس السنة المدنية وليس بناء على 360 يوما، ما يفرض معالجة هذا الخلل، ما يمكن البنوك من تحقيق هوامش ربح أكبر. فسخ العقد... طلاق مكلف يجد عدد من زبناء البنوك صعوبات متعددة في فسخ العقد، الذي يربطهم بمؤسساتهم البنكية، ويجد بعضهم بعد سنوات من انقطاع العلاقة مع البنوك أنفسهم مطالبين بأداء مبالغ مهمة، لأنهم لم يتموا الإجراءات والمساطر المطلوبة في إغلاق الحساب. وتفاجأ أحد الزبناء بمطالبته من قبل إحدى المجموعات البنكية بأداء مبلغ 17 ألف درهم، علما أن علاقته انقطعت منذ أزيد من عشر سنوات، ما دفع الزبون إلى اللجوء إلى الوسيط البنكي، الذي خفض المبلغ إلى 1600 درهم، أي أقل بأزيد من 10 مرات المبلغ المطالب به. ويرفض بعض العاملين في وكالات بنكية التوقيع على استلام طلب إغلاق الحساب، ما يحرم الزبون من وثيقة إثبات تقدمه بطلب فسخ العقد، الذي يجمعه بالمؤسسة البنكية. أرباح مضمونة تتمكن البنوك بالمغرب من تحقيق أرباح في عز الأزمات، إذ حتى في ظل الأزمة الصحية "كوفيد 19"، تمكنت المجموعات البنكية، حسب التقرير الأخير لمديرية الإشراف البنكي التابعة لبنك المغرب، من تحقيق أرباح، مع نهاية 2020، بقيمة 6.8 ملايير درهم (680 مليار سنتيم)، لتتضاعف مرتين، سنة بعد ذلك، وترتفع قيمتها الإجمالية إلى 12.1 مليار درهم (1210 ملايير سنتيم)، وحققت خلال 2014، أرباحا بقيمة 14 مليار درهم (1400 مليار سنتيم). وعرفت مردودية أصولها ارتفاعا، إذ انتقل المعدل من 0.4، خلال 2020، إلى 0.6 في المائة مع متم 2022، كما انتقلت مردودية أموالها الذاتية من 4.6 في المائة إلى 8.8، ما يؤكد أن أرباح البنوك تظل مضمونة، في ظل الإطار القانوني الذي تعمل فيه المجموعات البنكية حاليا. أزيد من ألف شكاية أفادت مديرية الإشراف البنكي، بهذا الصدد، أنها توصلت، خلال 2022، بـ 1009شكايات، تأتي النزاعات المتعلقة بتسيير الحسابات على رأسها، إذ تمثل 35 في المائة من إجمالي الشكايات، وتهم بوجه خاص الاحتجاجات على خصم الحساب أو العمولات وإغلاق الحساب. وتأتي الشكايات المرتبطة بشروط منح القروض في الرتبة الثانية، إذ مثلت 33 في المائة من إجمالي الشكايات، في حين أن 18 في المائة من الشكايات تهم وسائل الأداء، وأن النسبة المتبقية تهم شكايات متنوعة. وجاءت القرارات لفائدة الزبناء في 63 في المائة من الحالات. ورغم ذلك، فإن حالات عود كثيرة تسجل في التجاوزات التي تشوب العلاقة بين المؤسسة البنكية والزبون، إذ بالرجــوع إلى طبيعة ونــوع الشكـــايات المتوصل بهـــا من قبـــل بنك المغرب، فإن الشكايات المتعلقة بتسيير الحساب تظــل على القائمة طيلة سنوات، ما يفــرض على سلطة التقنين والمراقبــة ترتيــب الجــزاءات، بـــدل الاكتفــاء بتصحيح الخلل.