محمد نادر الخبير الاقتصادي والمالي قال إن مشروع قانون المالية بني على فرضيات غير واقعية اعتبر محمد نادر، الخبير الاقتصادي والمالي والإطار بالمديرية العامة للضرائب، أن مشروع قانون المالية جاء محكوما بالهاجس المالي، إذ أن الإجراءات التي تضمنها تسعى إلى تقليص عجز الميزانية وتعبئة الموارد عن طريق الزيادة في الضرائب، ما من شأنه أي ينعكس سلبا على فئات واسعة من المجتمع. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي ما تقييمك للفرضيات التي بني عليها مشروع قانون المالية؟ انطلق مشروع قانون المالية 2024، من فرضيات لم تأخذ بعين الاعتبار التطورات الجيو-إستراتيجية، التي يعرفها العالم، علما أن البنك العالمي أصدر، أخيرا، تحذيرا بخصوص الموجة التضخمية التي ستعرفها المواد الطاقية والغذائية في العالم، خلال السنة المقبلة، إذ ارتفع سعر البترول بنسبة 6 في المائة، منذ اندلاع الحرب في غزة، وينتظر أن يصل السعر إلى 150 دولارا للبرميل في غضون السنة المقبلة. وتصبح فرضية نسبة تضخم في حدود 2.5 في المائة المتوقعة في مشروع قانون المالية 2024، غير واقعية، في ظل هذه المعطيات. كما أن المشروع اعتمد على ثمن الغاز في حدود 500 دولار للطن، وهو مستوى بعيد كل البعد عن حقيقة الأسعار العالمية، إذ عرفت أسعاره، حاليا، زيادة بنسبة 7.01 في المائة، علما أن أسعار وحداته الحرارية مرتبطة بسعر برميل النفط. كما أن مشروع المالية يعتمد على محصول للحبوب بـ 75 مليون قنطار في الموسم المقبل، ما يعتبر محصولا بعيدا عن معدل السنوات الأخيرة، التي لم يتعد خلالها 50 مليون قنطار في أحسن الأحوال، علما أن هناك، حاليا، تأخرا في التساقطات، كما أن حقينة السدود لم تتجاوز، مع بداية نونبر الجاري، 25 في المائة. ما هي أبرز الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية؟ من أبرز الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية 2024، التقليص التدريجي من عجز الميزانية، ليتراجع إلى 4 في المائة خلال 2024، وترشيد النفقات المرتبطة بالسير العادي للإدارة، ما يؤكد المنحى التقشفي لسياسة الحكومة، وتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، ومواكبة تنزيل الإستراتيجية الطاقية للوصول إلى إنتاج 52 في المائة من الكهرباء من المصادر المتجددة في أفق 2030، كما يتضمن المشروع إجراءات تسعى إلى تعبئة موارد إضافية، مثل تطوير التمويلات المبتكرة، وتدبير المحفظة العمومية، ما يعكس نية الحكومة التخلي التدريجي عن تدبير وتسيير ما تبقى من المؤسسات العمومية والعمل على خوصصتها. ويتضمن المشروع مواصلة التنزيل الفعلي للقانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي والتركيز في السنوات الثلاث المقبلة بشكل تدريجي على إعادة هيكلة الضريبة على القيمة المضافة، ونسجل، في هذا الصدد، تعميم الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على بعض المنتوجات الأساسية، مثل الأدوية، والأدوات المدرسية والزبدة ومصبرات السردين ومسحوق الحليب، والصابون المنزلي، ورفع قيمة الضريبة على الماء وخدمات التطهير من 7 في المائة إلى 10، والكهرباء من 14 في المائة إلى 20 في أفق 2026، والسكر المصفى من 7 في المائة إلى 10، في حدود 2026، والسيارات الاقتصادية من 7 في المائة إلى 10. إضافة إلى رفع الضريبة على عمليات نقل المسافرين من 14 في المائة إلى 20، في أفق 2026، وتخفيضها على الخدمات المؤداة لمقاولات التأمين من قبل كل عون أو وسيط أو سمسار، من 14 في المائة، حاليا، إلى 10، ابتداء من يناير 2025، كما تم توسيع نطاق الضريبة على القيمة المضافة، ليشمل التجارة الإلكترونية. وعلى مستوى التدابير الجمركية، يقترح المشروع رفع نسبة رسم الاستيراد من 2.5 في المائة إلى 30، في ما يتعلق بالشاي الأخضر، وبعض الآلات الكهربائية الصغيرة. ماهي الانعكاسات المرتقبة لرفع معدل الضريبة على القيمة المضافة على الأسعار؟ تعتبر الضريبة على القيمة المضافة آلية من آليات السياسات الاقتصادية الكلية، التي يمكن استخدامها في توجيه الإنتاج والاستهلاك لصالح النشاط الاقتصادي ككل أو ضده، حسب الأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية العامة، ومن نتائج رفع نسبها، خفض الاستهلاك الحالي والمستقبلي بفعل ارتفاع الأسعار، وخفض مستوى الادخار الذي يؤدي ضمنيا إلى خفض الاستثمار والتأثير على الاقتصاد المغربي، إضافة إلى تخفيض الطلب الداخلي الذي سيؤثر على مستوى العرض الوطني الموجه للسوق الداخلية. كما أن الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة، دون أن يقابله رفع مستوى الأجور، سيساهم في ارتفاع الأسعار وحدوث موجة تضخمية ستعصف بالقدرة الشرائية للأسر المغربية، خاصة الفئات الهشة ومتوسطة الدخل، التي اكتوت بالتداعيات المتراكمة لوباء "كورونا" والحرب الروسية الأوكرانية، المتسببة في ارتفاع أسعار المواد الفلاحية والطاقية. مصدران للتمويل هناك مصدران لتمويل برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال، 60 مليار درهم ستعبأ عن طريق البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات المقبلة (2024-2026) بغلاف مالي في حدود 18 مليار درهم، تهم مشاريع مبرمجة من مختلف القطاعات، والميزانية العامة للدولة بمبلغ 15 مليار درهم، ثم الحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال بمبلغ 20 مليار درهم، وستساهم الجماعات الترابية، أيضا، بـ 5 ملايير درهم، وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ ملياري درهم، في حين ستعبأ 60 مليار المتبقية عن طريق الدعم والتعاون الدوليين. ارتفاع كلفة الدين نسجل ارتفاع مستوى خدمة الدين في مشروع قانون المالية 2024، بنسبة 24.2 في المائة، إذ انتقلت من 29.97 مليار درهم إلى 37.23 مليار درهم، ما يؤكد المنحى التصاعدي للمديونية وخطرها على التوازنات المالية لميزانية الدولة. بداية الإلغاء التدريجي للدعم تقرر تقليص ميزانية المقاصة بحوالي 10 ملايير درهم، ألا ترون أن ذلك مقدمة للشروع في الإلغاء التدريجي للدعم؟ إن التقليص الكبير للميزانية المخصصة للمقاصة بحوالي 10 ملايير درهم، إذ تقلصت من 26 مليار درهم إلى 16 مليارا، يعتبر البداية الفعلية للإلغاء التدريجي للدعم. ويمثل هذا التقليص ضربة مباشرة للقدرة الشرائية للمواطنين، في ظل موجة تضخمية متواصلة يعرفها العالم بفعل ارتفاع أسعار المواد الأولية، خاصة الحبوب والسكر والحبوب الزيتية في الأسواق العالمية، إضافة إلى ارتفاع أثمان المواد الطاقية، إذ أن سعر برميل النفط تجاوز 87 دولارا للبرميل، ويمكن أن يصل إلى 157 دولارا في أسوأ الحالات، حسب ما جاء في آخر تنبؤات البنك الدولي. إن الحكومة قررت استهداف الأسر الفقيرة بالدعم المباشر، من خلال دعم بـ 500 درهم حدا أدنى أو أكثر من ذلك حسب الحالات، من خلال تسجيل السكان في السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، على أن يتم رفع الدعم كليا في أفق 2026 على غاز البوتان والسكر والدقيق. وتجدر الإشارة، في هذا الباب، إلى أن عملية التسجيل في السجلات الوطنية لم تكن في مستوى التطلعات، وسجل عدم رضى فئات اجتماعية واسعة، خاصة الشعبية منها، إذ أن فئات معدومة الدخل وعاطلة عن العمل، وجدت مؤشرها الاجتماعي فوق المعدل المطلوب للاستفادة. الضريبة على الثروة كيف تفسرون تجاهل الحكومة لمطالب تضريب الثروة؟ يتعين على الحكومة تعبئة موارد إضافية لتغطية ارتفاع التكاليف العمومية المتعلقة ببرنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق التي ضربها الزلزال، وتمويل تعميم الحماية الاجتماعية والمصاريف الناتجة عن الاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030. لذا نقترح، في هذا الإطار، اعتماد ضريبة على الثروة مساهمة فعلية من الأغنياء في التكاليف العمومية وتنمية البلد وتحقيق الأهداف المرجوة في أفق 2030، التي تمثل سقفا زمنيا لعدد من البرامج. وتجدر الإشارة إلى أن ثروات أغنياء العالم زادت بمقدار 26 تريليون دولار، في حين ارتفعت ثروات 99 في المائة من سكان العالم بـ 16 تريليون دولار، الأمر نفسه ينطبق على أغنياء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهكذا، فإن الظرفية الاقتصادية بالمغرب تحتم إحداث الضريبة على الثروة للمساهمة في تخفيف عجز المالية العمومية، وضمان إعادة توزيع عادل للثروات بين مختلف الفئات، علما أن الفوارق زادت حدتها بين الأغنياء والفقراء. عفو عن مهربي الأموال تضمن مشروع القانون عفوا جديدا على المخالفين للمدونة العامة للضرائب وقانون الصرف، ما تعليقكم؟ بالفعل تم إدراج مساهمة إبرائية تتعلق بالتسوية التلقائية للممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج قبل 30 شتنبر 2023، من قبل الأشخاص الذاتيين والاعتباريين المتوفرين على إقامة أو مقر اجتماعي أو موطن ضريبي بالمغرب، واشترط مشروع قانون المالية 2024، أن يؤدي المستفيدون من العملية مساهمة محددة في 10 في المائة من قيمة اقتناء الممتلكات العقارية بالخارج، ومن قيمة اكتتاب أو اقتناء الأصول المالية والقيم المنقولة وغيرها من سندات رأس المال أو الديون المنشأة بالخارج، و 5 في المائة من مبلغ الموجودات النقدية بالعملة المرجعة للمغرب أو المودعة في حسابات بالعملة الأجنبية أو بالدرهم القابل للتحويل، و2 في المائة من مبلغ السيولة بالعملة المرجع للمغرب والمباعة في سوق الصرف بالمغرب مقابل الدرهم. إن هذه المساهمة الإبرائية تعد بمثابة عفو على مهربي الأموال إلى الخارج، خاصة بعدما تم منحهم الضمانات بكتمان هويتهم وأسرارهم وعدم متابعتهم إداريا أو قضائيا. إن إقرار هذه العملية يعتبر أقل الضرر في كل الحالات، بالنظر أنه سيتم رصد المداخيل المتحصل عليها من العملية لفائدة الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي. آخر مسمار في نعش الطبقة المتوسطة ما هي الإجراءات التي أغفلها مشروع قانون المالية؟ لقد أغفل مشروع قانون المالية إصلاح الضريبة العامة على الدخل، علما أنها لم تعرف أي تغيير منذ سنوات، رغم تقهقر القدرة الشرائية لفئات اجتماعية واسعة بسبب ارتفاع الأسعار. ويعتبر مشروع قانون المالية آخر مسمار في نعش الطبقة المتوسطة، بشقيها الأدنى، الذي سقط في الهشاشة، والأعلى المهدد بتداعيات حذف المقاصة وتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية. ولم يعمل المشروع الحالي على الإسراع في تحقيق مرتكزات وأسس القانون الإطار للإصلاح الضريبي، خاصة ما يتعلق بتحقيق العدالة الضريبية، إذ مازال الأجراء يساهمون بـ 73 في المائة من موارد الضريبة على الدخل دون العمل على إحداث توازن بين مختلف الفئات المهنية الخاضعة لضريبة على الدخل والأمر نفسه ينطبق على المتقاعدين. في سطور محمد نادير من مواليد 15 أبريل 1968 بالبيضاء حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية، تخصص اقتصاد المقاولات مستوى السلك الثالث في تدبير المقاولات متصرف من الدرجة الأولى بالمديرية العامة للضرائب مفتش إقليمي سابق بمديرية الضرائب نائب الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للمالية