عميـد المتبرعين يلبـي نــداء “الصباح”

«أنا ذاهب إلى جريدة الصباح»، استغرب النادل وهو يسمع زبونه المفضل يغادر قبل أن يرشف فنجان قهوته، طوى جريدته المفضلة وتركها على المائدة. سرى فضول في النادل الذي توجه إلى حيث ترك عز الدين جبار جريدته، تصفحها، قبل أن يلوح أمامه القلب الذي نبض في عز الدين وجعله يسرع الخطى لتلبية النداء، «التبرع بالدم... تبرع من أجل الحياة». لم يستغرب النادل فعز الدين جبار هو قيدوم المتبرعين المغاربة، والرجل لا يتأخر عن أي نداء يكون هدفه التبرع بالدم.كأنه يقدم على طقس قديم، تقدم عز الدين من الطبيبة في حافلة الحياة التي تربض أمام مقر مجموعة «إيكوميديا» بشارع المسيرة بالبيضاء. بعض المتبرعين نظروا إليه بشك، وكلهم يقين أن الطبيبة التي ستفحصه ستحيله على لائحة الممنوعين صحيا من التبرع، قبل أن يكتشفوا أن وراء هذه البنية النحيلة قصة 215 عملية تبرع بالدم، لينهالوا بالأسئلة على الرجل الذي استقبله الملك محمد السادس ليهنئه على مبادرته النبيلة، ويوشحه بعبارة «الله يرضي عليك».«اليوم أكمل المرة 215، وإذا أطال الله في عمره لن أتوقف عن التبرع بالدم». لا يبحث الرجل عن بطولة ما، ولكنه يعتبر الأمر صدقة. ليس الوازع الديني وحده ما يدفع جبار إلى التبرع خمس إلى ست مرات في السنة بدمه، حتى أصبح وجها معروفا عند مراكز تحاقن الدم في المغرب، واصبح واحد من المطلوبين عند بعض العائلات التي تحتاج الدم فتبعث نداءاتها إلى عز الدين الذي يسارع إلى تلبية النداء بفرح. بل هناك وازع الوطنية أيضا، كما قال «أول مرة رأيت الملك الراحل الحسن الثاني يتبرع بدمه سنة 1978، قررت التبرع بالدم، وكانت تلك أول مرة، تدفقت في نفسي مشاعر الوطنية، وكان عمري حينها لا يتجاوز 19 سنة، لكن بعدها انقطعت عن التبرع حوالي سنتين». المرة الثانية التي تبرع فيها عز الدين جاءت بناء على إحساس بالتضامن، إذ «كنت مع زوجتي في المستشفى حيث أنجبت طفلتنا سنة 1983، وكانت امرأة مع زوجتي في حاجة ماسة إلى الدم، فبادرت إلى التبرع لها بدمي، وبعدها اصبح الأمر بمثابة طقس أمارسه سنويا، بل أصبحت أدعو الناس إلى التبرع بالدم». كما لو أن عروقه موصولة بمراكز تحاقن الدم، فعز الدين الذي يحافظ على عادته في التبرع بالدم، لا يغفل عن ذلك حتى وهو على سفر، إذ حين يصل موعد التبرع، يهب إلى أقرب مركز ليتبرع بدمه، حتى عندما اضطر هو نفسه إلى اقتناء الدم، «يسوق البعض مثل هذه المبررات لعدم التبرع، ويؤكدون أنهم يقتنون الدم حين يحتاجون إليه، ولكن هذا ليس مبررا، فأنا شخصيا مررت بهذه التجربة سنة 2004، حين كانت خضعت زوجتي لعملية جراحية واضطررت إلى أداء تكلفة الدم، شخصيا أعرف أن الأمر لا يتعلق بدم يباع كما تباع الأدوية، بل هي تكاليف إجراء التحاليل لدم المتبرعين، وهذا ما لا يفهمه الجميع، إذ أن الدم لا يؤخذ من شخص ويمنح لآخر بهذه البساطة، بل يخضع لمجموعة من التحاليل التي تكلف الكثير».مارس 2013 رن الهاتف في بيت عز الدين وكانت المتصلة الدكتورة عمراني عن مركز تحاقن الدم بالرباط، «قالت لي أيمكنك الحضور إلى الرباط غدا، فلبيت النداء، معتقدا أنها بحاجة إلى متبرع فتخليت عن باقي التزاماتي، واستقللت القطار في اليوم الموالي». بعد وصوله ببضع دقائق إلى محطة القطار أجرت معه الطبيبة اتصالا هاتفيا لتطلب منه أن يتوجه إلى مستشفى الحسن الثاني بفاس، «كانت مفاجأة كبيرة، لأن جلالة الملك سيستقبلني، ولم أصدق أنني سأقف أمامه وأتحدث إليه، ويسألني الأسئلة نفسها التي طرحتها علي قبل قليل، كيف واتتك الفكرة؟ ومتى تبرعت بالدم أول مرة؟ كم عدد المرات التي تبرعت فيها بالدم؟ وكيف تشعر صحيا؟ كانت هذه هي الأسئلة التي «طرحها علي جلالة الملك في ثمان دقائق باللهجة المغربية، قبل أن يسألني عن المدينة التي أنتمي إليها، فقال لي «يشرفني أن يكون البيضاويون مثلك، الله يرضى عليك».رغم أنه فكر في تأسيس جمعية للتحسيس بأهمية التبرع بالدم، إلا أنه سرعان ما تخلى عن الفكرة، بعد أن فطن إلى أن أغلب الجمعيات تبحث عن ربح شخصي، فاختار أن يدعو إلى ذلك بشكل شخصي.ضحى زين الدين

عميـد المتبرعين يلبـي نــداء “الصباح”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

6 ملايين و791 ألف تلميذ يلتحقون بالمدارس

حملة "إيكوميديا" للتبرع بالدم تكسب الرهان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات