fbpx
مقالات الرأي

إضاءات قانونية لحماية مشتري العقار حسن نية من العصابات الإجرامية

إيمانا منا بالرسالة الملكية لصاحب الجلالة نصره الله بتاريخ 30 دجنبر 2016 من أجل التصدي الفوري و الحازم لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، و بالرغم الجهود للحد من هذه الظاهرة و التي ارتفعت منذ ظهور الجائحة لكن للأسف نجد أن بعض ضحاياها لا ينحصر في المالك الأصلي للعقار  بل حتى المشتري حسن النية و الذي يجد نفسه متابعا إلى جانب الفاعل الأصلي و مشاركيه، و لذلك ارتأيت في هذا المقال توضيح بعض الوسائل القانونية التي قد تنير طريق بعض المشترين للعقارات من ذوي النيات الحسنة و الذين ليس بإمكانهم العلم بأن البائع ليس هو المالك الحقيقي للعقار.

ينقسم العقار في المغرب إلى عقار محفظ و غير محفظ، أما العقار في طور التحفيظ فيعتبر عقارا غير محفظ إلى غاية تأسيس رسم عقاري خاص به.

و بخصوص العقار المحفظ فأول خطوة يجب القيام بها من طرف المشتري هو التأكد من هوية البائع عبر بطاقة تعريفه الوطنية البيومترية و ذلك لمقارنة بياناتها مع ما هو مضمن في نظير الرسم العقاري و الذي يجب أن يكون في حوزة المالك الحقيقي و ليس ذلك النظير المتواجد لدى المحافظة العقارية لكون تواجده لدى هذه الأخيرة من شأنه تسهيل حصول العصابات الإجرامية (مافيا العقار) عليه بتواطؤ مع المستخدمين ذوي النيات السيئة، لذلك يستحسن أن يكون النظير في حوزة مالك العقار الحقيقي و هذا ما نص عليه الفصل 89 من القانون 14.07 كما يلي:”إذا كان الطلب يتعلق بحق يقتضي موافقة المالك المقيد و الحائز لنظير الرسم العقاري، فيجب على المحافظ أن يرفض التقييد عند عدم الإدلاء بالنظير.”، و في حالة إدعى المالك (البائع) أن نظير الرسم العقاري ضاع منه فإن المشرع المغربي وفر للمشتري مكنة تطبيق مقتضيات الفصل 70 من القانون 14.07 و الذي ينص على ما يلي:”إذا كان الطلب مؤسسا على وثيقة اتفاقية و طلب المحافظ على الأملاك العقارية بشأنه بيانات أو توضيحات إضافية،فإنه يجب أن يكون مؤرخا و موقعا من قبل الأطراف المعنية.” بمعنى أن هذا الفصل يوفر حماية للمشتري حسن النية من البائع الغير الحقيقي إذ أن هذا الأخير مهما حاول إخفاء التزوير سيجد نفسه مضطرا لتبرير مصدر البيانات أو التوضيحات و التي قد تثير شكوك المحافظ و من الأمثلة على ذلك نجد أن الرسم العقاري الذي يشتمل على تفويتات متتالية و تقييدات عن طريق وكالات عرفية و ذلك في مدد زمنية قصيرة لا يتعدى بضعة أشهر .

و يجب على المشتري حسن النية تفادي قدر الإمكان إبرام عقد البيع بناء على وكالة من البائع حتى وإن كانت رسمية و خاصة إذا كان الموكل من المغاربة المقيمين بالخارج و الحذر من الوكالات المبرمة في الخارج خاصة الوكالات المذيلة بالصيغة التنفيذية و المحررة من طرف موثقين أجانب، و من بين الأمور التي يجب الانتباه لها أيضا شرط المدة إذ يجب أن يكون البائع مالكا للعقار على الأقل أربع سنوات لأن وجود بيوع متعددة على نفس العقار المراد اقتناءه في مدة زمنية قصيرة يشكل قرينة على أن رسوم  الشراء السابقة قد يكون شابها تزوير، إضافة إلى حرص المشتري أن يكون العدلين أو الموثق من اختياره و ليس من اختيار البائع مادام أن المشتري هو من يقع على عاتقه أداء الأتعاب و مصاريف التسجيل و التقييد، و احتياط يجب على المشتري إحضار بعض الشهود لحضور عملية البيع إذ أن مقتضيات الفصل 448 من ظهير الالتزامات و العقود تنص على أن:”يقبل الإثبات بشهادة الشهود في الالتزامات الناشئة عن الجرائم و التي يراد فيها إثبات الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني.” و بالتالي فأهمية الشهود في هذه الحالة في غاية الأهمية سواء كوسيلة إثبات أما القضاء المدني أو الجنائي، و أخيرا لا مناص من الانخراط في خدمة “محافظتي”  و هي بمثابة إشعار يوجه إلى المالك المقيد في الرسم العقاري يمكنه من تتبع العمليات المنجزة برسمه العقاري و تجدر الإشارة أن العقارات الخاضعة للظهير المتعلق بميثاق الاستثمارات الفلاحية يتم الاستيلاء عليها بإبرام عقد كراء بين المالك الأصلي و المستغل(المكتري) و ذلك ليظهر بمثابة المالك الحقيقي لأجل إيقاع المشتري حسن النية في شراك التزوير و النصب،و يجب دائما على مشتري العقار الخاضع للظهير أعلاه أن يتأكد عبر المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي ما إذا كانت شواهد الإعفاء أو الإبراء صادرة عنه.

بخصوص العقار غير المحفظ فإن طرق الاستيلاء تتمثل أساسا في إقامة رسوم ملكية أو إراثات على عقارات مملوكة للغير، لذلك فإذا كان أصل تملك العقار هو رسم استمرار  الملك فيجب على المشتري حسن النية التأكد من مرجع الشهادة الإدارية التي يستند عليها رسم الاستمرار و ذلك للتأكد ما إذا كانت صادرة عن السلطة المحلية لأن الكثير من هذه الرسوم تتضمن شهادات غير صادرة عن القائد ، و من بين الأمور التي يجب اتخاذها هو الحصول على نسخة من أصل تملك البائع ثم إجراء معاينة ميدانية للعقار والاستعانة بمهندس طوبوغرافي إن أمكن و التحقق من المجاورين للعقار و استفسارهم حول مدة حيازة البائع للعقار و التي يجب أن تكون مستمرة لعشر سنوات كاملة سواء من البائع أو من سلفه و عدم وجود نزاع على الملك و خاصة إذا كان قضائيا، و كذلك التأكد ما إذا كان العقار مشاعا بين عدة شركاء و خاصة إذا علمنا تواطؤ بعض الورثة لحرمان ورثة آخرين، و في حالة كان رسم الملكية يتضمن شهادة اللفيف يجب التأكد من خلال نسخة من الرسم المذكور من عناوين الشهود و أعمارهم إذ قد يعمد المالك غير الحقيقي إلى إقامة رسم ملكية تفوق مدة حيازته لحيازة المالك الحقيقي ثم إحضار شهود من المدينة يشهدون بشأن عقار في البادية أو العكس، و كذلك شهود يقل عمرهم عن مدة الحيازة المذكورة في رسم الملكية، مثلا شاهد من مواليد 1990 يشهد على حيازة المالك غير الحقيقي على أنها منذ 1998، و كما ذكرت سابقا يجب أن يكون العدلين من اختيار المشتري و لا بأس من إحضار بعض الشهود إلى مجلس العقد عن توثيق البيع تفاديا لتواطؤ البائع مع الجهة المحررة للعقد، و في الختام فإذا كان العقار في طور التحفيظ فيفضل أن يكون عقد البيع تحت شرط واقف أي أداء الثمن(مؤجل) عند تحفيظ العقار في اسم البائع، إلا أن هذا النوع من العقارات هي الأقل عرضة للاستيلاء عليه نظرا للإشهار و العلنية  التي تمتاز بها عكس العقارات المحفظة التي أصبحت أكثر عرضة للاستيلاء، و مع ذلك عند وجود مطلب التحفيظ يجب على المشتري أن يتأكد من كون المجاورين للعقار تم استدعائهم لحضور عملية التحديد سواء قرر سلوك مسطرة الخلاصة الإصلاحية أو مسطرة الإيداع.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه و بقوة و لا يحتاج لتوضيحه لشدة ظهوره و احتياجه للجواب هو ما يتعلق بمقتضيات المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية و التي حددت الحالة التي يتم التشطيب على تقييد المشتري المقيد عن حسن نية  و من بينها التزوير و استعماله و مع ذلك نجد أن هذا المشتري تتم متابعته بجناية التزوير و المشاركة و استعمال محرر مزور و غير ذلك، بالرغم من كون النزاع يكتسي الصبغة المدنية و  قد رتبت المادة الثانية الجزاء و هو التشطيب على تقييده أو إبطاله أو تغييره ، فالمشرع المغربي ما وضع هذه المادة المثيرة للجدل إلا لكونه يتوقع أن يكون المشتري حسن النية ضحية للتزوير و النصب و ليس من المنطق أن يكون المقيد عن حسن النية مشتريا و متهما في الوقت نفسه، و في غياب إحالة من هذه المادة على القانون الجنائي يجعل كل متابعة جنائية تفتقد لأهم أركانها المتمثل في مبدأ الشرعية.

  • محمد العوفي، باحث في العلوم القانونية

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.