كثرة المشاريع العقارية وضعف شبكة الطرق تسببا في اختناق مروري والمسؤولون "آوت" إنجاز : محمد بها - تصوير : (أحمد جرفي) لم يعد الاختناق المروري مشكلة مرتبطة بوسط العاصمة الاقتصادية، بل صار معضلة تتميز بها ضواحيها، إلى درجة تصنيف طرق الرحمة ودار بوعزة وبوسكورة بأنها «طرق الموت». إذا كان وصف محاور دار بوعزة والرحمة وبوسكورة بإقليم النواصر بالنقط السوداء، يعتبر في نظر المسؤولين مغالاة، فإن المشاهد المستقاة من الواقع اليومي أبلغ من أي تعليق، الأمر الذي يفرض تحرك الجهات المختصة لتفعيل مشاريع توسعة الطرق عوض تغليب منطق "اللي بغى اربح العام طويل". عذاب يومي الساعة تشير إلى الثامنة إلا الربع صباحا، من الثلاثاء الماضي، عشرات السيارات متوقفة بالطريق الرابط بين دار بوعزة والبيضاء، اختناق مروري شل حركة السير، إلى درجة أن السائقين ضبطوا معدلات سرعة مركباتهم في حدود 30 كيلومترا في الساعة، في حين أصحاب الترتيب المتأخر وجدوا أنفسهم رهينة عملية التوقف لدقائق مقابل السير لخطوتين بشكل متثاقل يجعل المرء يفقد التحكم في أعصابه. وفي الوقت الذي أصبحت عدد من المحاور بالعاصمة الاقتصادية يسيرة الانسياب، فإن الطريق الرابطة بين دار بوعزة والبيضاء، تحولت إلى شبح يقض مضجع السائقين والركاب على حد سواء، باعتبار الاكتظاظ الكبير الذي تشهده الطريق في أوقات الذروة يتسبب في مشاكل تأخر المواطنين إلى وجهاتهم المختلفة، وما يعنيه ذلك من تعطيل للمصالح سواء تعلق الأمر بالدراسة والعمل أو الرغبة في قضاء مصالح إدارية لا تحتمل التأخر عن الوقت المحدد. وبسبب الاختناق المروري الذي تتميز به، تحولت الطريق بين دار بوعزة والبيضاء، إلى سبب رئيسي للتأخر، كما أن المشكل لا يرتبط بفئة الأشخاص الذين يغادرون منازلهم عند حدود الثامنة، بل إن الواقع الذي لا يرتفع، يكشف أن الازدحام وبطء السير ينطلقان من الساعة السابعة والربع صباحا ويمتدان إلى التاسعة والنصف، قبل أن يتجددا في منتصف النهار إلى غاية الثانية والنصف. وفي الوقت الذي يعتقد فيه السائق المستعمل لطريق دار بوعزة، في الساعة الرابعة، أن الأمور عادية بفعل انسيابية السير ومجهودات المصالح الأمنية من شرطة ودرك، سرعان ما يتلقى مفاجأة صادمة بداية من الساعة السادسة إلى غاية التاسعة إلا ربع ليلا، ليتأكد له أن الوقت الذي مر فيه من قبل كان السير فيه مخففا قبل خروج الأسر والموظفين والتلاميذ من أماكنهم المتفرقة. مشاريع بلا مخطط طرق مستعمل طرق دار بوعزة والرحمة وبوسكورة، لا بد له أن يعاين حجم التغييرات العمرانية التي شهدتها المناطق الثلاث، وكيف تحولت إلى مدن قائمة بذاتها، لكن المشاكل المرتبطة بالاختناق المروري الحاد تجعل المرء يتساءل بحرقة "واش هاد المسؤولين محدودي التفكير ولا يراعون للمشاكل التي يمكن أن تنشأ في المستقبل بفعل التزايد العمراني والكثافة السكانية؟". ومن خلال معاينة التغييرات العمرانية التي شهدتها دار بوعزة، التي تميزت بإنشاء مشاريع كبيرة، من بينها أحياء سكنية راقية وفيلات ومراكز تجارية كبرى ومقاه ومطاعم راقية، وتحولها إلى وجهة سكنية لأصحاب "الهاي كلاس" والطبقات المتوسطة الراغبين في السكن في الضواحي، بعيدا عن الضجيج والتلوث البيئي للبيضاء، يتبين أن القائمين على تسيير الشأن المحلي للمنطقة وكذا مسؤولي الجهة والولاية، لم يبادروا إلى حلول توسعة طرقها وتهيئتها، لتكون في مستوى تحديات التزايد العمراني، الأمر الذي ترتب عنه سوء بينتها الطرقية المؤدية إلى الازدحام الطرقي. اختناق مروري حال طريق الرحمة، فإنه لا يقل سوءا عن نظيرتها دار بوعزة، بعد أن أضحى الخروج من المنطقة أو الوصول إليها، يستغرق وقتا طويلا، بفعل الاختناق المروري الذي يتجاوز الدقائق إلى الساعات في أوقات الذروة، وهو الوضع الذي استفحل بشكل دائم، نتيجة الطريق الضيقة المرتبطة بتخصيص ممر خاص بمشروع الحافلات العالية الجودة "الباصواي» والأشغال المرتبطة به. ويجد مستعملو طريق الرحمة، أنفسهم في ضغط كبير وحالة من التيه بشكل يومي، بعدما جرى إغلاق مجموعة من المحاور بسبب الأشغال الجارية، ما يضطر العشرات منهم إلى البحث عن ممرات وسط الأحياء والدواوير قصد المرور صوب وجهاتهم، إلا أنهم يصطدمون بتحولها إلى نقطة تجمع الراغبين في اختصار الوقت، ما يثير تذمر كثيرين منهم. ولأن عشوائية تدبير مشاريع الطرق تسببت في مشاكل الاختناق المروري، فإن عددا من سكان حي الرحمة المتضررين من مصيبة "الاختناق المروري"، لم يجدوا وهم يتحدثون عن معاناتهم اليومية، سوى التعليق على مشروع "الباصواي» الذي رغم أهميته، بالقول "هاد المسؤولين حاطين العكر على الخنونة، فيناهي الطريق بعدا باش ادوزو السيارات والحافلات عاد نشوفوا الباصواي». الضغط والسكري "اللي قال لعصيدة باردة إدير يدو فيها"... مثل مغربي لتحدي من يستهين بالأمور، وهو ما ينطبق على حال المنتخبين والمسؤولين عن المحور الطرقي بالطريق الساحلية الرابطة بين البيضاء وأزمور، وبالضبط على مستوى دار بوعزة إقليم النواصر، أو الطريق الرابطة بين البيضاء والرحمة، حيث هناك من يعتبر أن الازدحام المروري بهذين المحورين الهامين، لا يرقى إلى درجة اختناق أو مشكل عويص. ويكفي من يرغب في خوض تجربة المعاناة، سلوك الطريق الرابط بين دار بوعزة والبيضاء أو الرحمة ووسط المدينة، حتى يجد نفسه وسط دوامة يصعب الخروج منها، حيث يكون الانفعال سيد الموقف. ويؤدي نفاد درجات الصبر، إثر البقاء رهينة "سير شوية ووقف بزاف» من كثرة عدد السيارات والناقلات والدراجات النارية التي تحاول العبور من طريق لم يعد يستوعب كثرة عددها، بعدد من السائقين إلى التعرض لمضاعفات صحية خطيرة، خاصة الأشخاص الذين يعانون الضغط الدموي والسكري، بل حتى الأصحاء منهم يجدون أنفسهم في حالة هستيريا تدفعهم إلى الاحتجاج على طول مدة الاختناق المروري، بالاستعانة بـ"الكلاكسون»، حيث لا صوت يعلو على صوت منبهات السيارات التي تزيد الوضع تعقيدا. فوق طاقتك لا تلام في الوقت الذي تبذل فيه المصالح الأمنية، من شرطة ودرك، مجهودات جبارة لتيسير انسيابية السير والجولان، بنشر عدد من عناصرها في مجموعة من المحاور الطرقية الرابطة بين دار بوعزة والبيضاء والرحمة والبيضاء، فإن مجهودات العنصر الأمني سرعان ما تصطدم بصخرة الواقع المر، بعدما يجد نفسه مغلوبا على أمره، بسبب التدفق الكبير على المناطق المعنية، إثر توجه المواطنين إلى وجهاتهم المختلفة، سواء في رحلات الذهاب أو الإياب. ورغم تضرر مستعملي المحورين، بإيجاد أنفسهم ضحية ساعات في الجحيم، في أوقات الذروة، فإن ذلك لا يمنعهم من الإشادة بالمجهودات التي تبذلها عناصر الدرك الملكي التابعة لدار بوعزة أو عناصر الأمن المكلفة بالمرور التابعة لمنطقة أمن الرحمة والحي الحسني، مشيرين إلى أن المصالح الأمنية المكلفة بالسير والجولان قامت بواجبها كما ينبغي، وأن المشكل مرتبط بعشوائية البنية التحتية التي غلبت كفة "بني وعلي" على حساب توسعة الممرات والمسارات والمحاور الطرقية، وتماطل الجهات المختصة في تنزيل ورش تطوير عملية التنقل ما بين دار بوعزة وبوسكورة والبيضاء، الذي رصدت له اعتمادات مالية كبيرة تصل إلى 1.7 مليار درهم.