يبدو أن قانون نفي النفي القائم على ما يسمى "الديالكتيك"، والذي ابتدعه الفيلسوف الألماني هيكل، وطوره مواطنه ماركس، ويقوم على نظرية عمادها أن لاشيء مادي باق، وفق جدلية التطور التي تنفي الأطروحة السابقة، "يبدو" أنه ينطبق على قضايا تبديد المال العام، بل إن فلسفة "الديالكتيك" هذه، التي انطلقت إرهاصاتها قبل ماركس وهيكل، وبالضبط مع أرسطو في عهد الإغريق، الذي يرى أن "الديالكتيك"، يستلزم الخداع والوهم في المعرفة بطريقة مشابهة للسفسطة، تنطبق اليوم على صور تبديد المال العام. هذا القانون الفلسفي يتحقق في أرض الواقع وتظهر تجلياته في أكثر من صورة، بل إنه يترجم أيضا استمرار محاكمات الفساد المالي والإداري، فجماعة ترابية واحدة تعاقب عليها رؤساء كانوا محط مساءلة وتدقيق لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، وقفوا على تكرر الاختلالات نفسها، التي سبق لهم أن سجلوها في مراقباتهم السابقة. وليست المحاكمات وحدها التي تترجم تطبيق قانون نفي النفي على أرض الواقع، بل سلوكات جديدة ظهرت في السنوات الأخيرة، يمكن أن نطلق عليها تبديد التبديد، أي طمس معالم وإثباتات ما تم تسجيله سابقا من جرائم المال العام، بخلق وضع جديد بمشاريع جديدة تمحو ما سبق وتجعل من يحاول التحقيق فيها، أمام سراب ووهم، لا يمكن اعتماده إثباتا. ولعل حديقة أفغانستان بجماعة الحي الحسني بالبيضاء، التي كانت مسرحا لهدم مقهى مازال الجدل قائما حول ملكيتها من الجماعة أو من قبل من تم الترخيص له بكرائها واستغلالها، أحد هذه النماذج. فالهدم الذي طال المقهى كان بدافع أن الحديقة ستؤوي مشروعا ممولا من قبل مجلس العمالة، لتهيئتها وجعلها في مستوى تطلعات السكان ومتنفسا لهم. المشروع الجديد، جاء على أنقاض مشروع سابق لمقاطعة الجماعة هم الحديقة نفسها بغلاف مالي فاق 200 مليون، لم تتسلم الجماعة انتهاء أشغاله إلا قبل أشهر معدودة، ليأتي مشروع مجلس العمالة، ويبدد ما تم إنجازه، ويمحو أي إثبات لمحاولة المحاسبة والتدقيق، بعد أن لعبت معاول الحفر والهدم في ما تم إنجازه، لإطلاق مشروع التهيئة الجديد الممول، من قبل مجلس العمالة. ملاحظة لها علاقة بما سبق تبديد الأدلة لتبديد جرائم المال العام، انطبق أيضا على أشغال المركب الرياضي محمد الخامس، إذ ما أن أشر مكتب الوكيل العام للملك بالبيضاء، على شكاية الجمعية المغربية لحماية المال العام، المبنية مضامينها على تقرير المجلس الجهوي للحسابات لفبراير 2023، وما رصده من اختلالات مالية ومحاسباتية، وأوجه صرف ملايير رصدت من المال العام، حتى جاء المشروع الجديد الذي شيد على أنقاض المشروع السابق، ليقبر كل الإثباتات والأدلة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma