كانت التصريحات الأخيرة لزعيم "بيجيدي" النقطة التي أفاضت كأس استياء عارم من طبيعة بعض الخطابات السياسية السائدة في مغرب هنا والآن، ما جعل أصوات العقل ترتفع مطالبة قيادات الأحزاب وأطرها الناطقة باسمها بأن ترفع من المستوى الأخلاقي في تدبير الاختلاف وتوجيه الانتقاد والانتباه إلى أن السياسة هي قبل كل شيء أخلاق في الممارسة، وفي الكلام، كما قال محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، جوابا عن سؤال للزميل أحمد علوة، ضمن لقاء على أمواج راديو "أطلنتيك" عن لحظة إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران على رأس العدالة والتنمية، وما أثاره من جدل بخصوص قضية (تازة قبل غزة) والجدل الذي رافق القضية الفلسطينية وتوصيفه الذي كان خشنا في حق بعض المغاربة. الخطير في الأمر أن في المسألة محاولة تهريب المعارضة إلى خارج المؤسسة البرلمانية، بنقل المنافسة السياسية من المعترك السياسي إلى إطار غير مهيكل، لا جدوى منه سوى إشعال فتيل الاتهامات المجانية، التي يراد استعمالها في إطار مساومة صريحة للدولة، ظهرت معالمها عندما دعا "بيجيدي" وزارة الداخلية إلى الإعداد المبكر للانتخابات، بذريعة أن الولاية الحكومية المقبلة ستتزامن مع احتضان المغرب لكأس العالم 2030، رافعا ورقة إمكانية استغلال أحزاب التحالف الحكومي الحالي لصدى الأوراش الكبرى المفتوحة لهذه المناسبة. وبقراءة بين سطور هذا النوع من الخطاب، تتضح محاولات تنفيذ خطة ملغومة تهدد برفع منسوب الاحتقان في الرأي العام الوطني بالانتقال من خطاب المظلومية، إلى تبني مواقف متطرفة بخصوص "التطبيع" واستثمارها لتنمية رصيد سياسي عبر مناورات تجمع بين التنصل من مواقف لطالما ساندها الحزب ضمنيا، والارتماء في حضن موجة معارضة تحظى ببعض الدعم الشعبي. هذا الخطاب لن يفيد "بيجيدي"، وربما تتوهم قيادته أن ذلك سيضعها في مقدمة جبهات الدفاع عن القضايا التي تهم المغاربة، لأن "المصباح" كان جزءا من المنظومة التي صنعت كل القرارات إبان عشر سنوات من حكمه، وكل ما سيحصل عليه أن بنكيران سيكون محط أنظار المتتبعين للعودة إلى واجهة الأحداث الراهنة لتمرير رسائله المشفرة إلى خصومه الحزبيين. ويحمل خطاب بنكيران بين طياته إشارات تدل على أن وضعية "بيجيدي" بعيدة عن بر الاستقرار المؤسساتي، خاصة إذا علمنا أن خطة استفزاز الخصوم السياسيين بالأساليب الشعبوية يراد منها، على المدى القريب، تعزيز التفاف قواعد الحزب حول المرشد الأكبر وتحويل مظلوميته إلى عائد انتخابي ملموس يمكنه من العودة إلى المشهد السياسي عبر بوابة صناديق الاقتراع. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma