بعد مرور حوالي سنتين على واقعة تبول محام داخل قاعة الانتظار بمصلحة المستعجلات بمستشفى بمراكش، ظهرت الحقيقة التي لم يبحث عنها أحد حينها، عندما انبرى الجميع إلى استنكار سلوك صاحب البذلة السوداء. بدورها، انساقت النيابة العامة وراء الواقعة، وتابعت جميع أطرافها، المحامي وحراس الأمن، الذين احتجزوه بعد فعلته، وأحالتهم على القضاء الجالس ليدين المحامي بالإخلال بالحياء العام، والحراس بالضرب والسب. كان ينبغي على النيابة العامة أن تكون "طبيعية"، وألا يقتصر أمرها بالاستماع إلى الأطراف لمعرفة الملابسات، بل كان عليها أن تطلب بحثا موازيا يسميه العارفون بـ"المعاينة"، وهي وثيقة رسمية حجيتها أقوى من محضر الاستماع، إذ أن التصريحات المدونة فيه يمكن التراجع عنها، لكن محضر المعاينة صلب لا يتغير إلا إذا ثبت أنه مزور، بمعنى أن الضابط ضمنه ما لم يشاهده بأم عينيه. أن تكون النيابة العامة طبيعية، معناه أيضا أن تعلم أن من حق كل إنسان أن يقضي حاجته الطبيعية، وأن المرافق العمومية ملزمة بتوفير مكان خاص بهذه الحاجة، ولو كان حيزا صغيرا كما يصفه الفرنسيون "Le petit coin"، فقضاء الحاجة حق أساسي من حقوق الإنسان، أقرته الأمم المتحدة وتبنته جميع الدول، وهو حق لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية، بل يدخل ضمن مبدأ تلبية الحاجات الأساسية التي تشمل القدرة على الوصول إلى المرافق الصحية الملائمة والنظافة الشخصية بما يعزز الكرامة ويضمن المساواة، وتقع على المجتمعات والدول مسؤولية ضمان توفير هذا الحق لجميع أفرادها. في مستشفياتنا العمومية، حتى بأكبر المدن، لا يعير المسؤولون أي أهمية لهذه المرافق، ويصبح المريض والمرتفق على السواء أمام أمرين لا مفر منهما، إما أن يخرج للبحث عن مقهى مجاور، أو أن يلبي حاجته في الخلاء أي بالبحث عن حديقة أو فضاء لقضاء الحاجة، بل حتى "الأطباء المتدربون" يجدون إحراجا كبيرا عندما تشتد بهم "الحاجة". فلو تريثت النيابة العامة وطالبت بإجراء معاينة لمعرفة إن كان مستشفى مراكش يضع مرافق صحية رهن إشارة المرتفقين والمرضى، لأمكنها الإلمام بالسبب، ولأبطلت العجب. ملاحظة لها علاقة بما سبق بالبيضاء، وبالضبط بالجناح 40، الخاص بمرضى السرطان التابع لابن رشد، يفد إلى مصالحه كل يوم أزيد من 200 مريض، ومنهم المرافقون بذويهم، لا يجدون مرفقا صحيا رهن إشارتهم، بل حتى المقاهي المجاورة أحكمت إغلاق أبواب مراحيضها لأنها لا تسع للطلب المتزايد عن زبنائها، والشيء نفسه في باقي مرافق المستشفى التي يؤمها المئات يوميا، لدرجة أن المار من الخلاء خارج سور الباب الرئيسي لمستشفى ابن رشد يشتم روائح "الحاجة" بل ويشاهد مناظر قضائها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma