طبيح دعا إلى التوقف عن القيام بتعديل القوانين بكاملها بعد كل تغير على رأس وزارة العدل لا تتناول هذه الملاحظات صياغة المواد، ولا تقنيات كتابة النص القانوني، بل تتعلق بالمقاربة الدستورية والحقوقية لما يجب أن يتناوله التعديل المراد إدخاله على قانون مهنة المحاماة، علما أن الصياغة تأتي فيما بعد، لأن الاختلاف لا يدور حول صياغة المواد أول الأمر، بل يدور حول التوجه العام للتعديل، أي ما تريده الحكومة وغرضها من تعديل قانون المهنة الجاري به العمل. (2/1) عبد الكبير طبيح * عندما يتم الاتفاق على الخطوط الكبرى لتعديل القانون الجاري به العمل، يفسح المجال لأهل صياغة النص القانوني، لكي يترجموا تلك التوجهات في مواد أو فصول للقانون . مسودة مشروع القانون المتعلق بالمهنة إن مسودة مشروع القانون المتعلق بمهنة المحاماة تستدعي إبداء الملاحظات التالية: 1- ملاحظات تتعلق بمدى المطابقة مع الدستور. 2- ملاحظات تتعلق بمدى حماية الحقوق المكتسبة. 3- ملاحظات تتعلق بالمستجدات الإيجابية. 4- ملاحظات تتعلق بالمستجدات التي تحتاج إلى توضيح أو تدقيق. سأحاول في هذه الورقة أن أتناول، من وجهة نظري القابلة لأي نقاش، كل هذه الملاحظات بكل تركيز. غير أنه وقبل البدء في إبداء هذه الملاحظات من المفيد التذكير بوجهة نظري الخاصة، والمتمثلة في التوقف على القيام بتعديل القوانين بكاملها، بعد كل تغير على رأس وزارة العدل. إن استمرار القوانين يركز الاستقرار ويوحد الاجتهاد القضائي ويؤسس لتعامل مجتمعي مستقر. لذا فتعديل القوانين هو عمل تشريعي مفيد وهو حق لكل حكومة تترجم به برنامجها السياسي ويجب الاستمرار فيه. لكن لايجب أن يغير القانون بأكمله، بل يجب أن يكون أي تعديل بمثابة ترميم للقوانين لتغطية النقص الذي كشفت عنه، أو من أجل تغطية فراغ تشريعي، أو تطوير للقواعد القانونية لتلائم مستجدات لم تكن موجودة عند سنها. وفي جميع الأحوال لا يجب أن يغير القانون بأكمله مع تغيير أي وزير أو أي حكومة. لهذا فالملاحظات التي سأقدمها في هذه الوثيقة تنطلق من هذا التصور وتخضع الى هذا المنطق. مدى المطابقة مع الدستور من المعلوم أن اختيار الدول والشعوب لتغيير دستورها وتبني دستور جديد يعني أن تلك الدول وتلك الشعوب تريد تغيير شكل ومضمون تدبيرها للشأن العام المشترك، والتخلي عن التدبير السابق، لأنه لم يلب حاجيات ومتطلبات المجتمع كلها. وأن معيار إعمال أي دستور جديد في أي بلد، يقاس بمدى حضور مقتضيات ذلك الدستور الجديد في القوانين التي تصدر بعده. وهل هي تطابق ما أتى به هذا الدستور من مستجدات في الحقوق والواجبات أم لا. لكي تكتسب تلك القوانين المشروعية الدستورية وحتى لا تلغى بسبب مخالفتها للدستور. أي أن يكون هناك تطابق بين القانون الجديد وبين الحقوق والالتزامات التي أتى بها الدستور الجديد، سواء بخصوص تنظيم علاقة الأفراد والجماعات فيما بينهم، أو علاقة مؤسسات الدولة فيما بينها، أو علاقة هذه المؤسسات مع أفراد وجماعات المجتمع. و ما يدفع إلى إثارة هذه الملاحظة هو أنه في العشرية الأخيرة كان المحامون في تونس يفتخرون بأن دستورهم لسنة 2014 نص على دسترة مهنة المحاماة. أي نص عليها بالاسم كحق دستوري وذلك في الفصل 105 منه. وكنا نرد من جانبنا ودفاعا عن بلدنا بأن دستور 2011 وإن لم يذكر مهنة المحاماة بالاسم في فصوله، إلا أنه دستر اختصاصات ومهام المحامي، علما أن الدستور الجاري به العمل في تونس، والذي أصبح مطبقا منذ 25/07/2022 بعد التغييرات التي عرفها هذا البلد الشقيق، حذف الفصل 105 منه. ولم يبق ينص على مبدأ دسترة مهنة المحاماة. وإنه بخصوص دستور 2011 المغربي وبالرجوع إلى الباب الثاني منه، أي من الفصل 19 إلى الفصل 40، نجده خصصه الى اعتراف الدولة بالحريات والحقوق الأساسية للمواطن، وأقر عددا كبيرا من الحقوق للأفراد والجماعات. كما أكد دستور 2011 مرة أخرى على تلك الحقوق، لكن بشكل أكثر تخصيصا وتوجه إلى حقوق المتقاضي، وهو ما يهمنا في هذا المقال، وخصص لها الفصول من 117 الى 128 تحت عنوان "حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة." وأن الدستور لم يقف عند النص على حقوق المتقاضين، بل وضع لها آلية للاستفادة من تلك الحقوق الدستورية، عندما نص على تلك الآلية في الفصل 120 منه، الذي ينص على أن المحاكمة العادلة هي حق للمتقاضي و التزام على الدولة. وإنه من غير المنازعة فيه أن الشرط الجوهري لتحقق المحاكمة العادلة، هي إلزامية وجود محام يمثل ويدافع عن الفرد أو الجماعة أو المؤسسات أو الدولة في نزاعهم في ما بينهم أو في نزاعهم مع القانون. لذا، فإن شرط صحة وتحقق المحاكمة العادلة التي ينص عليها الفصل 120 من الدستور هو شرط يتحقق وجودا وعدما بوجود وحضور المحامي في أي محاكمة منذ بدايتها الى نهايتها. لذا فإن مسودة المشروع المتعلق بقانون المهنة تستدعي وجوبا ملاءمتها مع ما أتى به دستور 2011 من ضمانه للحريات وللحقوق الأساسية المنصوص عليها في الفصول من 19 إلى 40، ومن ضمانه لحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة المنصوص عليها في الدستور نفسه في الفصول من 117 الى 128. وانطلاقا من المقاربة التي يتحدث عنها الدستور والتي تهدف إلى تحقيق الحق في المحاكمة العادلة، يمكن تقديم المقترحات التالية: 1- إضافة الفقرات التالية للمسودة: -الأولى: في ديباجة مسودة القانون تؤكد على أن تحقيق المحاكمة العادلة، لا يتأتى إلا بالحضور الفعلي للمحامي في جميع مراحل المحاكمة في كل النزاعات المعروضة على القضاء بدون أي استثناء، ولتمثيل كل أطراف النزاع. -الثانية: التنصيص في المادة الأولى على دور المحامي في تحقيق المحاكمة العادلة، وأن المحاكمة العادلة لا تتحقق إلا عندما تكون مهنة المحاماة حرة ومستقلة ومؤهلة ومسؤولة ومساهمة في تحقيق تلك المحاكمة العادلة. 2- إعادة النظر في التعريف التقليدي الذي يوضع دائما في الفصل الأول لقانون المهنة، وذلك بإضافة جملة " أن مهنة المحاماة تشارك وتساهم مع القضاء في تحقيق المحاكمة العادلة" الى جانب أنها حرة ومستقلة وتساهم في تحقيق العدالة ، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء، علما أن تعميم إلزامية حضور المحامي في كل المحاكمات ليس الغرض منه إثقال كاهل المتقاضي بأتعاب المحامي في كل قضية حتى البسيطة منها بل: -ضمان تحقيق النجاعة القضائية التي هي اليوم تحد تخوضه الدولة في إطار مهام إصلاح العدالة. وأن النجاعة لا تتحقق عندما يترك المتقاضي في مواجهة تعقد وتعدد القوانين والمساطر التي يحدثها المغرب اليوم في كل المجالات. - أن قضية الأتعاب بخصوص من لا قدرة له على أدائها يجب أن تحل في إطار المساعدة القضائية، وفق ما ينص عليه اليوم قانون المهنة الجاري به العمل، أي تحمل الدولة جزءا من تلك الأتعاب، لأن حق المواطن في المحاكمة هو التزام على الدولة تجاه المواطن. الملاحظة المتعلقة بالحقوق المكتسبة من أهم ما أتى به دستور 2011 ، وهو النص صراحة على أنه يضمن ويحمي الحقوق المكتسبة. وهو ما يفهم مما تنص عليه آخر فقرة من الفصل 6 منه، والتي تقضي بأن أي قانون جديد يمنع أي يكون له أثر رجعي، أي أن يلغي حقوقا كان ينص عليها قانون سابق. لذا، فإن أي تعديل لقانون المهنة بواسطة قوانين تتعلق بمواضيع أخرى أو بقطاعات أخرى، يجب ألا يلغي أو يتناقض مع ما ينص عليه قانون المهنة، وعلى الخصوص في الشق المتعلق بأن المحامي هو المؤهل لتمثيل والدفاع عن الأفراد والجماعات والإدارات والدولة، سواء صراحة أو ضمنا ،عندما تسند مهام المحامي لأشخاص أو مؤسسات أخرى. الحقوق المكتسبة المادة 5: الشروط الواجب توفرها في المرشح للمهنة أبقت على القاعدة التي تدفع في تخليق الممارسة المهنية المتعلقة بأن رد الاعتبار لا يمحو الإدانة القضائية والتأديبية. المادة 30: بعقد التعاون بين محام مغربي ومحام أجنبي القراءة الموضوعية لمسودة مشروع القانون، المتعلق بمهنة المحاماة تقف عند عدة مقتضيات مستحدثة ولها طابع إيجابي، وستدفع بالمهنة إلى حكامة أكثر في التدبير وجودة أكثر في الخدمات وقوة لمواجهة التحولات التي يعرفها بلدنا. ومن بين هذه المستجدات ما أتت به المادة 30 التي أحدثت طريقة جديدة لممارسة المهنة مفتوحة على المستقبل، وتتجلى في البحث عن حل للمكاتب الأجنبية التي تمارس مهامها اليوم في المغرب خارج قانون المهنة. علما أن المغرب، ليس فقط يطمح لكي يكون بوابة أوربا إلى العالم وإلى إفريقيا، بل بدأ بخطوات كبيرة في هذا المجال تظهر بعض جزئياتها في مشاريع كبرى ذات أبعاد جهوية أو إقليمية أو دولية، مثل قطار البراق الذي سيمتد الى آخر شبر في جنوب المغرب. وينتظر أن يمتد الى أعماق إفريقيا. والميناء المتوسطي و ميناء الداخلة وخط أنبوب الغاز، الذي سينقل الغاز من نيجيريا الى أوربا مرورا بالمغرب، والمشاريع الكبرى التي تستقطب استثمارات أجنبية من مختلف دول العالم، والتي تحتاج إلى الخبرة في القوانين المغربية والأجنبية، التي فتحت في المغرب مقرات لها لممارسة أنشطتها التجارية. لذا فسؤال التأهيل والتكوين موضوع على نساء ورجال مهنة المحاماة. وهو سؤال يكون جزء من الجواب عنه، هو حل إشكال المكاتب الأجنبية الممارسة في المغرب، وليس منعها. لهذا ، فإن ما نصت عليه المادة 30 من المسودة، فكرة مهمة جدا تفتح المجال لتقديم جواب مهم يمكن من انخراط المحامي والمحامية في الحضور في القضايا والملفات الكبرى التي تكلف بها الشركات الاجنبية بعض المكاتب الاجنبية التي تختارها . غير أن تلك المادة تتكلم عن "عقد التعاون" ، وهو شكل غير دقيق وغير واضح. وشكل جديد لممارسة المهنة سيضاف الى الأشكال الأصلية لممارسة المهنة، المنصوص عليها في المادة 27 والتي هي: ممارسة بواسطة المحامي لوحده أو ممارسته في نطاق المشاركة أو ممارسته في نطاق المساكنة أو ممارسته في نطاق المساعدة. ومن اعتقد أنه يجب أن ينص بكل وضوح إلى أن أطراف عقد التعاون يخضعون لما يخضع له المحامي المغربي، الطرف في عقد التعاون من حقوق والتزامات، سواء تجاه قانون المهنة وتجاه النظام الداخلي للهيأة، التي صادق النقيب على عقد التعاون. وكذا أخضعه للنظام الضريبي الذي يخضع له المحامي المغربي. كما يجب تدقيق الجملة التي تشير إلى أن الرأسية يشار فيها الى المحامي الأجنبي بإضافة جملة "مع اسم المحامي المغربي" رفعا لكل لبس. المادة 34: محامي القطاع العام تنص هذه المادة على ما يعرف في بلدان أخرى، ليست نموذجا في مجال حماية حقوق الإنسان، أي بمحامي القطاع العام. و أنه بالإضافة إلى أن هذا الشكل من الممارسة لا نجده في الدول الديموقراطية، فإن تنظيمه سيطرح عدة مشاكل منها: هل سيخضع لسلطات النقيب؟ هل سيخضع للنظام الداخلي للهيأة التي سجل بها؟ هل سيخضع لمسطرة التأديب أمام مجلس الهيأة، أم أمام الإدارة التي تعاقد معها؟ علما أن عددا من الإدارات والمؤسسات كلفت محامين بالنيابة عنها. * محام بهيأة البيضاء