بقلم: الدكتور محمد البغدادي(*) مع تصاعد تشنج وفتور في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية، بشأن قضية ترحيل الإمام المغربي حسن إيكوسين، وتشديد القيود على منح تأشيرات للمواطنين المغاربة، واتهام المغرب بالتجسس على الشخصيات الفرنسية، والتي شملت الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه وأعضاء في حكومته من خلال استخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، والتقارب الفرنسي الجزائري، وتدخل البرلمان الأوربي في حرية الصحافة وتطاول على سيادة النظام القضائي المغربي بتاريخ 19 يناير 2023، وزيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الجزائر بتاريخ 22 يناير 2023، وكذا بلورة المحور الأمني بين فرنسا والجزائر على ضوء زيارة قائد أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، إلى باريس بتاريخ 23 يناير 2023، أصبح على الاتحاد الأوربي، توحيد الصف وتنسيق الإجراءات، بشأن علاقاتها وشراكاتها وصداقاتها مع المملكة المغربية من جهة، وتوضيح مواقفها السياسية والإستراتيجية بشأن الاعتراف الصريح والعلني بمغربية الصحراء، سيما أن فرنسا تمثل الشريك التجاري الثاني للمملكة بعد إسبانيا خلال 2020، بحسب تصريح رسمي لوزارة الاقتصاد والمالية، هذا فضلا عن زيارة الوزيرة الفرنسية كاترين كولونا إلى المغرب بتاريخ 15 و16 دجنبر 2022، وكذا جولة وزير الممثل الأعلى للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إلى المغرب جوزيب بوريل، بتاريخ 5 و6 يناير 2023 حول استئناف العلاقات بين الرباط وباريس، بشأن تعزيز التعاون وتقريب وجهات النظر وحلحلة الملفات والقضايا والسجلات العالقة والشائكة في ظل سياق دولي وإقليمي مختلف يتسم بالانقسامات والتوترات والتجاذبات سواء تعلق الأمر بمضاعفات الأزمة الوبائية التي خلفت آثارا وخيمة على الاقتصاد العالمي ومعضلة الجفاف وندرة المياه أو استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويمكن تعريف فتور في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية على أنها أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا في ظل عدم توضيح فرنسا موقفها السياسي بشأن مغربية الصحراء، في ظل الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش مع رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين، بتاريخ 27 شتنبر2022، وكذا نتائج ومخرجات زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى المغرب. ونظرا لأهمية ومكانة موضوع تشنج وفتور في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية في الوقت الحاضر من خلال رغبة باريس في زعزعة وتشويش على إبطال الشراكة الأوروبية بين المغرب والاتحاد الأوربي المبرمة ببروكسيل بتاريخ 27 يونيو 2019، فإن الإشكالية المحورية تتمثل في كيف يمكن للاتحاد الأوربي التوفيق بين مصالحه الإستراتيجية مع المغرب وبين تشنج وفتور العلاقات المغربية الفرنسية؟. ومن المعروف أن العلاقات المغربية الفرنسية خلال السنوات الأخيرة تعرف العديد من التوترات والخلافات والتجاذبات في محيط إقليمي مشحون بالتحديات والإكراهات والصعوبات في ميدان الأمن والتنمية والديمقراطية. إن العلاقات المغربية الفرنسية تطرح اليوم وبشدة في ظل تحولات النظام الإقليمي المتسم بالتعقيدات والأزمات، حيث تعتبر المملكة المغربية قوة إقليمية صاعدة في القارة الإفريقية، وهو ما أزعج باريس بشكل كبير في عهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ظل تراجع دورها ومصالحها الجيو السياسية والجيو إستراتيجية في القارة. وينبغي الإشارة إلى أن المملكة المغربية، تعتبر أول مستثمر في إفريقيا الغربية وثاني مستثمر في القارة الإفريقية من خلال دوره الريادي والمحوري في حلحلة العديد من الملفات الدولية والإقليمية في نظام دولي متعدد الأقطاب، والتي تتجسد في مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة وتحقيق السلام والسلم والأمن والتسامح والتعايش واحترام تعدد الأديان والمناخ والتنمية المستدامة، وكذا نجاح الوساطة المغربية في القضية الفلسطينية ومعبر ألنبي بين الضفة الغربية والأردن وليبيا وأزمة الخليج مع قطر. وينبغي التذكير إلى أن فرنسا تراجع دورها بشكل كبير في منطقة الساحل والصحراء الإفريقي بفعل بروز تحولات جيوسياسية تتمثل في جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في إفريقيا، سيما أن بوركينا فاسو تريد خروج القوات الفرنسية من بلادها. لقد تعرضت فرنسا خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر بتاريخ 25 غشت 2022 إلى موجة من الانتقادات والملاحظات بشأن غموض وازدواجية الموقف الفرنسي إزاء قضية الوحدة الترابية للمملكة، الذي يجب على فرنسا التفكير مليا في علاقاتها واتصالاتها وروابطها مع المغرب إزاء العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بين البدين. وتجب الإشارة إلى أن هذه الزيارة الفرنسية إلى الجزائر سيكون لها تأثير كبير على العلاقات المغربية الفرنسية، وهذا ما أوضحه الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022، حيث أكد على أن قضية الصحراء المغربية هي النظارة التي يقيس بها المغرب علاقاته وشركاءه وحلفاءه التقليديين أو الجدد. ومن الواضح جدا أن الشراكة الإستراتيجية بين المغرب وفرنسا تحاول اليوم في ظل حجم الأزمات الإنسانية، التي تعيشها أوربا، تحقيق التوازن بين مصالح الاتحاد من جهة، ومعالجة العلاقات المغربية الفرنسية من جهة أخرى. ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي لعبته جولة رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا غيرترود فون ديرلاين إلى المملكة المغربية بتاريخ 8 و9 فبراير 2022، خاصة بعد تأكيد الاعتراف الإسباني التاريخي والسيادي بمخطط الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب لحل النزاع حول الصحراء تحت السيادة المغربية، والمؤرخ في 11 أبريل 2007 بتاريخ 18 مارس 2022، وتعزيزا للموقف الألماني بتاريخ 13 دجنبر 2021، هذا فضلا عن تعزيز الاتحاد الأوربية مصداقية وواقعية المملكة المغربية في تفعيل وتنزيل الاتفاقية التجارية بين الرباط وبروكسيل، التي تم إبرامها خلال 1996، والمتعلقة بمجالي الفلاحة والصيد البحري، والتي تم تجديدها في 2012 و2019. والأكيد أن الاتحاد الأوربي يجدد دعمه الثابت والراسخ بصواب ووجاهة المواقف والمقاربات الأوربية، بشأن مقترح الحكم الذاتي لـ 2007، من خلال الاتصال الهاتفي، الذي أجراه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مع رئيسة المفوضية الأوربية أرسولا فون دير لاين، بتاريخ 27 شتنبر 2022، من أجل تفعيل الرؤية الملكية الحكيمة والنظرة الثاقبة والتوجيهات السديدة للملك محمد السادس، المنصوص عليها في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2022. وترتيبا على ما سبق، يتضح أن هناك تشنجا وفتورا في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية، يرجع بالأساس إلى المواقف السياسية الغامضة، فضلا عن ازدواجية الخطاب الفرنسي، بشأن قضية الصحراء المغربية في سياق دولي وإقليمي مختلف، سيما أن الاتحاد الأوربي مطالب اليوم بتوضيح موقف فرنسا السياسي مع المغرب. وينبغي التذكير إلى أن زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى المغرب، بتاريخ 15 و16 دجنبر الماضي، تمحورت حول إنهاء أزمة التأشيرات والهجرة والأمن والمخطط الذاتي لقضية الصحراء المغربية والتحضير لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة خلال مطلع العام المقبل. كما كشفت وزيرة الخارجية الفرنسية، أن الحكومة الفرنسية اتخذت تدابير بمعية مع نظيرتها المغربية من أجل رجوع النشاط القنصلي الفرنسي بالمغرب إلى وضعيته الطبيعية. وأوضحت كولونا، خلال ندوة صحافية بالرباط، مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة، أن هذه التدابير تمت بالفعل وستساهم في إعادة علاقات قنصلية كاملة بين البلدين. وأضافت أن الهدف يتمثل في إعادة العلاقات الإنسانية بين المغرب وفرنسا، والدفع بالرأسمال البشري الذي يعتبر مكونا رئيسيا في العلاقات بين البلدين، ومحركا لها في المستقبل، معربة عن سعادتها بوقوفها شخصيا ومساهمتها من أجل حلحلة هذا الملف، الذي كان سببا في تسميم العلاقات بين البلدين خلال الفترة السابقة. (*) باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق بطنجة