مسرحية الكويتي البسام تستعيد التراجيديا الإغريقية لإدانة النظام العالمي الجديد تواصلت العروض المسرحية لمهرجان المسرح العربي الذي تحتضنه البيضاء، بتقديم عرض خارج المسابقات الرسمية، ويتعلق الأمر بمسرحية "آي ميديا" للمخرج الكويتي سليمان البسام، التي عرضت بمسرح محمد السادس. وتدور أحداث المسرحية المستوحاة من أسطورة "ميديا" التراجيدية الإغريقية، عن مهاجرة عربية مثقفة مسيّسة جسدت دورها الممثلة السورية/ الفرنسية حلا عمران، تجد نفسها في خلاف عميق مع العالم من حولها، الأمر الذي يدفعها لتصعيد وتيرة العنف بشكلٍ لا عقلاني داخل فضائها العائلي، فتقتل طفليها انتقاماً وغضباً وبحثاً عن الحرية. "ميديا" المسرحية التراجيدية اليونانية التي كتبها يوربيديس تجسد حياة "ميديا" المرأة الساحرة التي تقع في حب "جاسون"وتتزوجه، لكنه سرعان ما يهجرها ليتزوج بأخرى، فتقوم بقتل زوجته الثانية وأولادها منه في نوبة غضب. ومن رحم هذه التراجيديا ينطلق المخرج سليمان البسام ليجسد واقع اليوم عبر تأويلات عديدة تلتحم خلالها العناصر البسيطة لخلق تراجيديا جديدة لبشر يعيشون الألم والتشتت والضياع في عالم معاصر لا يهدأ. وتبدأ المسرحية بمشهد صادم تعترف فيه أم بقتل طفليها، وهو الأمر الذي علق عليه البسام في تصريح إعلامي سابق "هذا المشهد يُحفّز المتفرج على تخيّل الجريمة، أردت أن أُخرج الحدث من الخشبة لمحاورة المشاهد في لا وعيه وخياله، فتركت له أن يتخيّل مدى ضخامته، وتركت له الحرية في الشك واليقين من عملية القتل". وأضاف البسام أن "العمل فيه بحث في الغموض واللاشيء، وهذا الغموض يستدعي ويستدرج تفكير المتلقي الذي أحاوره من خلال المسرحية"، مشيراً إلى حرصه على إبراز بصمة عمل كل الفنانين على الخشبة وخارجها، من ممثلين وموسيقيين وفنيين ومصمم السينوغرافيا. ومما جاء في تقديم العمل أنه "إعداد حر للأسطورة اليونانية، تستمد من تآكل مفهوم الحقيقة في عالمنا الرقمي قراءة لـ"ميديا" في منظومة نظام قمعي في عصر الاستبداد التكنولوجي". ويضيف "كأنَّه يرثي الزمن الأسطوري الذي كان فيه الإنسان ينسج ثوب وجوده من دون حدود دولية وإثنية ومذهبية في مواجهة الطبيعة ووحوشها؛ هذه الطبيعة التي استعمرتها وحوش السياسة فقامت أوَّل ما قامت بحيونة الإنسان، وربَّما بقصدٍ أو من دون قصد ستردِّد ميديا، وبألمٍ: أنا؛ ميديا أُسَمِّي الحيواناتَ المُبادة، وبتسميتها أبعث أرواحها من جديد". ويتابع "مسرحية "آي ميديا" تفضح وتعري وتكشف الدور اللاإنساني للنظام العالمي الجديد، لسياسة القطب الواحد، الذي يغدر ويمحو كل قيم التنوير والعقلانية والديمقراطية من عقولنا، كي نتحوَّل إلى قطيع، ولكن آدمي" جدير بالإشارة أن مسرحية "آي ميديا" سبق أن حصدت ثلاث جوائز رئيسة بمهرجان قرطاج، فقد فاز الفنان سليمان البسام بجائزة أفضل نص مسرحي، وفازت الفنانة حلا عمران بجائزة أفضل ممثلة، وإيريك سواييه بجائزة أفضل سينوغرافيا. عزيز المجدوب