زمن الكتلة والمرجعيات التاريخية

أحزاب الحركة الوطنية تلتقي لتبليغ الرسائل السياسية وتذكر نوستالجيا الزمن الجميل الكتلة صارت جزءا من متحف التاريخ، هكذا علق قيادي اتحادي ردا على ما يردده أعضاء في المكتب السياسي والمجلس الوطني من ضرورة الرجوع إلى الكتلة كإطار حقيقي لتحالفات الحزب، لكنها تظل عودة إلى الذات في انتظار اتضاح الرؤية السياسية المصابة منذ مدة بالعطل والتشويش، خاصة على مستوى الخط السياسي للحزب، ف» الانقلاب» على الكاتب الأول السابق محمد اليازغي في المؤتمر الثامن اتضح أنه كان بسبب تجاذبات مصلحية بين جهات معينة داخل الحزب، و لم يكن صراع مرجعيات، كما أن الموقف من الوافد الجديد ظل متذبذبا ورهينا بمدى ابتعاده عن الحزب وتقوية موقعه في الخريطة السياسية، ويضيف المصدر ذاته أن الراضي كان حاضرا في كل التقاربات التي طرأت مع البام وكذلك الشأن بالنسبة لعضوي المكتب السياسي الحبيب المالكي وفتح الله ولعلو وآخرين أصبحوا اليوم من المنافحين عن ضرورة الابتعاد عن البام والعودة إلى الأصل، أي إلى أحزاب ما كان يعرف بالحركة الوطنية. حزب الاستقلال، بدوره، تناسى حلقات الصراع مع الغريم التقليدي وأضحى اليوم يطالب بالعودة إلى رحم الكتلة بحثا عن الدفء في انتظار ما ستكشفه سراديب التحالفات المنجزة في آخر لحظة والمنافع المتوخاة منها، حيث يغيب الإطار التاريخي وتصبح «البرغماتية» السياسية حلا ناجعا لتفريق الإخوة وجمع الخصوم على طاولة واحدة.الكتلة تحولت إذن إلى كيان مصاب بالترهل والشيخوخة تحتمي به الأحزاب الثلاث، الاستقلال والاتحاد والتقدم والاشتراكية، من أجل توجيه رسائل سياسية إلى من يهمهم الأمر لحمايتهم من الوافد السياسي الجديد، والتذكير بالمرجعية التاريخية والأدوار «الوطنية» لأحزاب الكتلة، كما أن لقاءات الكتلة لم تعد منتظمة بل رهينة بالذكريات الوطنية التي تكون مناسبة لزعاماتها من أجل صلة الرحم والترحم على الزعماء السابقين ونوستالجايا زمن المعارضة «الجميل» الذي كانت فيها مكوناتها حاضرة بقوة في تأطير الشارع ومقارعة النظام رغم أن حدود التحرك كانت تختلف باختلاف المرجعيات السياسية وطبيعة التشكيلات الاجتماعية في كل حزب على حدة.ومن المفيد الحفر في نوستالجيا الكتلة لمعرفة الأدوار التاريخية التي قامت بها، والتي لم يعد لها وجود اليوم، فلقد كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاستقلال من المبادرين الأوائل إلى صياغة تحالف مشترك ضمن إطار ما كان يسمى بالكتلة الوطنية، وكان ذلك في سنة 1970 عندما كان الراحل الحسن الثاني يبحث في ظل أزمة النظام السياسي آنذاك وانغلاقه وعدم استقرار الأوضاع بالبلاد، عن ربط جسور الحوار مع أحزاب الحركة الوطنية للخروج من مـأزق العزلة السياسية للنظام وتحالفه مع الأعيان والجيش.وكان علال الفاسي وعبد الله ابراهيم وباقي قيادات الحزبين يطوون صفحة خلافاتهما السياسية لتأسيس جبهة موحدة لمفاوضة الملك الراحل من موقع قوة، رغم أن الحسن الثاني كان يصر على جعل المؤسسة الملكية تظهر بمظهر الحريص على تقدير التعاقد التاريخي بين القصر وباقي مكونات الحركة الوطنية لكن دون تقديم تنازلات تهم مجال الحكم، بل كان الملك الراحل حريصا كذلك على جعل لقاءاته مع قطبي الكتلة آنذاك تمهيدا للإعلان عن مبادرات سياسية كبرى كإجراء إصلاحات دستورية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية...كانت الخلافات بين الحكم وأحزاب الكتلة الوطنية سببا في عدم تزكية مكوناتها للمسلسل الانتخابي منذ الإعلان عن حالة الاستثناء سنة 1965 إلى غاية انتخابات 1976 وقبلها مبادرة المسيرة الخضراء التي أثمرت تحالفا بين العرش وباقي مكونات أحزاب الحركة الوطنية تكريسا لمبدأ الإجماع حول الوحدة الترابية باستنثاء عبد الله ابراهيم الذي بقي بعيدا عن هذا التقارب بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية، خاصة بعد الانشقاق الذي عرفه الاتحاد الوطني بميلاد حزب الاتحاد الاشتراكي في سنة 1975، إلا أنه ورغم ذلك ظلت أحزاب الكتلة الوطنية رهينة خلافات مكوناتها تبعا لدرجة القرب أو الابتعاد من دوائر القرار، وهذا ما كان، لما تأججت الخلافات من جديد بين الاتحاد والاستقلال بعد مشاركة هذا الأخير في حكومة 1977، في وقت كان يمارس فيه رفاق عبد الرحيم بوعبيد دور معارضة «حكومة صاحب الجلالة»، إلا أن ذلك لم يمنع الحزب من الدخول في مواجهات جديدة مع النظام كما عبرت عن ذلك أحداث 1981 وموقف عبد الرحيم بوعبيد من استفتاء تقرير المصير.جمود الكتلة الوطنية في ظل هذه الظروف السياسية الصعبة، وتهميش مكون أساسي من مكونات أحزاب الحركة الوطنية، ألا وهو التقدم والاشتراكية في عدد من محطات التقارب بين الاتحاد والاستقلال، جعل من هذا الإطار التاريخي رهينا بالظرفية السياسية التي تجتازها البلاد ومتوقفا على مدى وجود تفاهم اتحادي استقلالي مشترك، إلا أن التحول الجذري لوظيفة الكتلة كان في سنة 1990، وهو ما أثمر ميلاد الكتلة الديمقراطية وميثاقا تضمن المطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية هامة، ما كان له بالغ الأثر على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بعد ذلك والإصلاح الدستوري لسنة 1992 ، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وطنيا من خلال عدد من الإشارات الدالة كوضع حد للاعتقال السياسي آنذاك وتوسيع فضاء الحريات وإلغاء ظهير « كل ما من شأنه» فضلا عن رفع الحصار عن عدد من الطابوهات تهم ملفات الاعتقال السياسي والفساد المالي وغيرها من المبادرات التي دفعت بها الكتلة الديمقراطية، فضلا عن شغلها دور تأطير الجماهير في الاحتجاجات الشعبية ومسيرات مساندة العراق وفلسطين.وكان موضوع الاستخلاف حاضرا بقوة في مفاوضات الكتلة والمؤسسة الملكية حول ما كان يدعى آنذاك بالتناوب التوافقي، وهو المحطة الأساسية التي كشفت عمق الخلاف بين مكونات الكتلة، الاتحاد والاستقلال والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي مع استبعاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رغم أنه كان من الموقعين على ميثاق الكتلة، وكانت الرؤى متباينة بشأن آلية المشاركة في الحكم دون ضمانات دستورية والتعاقد حول هذه الصيغة خارج صناديق الاقتراع، فضلا عن طبيعة الحقائب الوزارية الممنوحة.مشاركة أحزاب الكتلة بصيغتها الثلاثية الحالية في حكومة اليوسفي ثم جطو فعباس الفاسي، ساهمت في إضعاف مكوناتها التي اكتوت بنار تدبير الشأن العام، فتراجعت شعبيتها وفقدت جزءا من قواعدها، كما صار التحالف الحكومي طاغيا على التحالف الاستراتيجي بين مكوناتها، كما أن الخلاف بين الاستقلال والاتحاد في عدد من المحطات الأساسية، سواء تعلق الأمر بتولي الوزارة الأولى في سنة 2002، أو توقيت ومضمون مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية في سنة 2007 ، دق آخر مسمار في نعش الكتلة، ولم تنفع مطالب توسيعها بفتحها أمام أحزاب سياسية آخرى تنتمي إلى صف اليسار، أو التجمع الوطني للأحرار على اساس بناء أرضية سياسية جديدة لها تستجيب للظرفية السياسية الحالية ولشروط المرحلة بشكل عام، في عودة الدفء إلى كيان الكتلة ، خاصة مع دخول فاعل سياسي جديد للساحة السياسية أعاد ترتيب أوراق التحالفات السياسية الحالية وإن لم تتضح معالمها بعد، إلا أن البام ساهم بدوره في إرباك مكونات الحكومة خاصة الاتحاد الاشتراكي الذي تسوده أزمة داخلية اليوم بسبب الموقف من الوافد الجديد، والاستقلال الذي يخوض حربا ضروسا في مواجهة الأصالة والمعاصرة من داخل الحكومة وخارجها.لقاءات الكتلة تعني لدى الاتحاديين الرغبة في التخلص من التيه السياسي بالرجوع إلى الأصل في انتظار اتضاح الرؤية السياسية، ولدى الاستقلال البحث عن صمام آمان يقيه من ضربات البام استعدادا لمحطة 2012 ، آنذاك تفترق السبل بين مكونات الكتلة وقد تصير جزءا من التاريخ الجميل لزمن أحزاب الحركة الوطنية. رشيد باحة

زمن الكتلة والمرجعيات التاريخية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاستقلال يستقطب منتخبين من "البام"

26 عضوا قاطعوا دورة غرفة الصناعة التقليدية بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات