أزمة الخطاب تزيد في النفور

حرب المناصب تدمر الأحزاب والسباق على الاستوزار يسيء إلى العمل السياسي تعاني الأحزاب غياب آليات التداول الديمقراطي على المناصب داخل الهياكل المسيرة لها، ما جعلها تشتغل بطريقة تقليدية عبر تقديم الولاء للزعيم، وخدمته، وخدمة من يشتغلون لفائدته، فأصبح الذي ينقل المعطيات عبر سلوك "التبركيك"، بإضافة أمور غير صحيحة لأحداث وقعت أو قرارات ستتخذ، له قيمة ووزن لدى زعيم الحزب وقيادة الصف الأول، مقارنة مع الذي يتوفر على الكفاءة، الذي يتم تهميشه، ما زاد من إضعاف الأحزاب في التعبير عن مواقفها السياسية في اللحظات الحرجة وتقديم المقترحات العملية للخروج من الأزمات، بدل التصفيق وتبرير الأمر الواقع. وانضاف إلى ذلك، صراع غير المستفيدين من بعض الامتيازات ضد المستفيدين منها، ما جعل الحرب الداخلية تشتعل وسط الأحزاب بنشر قيم الحسد والنميمة، ونشر الإشاعات وتغليفها بالحقائق ووضع عراقيل كثيرة لترسيخ اللاثقة بين مكونات الحزب وقيادته وزعامته، وأطره ومناضليه، فانتشر اليأس والإحباط وأصبح كل واحد يبحث عما سيستفيد منه ماليا وسلطة ومنصبا، عوض البحث عما سيسهم في تطوير المجتمع والبلاد، ويخدم المصالح العليا للوطن. وعوض الاعتماد على الكفاءة وتقديم المقترحات والجرأة في اتخاذ القرار والتعبير عنه والترافع عنه في المؤسسات، أصبحت الأحزاب تضم عناصر تشتغل بمنطق " النفاق السياسي" للتقرب من الزعيم، لنيل منصب ما، فلجأت إلى محاربة الكفاءة، التي تغادر وقد تجرب حزبا آخر، وتعيش تقريبا المشاكل نفسها، ما جعلها تنفر من العمل السياسي. وإذا كانت النخبة المتميزة تهرب من الأحزاب وتترك الراغبين في الحصول على المناصب يتعاركون، فمعنى ذلك أن هؤلاء يهتمون أكثر بمصالحهم في الترشيح الانتخابي لتحقيق الفوز، وبعد الوصول إلى مقاعدهم "سالمين"، لا ينجزون ما وعدوا به المواطنين، وبذلك يفقد المجتمع الثقة في الأحزاب ويعتبرها مجرد مطية للحصول على الامتيازات، وتبادل المنافع والمصالح. ورفض المواطنون الانخراط في الأحزاب لأنهم يعتبرون أن " النضال" لا طائل منه ما دام لا يحقق الشعارات التي تم رفعها في خدمة مصلحة السكان، والأقاليم والمؤسسات، والمصالح العليا للوطن والمواطنين. إن الأحزاب تحتاج إلى إعادة تأهيل نفسها على طريقة تأهيل المقاولات، وتحتاج إلى الصدق في الخطاب، والشفافية في تسيير الهياكل المسيرة، والحكامة في صرف المال وإبعاد كل المفسدين، والمشتبه تورطهم في فضائح مالية وأخلاقية، لأن المفسد الذي يصرف ماله للفوز في الانتخابات سيعمل بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لإرجاع ما صرفه وربح حتى فوائد ذلك، ما يؤدي إلى توقيف بعض المشاريع التنموية في بعض مناطق المغرب على مستوى المجالس الترابية. ورغم كل هذه الصورة القاتمة التي يمكن إطلاقها على الأحزاب، فإن لديها القدرة على إعمال النقد الذاتي، وتصحيح المسار، واستقطاب الكفاءات رجالا ونساء، بعيدا عن النزول بالمظلات وهيمنة العائلات التي أضحت ظاهرة جديدة تستنسخ ما سبقها من هيمنة القبيلة، إذ رغم التحول التكنولوجي، ودراسة الأبناء في أحسن المدارس والمعاهد العليا بالمغرب وخارجه، فإنهم أعادوا إنتاج السلوك السياسي لآبائهم في ممارسة الهيمنة على المناصب، وهو سلوك تقليدي، يخالف التصور الحداثي للدولة، ما يعني تهميش باقي الكفاءات. كما أن تعيين الأسماء الحزبية نفسها في مناصب مختلفة، خاصة من الشيوخ، يعني أن الشباب لا قيمة له في العمل الحزبي، إذ يراد له أن يكون مجرد " مناضل"، لذلك كله وجب تغيير طريقة اشتغال الأحزاب وتعيين ذوي الكفاءات في المناصب العليا. أحمد الأرقام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

"سبعتون" يعتذر عن حفل لندن

الشباب والسياسة... أزمة الثقة

مقالات ذات صلة