بوابة سيدي بنور على المحيط الأطلسي تجمع فيها البحر والغابة والجبل
تتوفر الوليدية التابعة ترابيا وإداريا لإقليم سيدي بنور، على موقع سياحي تنفرد به دون غيرها، إذ تقع في مرتفع جبلي يجمع بين الجبل والغابة والبحر. وتنفرد بمميزات طبيعية تجعل منها مقصد السياح المغاربة والأجانب شتاء وصيفا. كما تتميز بمؤهلات فلاحية واقتصادية وصناعية واعدة، مؤهلة لإنشاء ميناء بحري للصيد التقليدي والاستيراد والتصدير.
إنجاز: أحمد ذو الرشاد (الوليدية)
تعتبر منطقة الوليدية إحدى أهم نقاط الجذب السياحي، نظرا لمميزاتها الطبيعية والسياحية والاقتصادية والفلاحية من جهة، ولصيتها العالمي المرتبط بتوفرها على بساتين لتربية المحار ووجودها في منطقة فلاحية (الولجة) المعروفة بإنتاجها للبواكر، من جهة ثانية.
موقع إستراتيجي
تشتهر الوليدية ببحيرتها الطبيعية ومنتوجاتها البحرية والفلاحية وموقعها الإستراتيجي، المطل على المحيط الأطلسي. وتقع بتراب إقليم سيدي بنور، اقتطعت من إقليم الجديدة سنة 2009 بمناسبة إحداث الإقليم وتبعد عنه ب73 كيلومترا، وعن الجديدة ب77 كيلومترا وعن أسفي ب66 كيلومترا. ولعبت الطريق السيار الرابطة بين الدار البيضاء وآسفي دورا إيجابيا في تقريب المسافات.
وفي تصريح سابق لعامل إقليم سيدي بنور، أكد فيه أن الوليدية، مؤهلة لسحب البساط وخطف الأنظار من العاصمة، مدينة سيدي بنور وجارتها الزمامرة، لأنها تشكل وجهة بحرية، وتعتبر بوابة الإقليم على المحيط الأطلسي. وأخذت الوليدية اسمها من الوليد بن زيدان، وهو سلطان من سلالة السعديين، الذي استوطن بها بداية القرن السابع عشر الميلادي، وما زالت أطلال قصبته التي بنيت في1634 م شامخة في المدخل الشمالي للمدينة. وترقى المركز القروي للوليدية إلى باشوية وعرفت طفرة نوعية من حيث البنيات التحتية، كما تم إحداث العديد من الوحدات الفندقية ودور الضيافة نظرا لطبيعتها السياحية، التي تستقطب الزوار والسياح من كل الأقطار.
وكان العامل نفسه بشر سكان المنطقة بأن الوليدية وموقعها الإستراتيجي، سيلعبان دورا مهما في إقلاعها الاقتصادي، فهي مؤهلة لإحداث ميناء تطل عبره على العالم الخارجي لتصدير منتوجاتها الفلاحية، منها الخضر والفواكه. وتتوفر على أراض شاسعة غير صالحة للزراعة مؤهلة لاستغلالها في إحداث وإنشاء مصانع ومعامل.
مقومات سياحية
قديما قيل إن الوليدية تحيا شهرين وتموت عشرة، في إشارة إلى الإقبال الكبير من قبل السياح والزوار خلال فترة الصيف، إذ عرفت خلال السنة الماضية انتعاشة سياحية واقتصادية مهمة، ساهمت فيها عدة عوامل، أهمها النظافة والأمن والأمان، بفضل تكاثف جهود الفاعلين السياحين والسلطة المحلية والإقليمية.
وتتوفر الوليدية على مؤسسات فندقية مصنفة وأخرى غير مصنفة معروفة بتقديم خدمات جيدة للسياح والزوار. وأكد منير بوقاع، فاعل سياحي ل “الصباح”، أن الوليدية تسير في الاتجاه الصحيح سياحيا واقتصاديا، كما تم تصنيف 6 مؤسسات فندقية تستجيب للشروط الواردة في دفتر التحملات. وأضاف أن الفترة التخييمية الحالية، تعتبر من أفضل السنوات لأن السلطات المحلية والإقليمية تساهم في تدبير الأمور التنظيمية والأمنية.
وواصل بوقاع حديثه عن القطاع السياحي التابع والمسير من قبل المديرية الجهوية للسياحة بجهة الدار البيضاء سطات، مشيرا إلى ضرورة إحداث مندوبية إقليمية بسيدي بنور، سيما أن الفاعلين السياحيين بصدد التحضير لتأسيس المركز الإقليمي للسياحة في الأسابيع القليلة المقبلة.
من جهة أخرى، أكدت المستثمرة المغربية الإنجليزية شيرين سعد، صاحبة وحدة فندقية بالوليدية، في تصريح مماثل “عرفت الوليدية هذه السنة إقبالا ملفتا للنظر من حيث الزوار والمصطافين، لعدة اعتبارات منها ارتفاع درجة الحرارة وجودة ونقاء رمال شاطئها ووفرة الأسماك والخضر الطرية، إضافة إلى الأمان الذي تساهم فيه كل الأطياف الأمنية، من درك وقوات مساعدة ومنتخبين”.
وأضافت أن خلو المدينة من وباء فيروس كورونا المستجد، ساعد على ارتياد الوليدية من قبل المغاربة من داخل المغرب وخارجه، حيث حل بها عدد كبير من السياح الأجانب من مختلف الجنسيات. وأكدت أن الوليدية عرفت توافد حوالي 30 ألف سيارة خلال نهاية كل أسبوع.
مميزات اقتصادية
تعرف الوليدية قفزة نوعية من حيث إحداث عدد من المؤسسات الفندقية، نظرا للإقبال الكبير الذي تعرفه خلال أشهر فترة الصيف، إذ تم إحداث مشروع سياحي، عبارة عن فندق سياحي يتوفر على 60 شقة، ينتظر تصنيفه من قبل المركز الجهوي للسياحة.
كما صادقت السلطات الإقليمية على إحداث حديقة مائية ومقهى – مطعم من النوع الرفيع، وتمت الموافقة على إحداث بنايات سياحية بالشارع الرئيسي مع احترام الطابع المعماري المغربي والمحلي.
وينتظر سكان المدينة والفاعلون السياحون والاقتصاديون مرور 10 سنوات على القرار المتخذ من قبل عامل إقليم سيدي بنور السابق، القاضي بمنع البناء على الواجهة البحرية، للتراجع عنه، تزامنا مع دراسة عاملية، تسير في اتجاه السماح ببناء مؤسسات فندقية وسياحية على الواجهة البحرية للرفع من مستوى الجذب السياحي.
وصرح مسؤول بالمجلس الجماعي للوليدية، أن هناك دراسة بشأن إخراج السوق الأسبوعي الذي يعقد كل يوم أربعاء بمركز الوليدية، لأن ذلك يؤثر على حركة السير والجولان تزامنا مع توافد العديد من السياح والزوار. وأكد المسؤول نفسه، أن المجلس الجماعي بصدد وضع دراسات تهم منح تسهيلات للراغبين في إحداث وحدات صناعية بمحيط الوليدية، الذي يتوفر على أراض غير صالحة للزراعة يمكن استغلالها بدل تركها هكذا.
وتعرف منطقة الولجة بالوليدية بتوفرها على ساحل رطب ومعتدل يتيح إنتاج الخضر الطرية والفواكه الموسمية، منها الطماطم والجزر والخيار والقرع بكل أنواعه والفاصوليا والباذنجان والبطيخ الأصفر والأحمر، وكانت المنطقة تعج بالتعاونيات الفلاحية المتخصصة في التصدير، قبل أن تتراجع بسبب تفشي حشرة الذبابة البيضاء.
ولتعزيز المنتوج البحري وتثمينه، أكد مسؤول تابع للمندوبية الإقليمية للصيد البحري، أنه استنادا إلى الإستراتيجية الوطنية “أليوتس” التي تخص قطاع الصيد البحري، تم اتخاذ مجموعة من التدابير تهدف بالأساس إلى استدامة الموارد البحرية، عبر خلق الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية سنة 2011، تسهر على إنتاج وتسويق المحار ببحيرة الوليدية من منطقة الصدفيات المصنفة ببحيرة الوليدية، مرورا بمحطة التصفية المعتمدة على المستوى الصحي، وصولا إلى نقطة البيع المرخصة.
المحار وأشياء أخرى
تتميز بحيرة الوليدية بوسطها البيئي الملائم لتربية الصدفيات وخاصة المحار. وتقدر المساحة المستغلة في تربية هذا النوع من الأحياء المائية بـ 400 هكتار. وتتوفر على 7 مزارع نشيطة وأربع وحدات معتمدة على المستوى الصحي لتصفية وتعبئة وتسويق الصدفيات.
ويعتبر منتوج المحار بالوليدية، قطاعا منتجا مهما، يشكل قاطرة للتنمية المحلية إلى جانب قطاع السياحة والفلاحة والصيد البحري. وتنفرد بإنتاجها للصدفيات عامة، والمحار خاصة، والذي يتميز بجودته على الصعيد الوطني والعالمي، وتزداد الطلبات عليه، خاصة بعد رفع الحظر عن جمع وتسويق الصدفيات بالمنطقتين المصنفتين لتربية الصدفيات برأس “البدوزة” التابعة لإقليم أسفي و”الدار الحمراء” ومنطقة “سيدي موسى” الواقعتين بتراب الجماعة القروية لأولاد غانم بإقليم الجديدة.
وتشير جميع التقارير والأبحاث إلى تحسن ملحوظ خلال السنوات الأخيرة في إنتاج المحار، حيث انتقل من 5 أطنان سنة 2014 إلى 50 طنا في 2019.
وتتوفر الوليدية ومنطقة سيدي موسى والدار الحمراء على بساتين لتربية المحار. وتتميز هذه النقط الثلاث بتوفرها على صدفيات أخرى، من قبيل بلح البحر واللميعة وقصب البحر. وأكد أحد العاملين بهذه البساتين، أن منتجي المحار يستوردون بيضه من فرنسا ويزرعونه في هذه الحقول لمدة شهرين، قبل أن يتم تغيير مكانه لرعايته مدة سنتين أو ثلاث. وأضاف أنه قبل عملية استهلاك المحار لا بد من تصفيته على مرحلتين، مشيرا إلى أنه يتم بعد ذلك تصنيفه وتصفيفه حسب الحجم أو ما يسمى “الكاليبر”.
وللحفاظ على هذا النوع من الأحياء البحرية التي تنفرد بها المنطقة، واستنادا إلى الالتفاتة المولوية لصاحب الجلالة، لسنة 2010، تم إنجاز مشاريع كبرى تتمثل في إحداث شبكة مياه الصرف الصحي ومحطة معالجة المياه العادمة بالوليدية وأخرى لاستيعاب مياه الأمطار القادمة من أزقة وشوارع المركز وتحويلها بعيدا عن البحيرة، إضافة إلى برمجة مشروع آخر يهتم بفتح السد المنيع للبحيرة لتحسين هيدروديناميكة المياه بها.
وأكد حمو بوكنيفي، مسؤول بالمعهد الوطني للصيد البحري، أن هناك إقبالا كبيرا على منتوج الصدفيات بالوليدية، الذي وصل خلال 2019 إلى 53.61 طنا وقدرت عائداته ب 2.144.400.00 درهم، في حين تقلص المنتوج خلال 2020 بسبب التأثيرات السلبية لفيروس كورونا المستجد إلى 30.22 طنا و1.208.800.00 درهم فقط.
وأضاف أن الإنتاج العام من الصدفيات، خاصة المحار يسوق على المستوى الوطني، ما عدا وحدة إنتاجية واحدة، تتعامل مع السوق الروسية، إذ تسوق ما بين 20 إلى 30 في المائة من إنتاجها السنوي. ويتجاوز عدد العاملين في هذا القطاع 80 عاملا وعاملة بصفة مستمرة، في حين يتم تشغيل 40 عاملا وعاملة بصفة موسمية خاصة خلال الفترة التخييمية، وتوجد بالوليدية أكثر من نقطة بيع ، وتم تعميمها على الجديدة، إذ يوجد العدد نفسه تقريبا بالطريق الرابطة بين الجديدة وسيدي بوزيد، نظرا للإقبال الكبير على هذا المنتوج.
ومعلوم أن اللجنة التقنية المكلفة بتتبع الوسط البحري والصدفيات التي تدارست نتائج التحليلات، التي أنجزها المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري وأظهرت “استقرارا للوسط وتطهيرا شاملا للصدفيات” على مستوى هاتين المنطقتين، قررت في بلاغ رفع الحظر عن منتوج الصدفيات.
وأوصى قطاع الصيد البحري المستهلكين بعدم التزود إلا بالصدفيات المعبأة، والحاملة للملصقات الصحية، التي يجري تسويقها بنقط البيع المرخصة (الأسواق الرسمية)، محذرا من أن الصدفيات التي تباع في أماكن غير مرخص لها لا تتوفر على أي ضمانات صحية، وتشكل بالتالي خطرا على الصحة العامة.
أنشطة ترفيهية وأكلات طازجة
صرحت (م.ه) فاعلة جمعوية بدورها، أن قوة الوليدية تتمثل في توفرها على جو معتدل وبحيرة جميلة جدا وبنيات الاستقبال، من إقامات سياحية مجهزة بكافة مستلزمات الاصطياف ومطاعم مصنفة وفضاءات الأطفال ومساحات خضراء، توفر لضيوفها الراحة والاستجمام، خاصة القادمين والهاربين من حرارة الصيف ولهيب الشمس الحارقة.
وأشارت إلى أن شاطئ الوليدية يمنح زواره فرصة الاستمتاع بالرياضات المائية، إذ بإمكانهم ركوب القوارب التقليدية، التي تفتح أمامهم فرصة القيام برحلات عبر المجذاف، في جنبات البحيرة واستغلال وجود الدراجات المائية.
وتوفر الوليدية خدمات لزوارها، منها تقديم أكلات طازجة ولذيذة، تجعلهم يتهافتون على اقتناء هذا المنتوج البحري، نظرا لتفرده بخصائص غذائية لا تتوفر في غيره. وتقدم لهم “كوكتيلا” من فواكه البحر، كقنفذ البحر واللميعة والقصبة وبلح البحر و”الكلامار” والأخطبوط و”الكروفيت” والسلطعون.
كما تضع أمامهم مأكولات تقدم منتصف النهار بمركزها، ومنها الشواء بالفلفل والطماطم والبصل والطاجين باللحم والبرقوق والخبز البلدي المهيأ على الجمر والشاي بالنعناع، الذي تفوح رائحته بين الدكاكين والمقاهي.