أبا زيد: لا أحد يرافع عن المنطقة والجماعة تفتقد إلى رؤية للمشاريع الكبرى لن ينبعث فينيق الحي المحمدي من رماده، ولن يرفرف سعيدا بين بناياته التاريخية، أو معالمه الخالدة، كما لن يوزع ابتسامته على السكان الذين كُتب عليهم أن يواجهوا الاستعمار بالأسلحة، وفشل المنتخبين ومدبري شؤونهم المحلية بالغضب، فسكان "كاريان سنطرال" طردوا الاحتلال من الباب، فدخل منتخبون من النافذة. إنجاز: خالد العطاوي - تصوير (عبد الحق خليفة) رفع سكان الحي المحمدي، مع إعلان نتائج الانتخابات الجماعية، شارات النصر، معتقدين بأن فوز عدد من المرشحين المنتمين إلى المنطقة سيعيد إشعاعها، وسيجعلهم ينعمون بإنجازات تزيح عنها التهميش، وسيستنشقون هواء الرفاهية، ولو نسبيا، إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، ففي أشهر قليلة كشف المجلس عن محدودية في التدبير، وأخطاء لا يقع فيها إلا المنتخبون المبتدئون. و"لأن من الخيمة خرج مايل"، فإن تشكيلة مكتب مجلس جماعة الحي المحمدي عبارة عن هجين من الأحزاب، لا تجمع بينها أيديولوجية أو برنامج تنموي أو سياسي موحد، ف"الحصان" (حزب الاتحاد الدستوري) أصبح "أسدا"، فأخضع باقي الأحزاب لسلطته، لأسباب مازالت غير مفهومة. من غرائب تشكيل المكتب أن "الحصان" الذي احتل الرتبة الثالثة في ترشيح "أولاد الحي" بفارق كبير عن صاحب الرتبة الأولى أصبح مسؤولا عن تسيير الجماعة، وفق منطق التحالفات الغريبة، ثم لاذ الجميع بالصمت، في انتظار حدوث معجزة بوجود معارضة تصلح الارتجالية في التسيير. شعر "أولاد الحي" بالحيرة، فوعود الفائزين في الانتخابات تلاشت مع توليهم المسؤولية، وسياسة "الأنشطة" سارت بذكرها الركبان، إذ تخللتها موائد الحلويات الشهية و"التذكارات" النحاسية، أما البنيات التحتية والمشاكل الكبرى، فقد ظل المجلس يتفرج بخصوصها، بدعوى أنها من اختصاص مجلس المدينة، ولم يضغط على عمدة المدينة من أجل إنصاف الحي، حتى وجدت الجماعة نفسها تتسلم منحة هزيلة، مقارنة مع باقي المقاطعات الجماعية بالبيضاء. ماذا تغير في الجماعة؟ لاشيء إطلاقا، يقول جمعوي ل"الصباح"، وهو يسرد معاناة السكان مع أبسط الحاجيات، فلولا وسائل الإعلام لظلت الجماعة غائبة عن مواجهة الصراصير و"شينيولة"، مثلا التي جعلت حياتهم تعيسة. خاب أمل سكان الحي، ففي جلساتهم يحكون بمرارة عن نكستهم من ضعف تدبير شؤون الجماعة، علما أنهم كانوا يعتقدون أن فتحا مبينا ينتظر المنطقة. مسبح أولمبي ومحلات "البوطوار" تحتضر يجهل جل سكان الحي المحمدي أن هناك مسبحا بمواصفات أولمبية افتتحه الملك محمد السادس في المنطقة، إلا أنه أصبح مهجورا بسبب مشاكل إدارية، بالمقابل لم تول المقاطعة الجماعية جهدا لحلها، بل تجاهلت الموضوع رغم أهميته والمبالغ المالية التي صرفت عليه. ويقول عبد الجليل أبا زيد، المستشار في الجماعة نفسها، إنه رافع، أكثر من مرة، عن المركب السوسيو ثقافي والرياضي جعفر البرمكي الذي يحتضن "المسبح الأولمبي" بمجلس الجماعة، وقدم حلولا للاستفادة منه، لكن دون أن يجد آذانا صاغية، مشيرا إلى أن وزارة الشباب والرياضة تستغل المركب، و"الطامة الكبرى أنه مهجور، ويوجد في حالة سيئة جدا"، بسبب التدبير السيئ للوزارة الوصية، موضحا أن إنجازه استند إلى اتفاقية أبرمها محمد ساجد، العمدة السابق ، لكن الوزارة التي كانت مشرفة عليه حدثت تغييرات كبيرة في مهامها، وأصبحت في حكم غير المشرف عليه، "ما جعلنا باعتبارنا معارضة نلح على ضرورة إعادة النظر في الاتفاقية المبرمة وإدراج المقاطعة شريكا في تسيير المركب، خاصة أنه شيد ليحتضن مسبحا أولمبيا كان سينقذ أبناء الحي المحمدي من غياب المرافق الرياضية التي تلبي طموحاتهم". وذكر أبا زيد، أن الأمر لا يتوقف عند حد "المسبح الأولمبي"، فغير بعيد عنه توجد محلات تجارية مشهورة عند البيضاويين باسم "البوطوار"، وسبق أن منحت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لأصحاب هذه المحلات مليون درهم لتزيينها، بالمقابل تتكلف الجماعة ببعض الأشغال، مثل الإنارة وإحداث حدائق، وترصيص الممرات لجذب أكبر عدد من الزبناء، وبالتالي الحصول على مداخيل مالية جديدة، ولم لا إحداث فضاء سياحي، إلا أن الأمر لم يتجاوز مرحلة الأحلام المجهضة. وتغيب عن مدبري الشأن العام بجماعة الحي المحمدي رؤية أوضح لإنقاذ المنطقة من التهميش، فالمشاريع المهيكلة الكبيرة التي من شأنها بعث الروح في منطقة الحي المحمدي، مثل تهيئة قيسارية فم الحصن وسوق السلام، وبناء قاعة الأفراح، ومحطة للقطار مازالت تنتظر الإفراج عنها، رغم أن بإمكانها ضخ مبالغ مالية كبيرة، ويتذرع المسؤولون بأن هذه المشاريع ليست رهينة بالمقاطعة وحدها، بل بشركائها الآخرين، مثل مجلس المدينة ومجلس الجهة، لتبرير عجزهم عن الدفاع عن إنجازها. ويوضح المستشار أبا زيد، أن هناك مشاريع عديدة كانت ستغير صورة الحي المحمدي بشكل كبير جدا، وتسهم في إحداث قفزة اقتصادية واجتماعية بالمنطقة، إلا أن المسؤولين يتجنبون الخوض فيها، مشيرا إلى نماذج منها، مثل الدفاع عن حلم تشييد محطة القطار، فرغم الكثافة السكانية الكبيرة بالمنطقة، إلا أن "أولاد الحي" يضطرون إلى التوجه إلى عين السبع أو الصخور السوداء من أجل الاستفادة من خدمات القطار، علما أن تشييد المحطة سيفتح مجالا لاستقبال الزائرين، ويشكل نقطة إيجابية للتعريف بتاريخ المنطقة، ناهيك عن دوره في إحداث انتعاشة اقتصادية بالمنطقة، التي تعرف وجود أحد أكبر أسواق الأثواب ب"فم الحصن". وندد المستشار نفسه بالتهميش، غير المفهوم وغير المبرر، الذي يعرفه الحي المحمدي، ويتساءل قائلا: "كيف يعقل عدوم وجود مؤسسة فندقية؟، حتى أن الزائر يسافر إلى الأحياء المجاورة للمبيت في فنادقها"، مرجعا السبب إلى عدم انفتاح الجماعة على القطاع الخاص. بشار الخير... الحصار الاقتصادي في الحي المحمدي يوجد حي يطلق عليه اسم "بشار الخير"، ربما الوحيد في المدينة الذي مازال محاصرا، علما أنه كان يفترض فتح محلات تجارية للمنازل المطلة على الشارع لإحداث رواج تجاري واستغلال محطة "الطرامواي" للمساهمة في دعم ولوج الفئات الهشة إلى الأنشطة التجارية، خاصة بالنسبة إلى الشباب. وغير بعيد عن "حي بشار" توجد قيسارية "فم الحصن"، التي تعتبر من أشهر المحلات المخصصة لبيع الأثواب، لكنها مهمشة، رغم أن ثمن محل تجاري بها يصل إلى 100 مليون، بالمقابل فإن تصميم التهيئة لم ينصفها لإضافة طوابق جديدة، وتركتها الجماعة تواجه مصيرها. الذاكرة المهمشة الحي المحمدي ليس اسم حي فقط، أو موقع جغرافي في البيضاء أو تجمع سكاني، بل هو جنة الإبداع في المغرب، وحضارة تلخص تاريخا مطبوعا بالمقاومة والثقافة بكل تلاوينها، إذ يكفي الانتماء إلى الحي المحمدي حتى تكتسب الموهبة بالفطرة، وليس في الأمر مبالغة، فالأدلة كثيرة جدا ومتعددة في كل المجالات، بدءا من الرياضة والثقافة إلى العمل السياسي. حكايات دروب مولاي الشريف والسعادة والكدية وكاسطور والحرية والفوارات، وقصص نجوم "الطاس"، بعضهم أنصفه التاريخ، وأغلبهم فضل حمل صفة جندي الخفاء لمواصلة الحياة بكل تفان... أصابها الذبول من تجاهل المسؤولين عنها، إذ كان السكان ينتظرون مجلسا يعيد الاعتبار لهم ولأمجادهم، ف"ناس الغيوان" والعربي ومحمد باطما وبوجميع ورفقائهم، والمشاهب وجيل جيلالة، مرورا بمسناوة وتكادة والسهام والعديد من المجموعات الأخرى أصبح صداها يختنق في الحي، لأنه افتقد لمن يعيد الاعتبار لها. سوق الدواجن... في انتظار زيارة العمدة أصبح ملف ترحيل سوق الجملة للدواجن لغزا، ويثير الكثير من اللغط والجدل، ففي كل مرة يتم تحديد مكان جديد لترحيل السوق، إذ قيل إن وجهته منطقة حد السوالم، وبعد ذلك إلى الخيايطة، ثم مديونة، قبل أن يحدد مجلس المدينةجماعة عين الجمعة بإقليم النواصر... لكن لا أحد يعلم وجهته الأخيرة. الغريب أن ملف ترحيل السوق كان ورقة انتخابية طالما وعد بها رئيس الجماعة، قبل أن تختفي تحت مبررات واهية وأسباب غير مفهومة، منها انتظار قرار نهائي أو ترقب زيارة العمدة! يقف سوق الجملة للدواجن شاهدا على التهميش واللامبالاة، فالسوق أصبح عنوانا لفضيحة بيئية، ومثالا عن أن صحة البيضاويين آخر ما يٌفكر فيه، رغم أن سكان الحي المحمدي اعتقدوا بأنه سيحظى بالأولوية، للتخلص من هيكل إسمنتي غريب يشوه معالم المنطقة. أبازيد: نحس بالـ "حكرة" قال عبد الجليل أبا زيد، المستشار المعارض في الجماعة، إن المكتب الجديد بعيد كل البعد عن المشاريع الكبرى، فمنذ تولي المسؤول الجديد مهامه، أصبح هدفه مواجهة الجمعيات التي لاتساير توجهاته، إضافة إلى الانتقام من بعض الموظفين غير الموالين له، في غياب أي نشاط ثقافي واجتماعي جاد يحترم تاريخ الحي المحمدي. وأوضح أبازيد أن هناك مشاكل كثيرة لابد من الكفاءة والالتزام لتجاوزها، فالملفات العالقة كثيرة، منها غياب مرافق للشباب، إذ لا يوجد إلا فضاء واحد للشباب بحي المشروع يفترض إصلاحه ليحتضن الجمعيات الجادة، بعيدا عن الانتماءات السياسية، وهناك مرأب جماعي منسي بشارع الحزام الكبير، سبق لإحدى الجمعيات أن عرضت على المجلس السابق إحداث مركز تصفية الدم مجانا لأبناء المنطقة مكانه، إضافة إلى وجود سوق نموذجي مهجور وغياب قاعة للأفراح، وغيرها من البنايات التي كان من شأن الاهتمام بها إحداث طفرة تجعل الحي المحمدي يستعيد بريقه. "هناك منتخبون في مجلس المدينة، لكن رئيس الجماعة يملك سلطة الترافع عن المنطقة، من خلال مشاركته في ما يسمى ب"ندوة رؤساء الجماعات"، كما يفترض فيه الضغط لإجبار المسؤولين على الاهتمام بالحي، وتحقيق البرنامج الانتخابي، لكن نشعر ب"الحكرة"، إذ يكفي أن عمدة المدينة زارت جل الأحياء، بما فيها القريبة من المنطقة، مثل عين السبع، لكن قدمها لم تطأ الحي إطلاقا، فالحي المحمدي لايجد من يدافع عنه، بدليل تقليص منحة مجلس المدينة السنوية، بشكل غريب". حسب المستشار نفسه.