الكاتب اللبناني قال إنه يكتب للطفل بعقل الرجل قال طارق البكري إن مفاهيم الطفولة تغيرت، كما تحدث عن صعوبات أدب الطفل وخصائص الناجح منه وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. ما سر اختيارك وتكريس مسارك المهني لكتابة أدب الطفل؟ لا يوجد أي سر، هناك محبة خاصة تجذبني إلى أدب الطفل. منذ الطفولة، وجدت نفسي متعلقا بالكتاب ولم أكن أقرأ فقط كتب الأطفال، على ندرتها، بل بدأت منذ المرحلة المتوسطة أقرأ لجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي والمتنبي، وكامل الكيلاني الذي يعد رائد أدب الطفل في العالم العربي، إضافة إلى طه حسين والمنفلوطي في زمن لم تكن فيه الوسائط التقنية الحديثة موجودة وكان الكتاب هو مصدر التسلية والمتعة الوحيد. كيف بدأت علاقتك بالكتابة في هذا المجال؟ رغم نشأتي في لبنان إلا أن الكويت كانت نقطة الانطلاق والبداية الفعلية، مطلع التسعينات، فقد لاحظت رئيسة تحرير جريدة الأنباء، وبعد أسابيع قليلة من وصولي الى الكويت، اهتمامي بالكتابة للطفل، فطلبت مني إعداد صفحة جديدة للأطفال بعنوان (ممنوع على الكبار)، وكانت عبارة عن نصف صفحة يومية وصفحتين كاملتين في صباح يوم الخميس من كل أسبوع، واستمرت التجربة الثرية نحو خمس سنوات، وخلال تلك الفترة أعددت صفحة أخرى أسبوعية للأطفال أيضاً بعنوان: (مدرستي)، تهتم بمدارس الكويت، إضافة إلى صفحة أسبوعية أخرى خاصة بأنشطة الأطفال المتنوعة. وكانت تلك الصفحات اليومية والأسبوعية المحراث الحقيقي الذي نبش أرض الطفولة العميقة في نفسي، قبل أن أنتقل إلى دمشق التي شهدت أول إصدار لي في دار الحافظ الدمشقي العريقة، لصاحبها الناشر الشهير هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين، وكان عبارة عن ثماني قصص متفرقة في مجموعة واحدة تحت عنوان (العلماء الصغار). ما هي الصعوبات المطروحة أمام الكتابة للطفل؟ الصعوبة تكمن أولا في تردد الناشرين في الاستثمار في مجال كتاب الطفل، أو في أحسن الأحوال يفرضون شروطهم ومعاييرهم على الكتّاب، لكنني عندما أكتب للطفل أشعر وكأنني أكتب لنفسي، ولا أكتب للطفل الذي يعيش بداخلي كما يردد البعض، لأني عشت كل مراحل عمري بشكل طبيعي وكتبت من خلالها للطفل بعقل الرجل وعقل الناضج. وأعتقد أننا في العالم العربي ما زلنا في البداية في مجال الطفل وأدبه وإعلامه، لجهل كثير من الناس وخاصة أصحاب السلطة والمال لأهمية هذا النوع التربوي البناء. وأعتقد أن فيلما واحدا يعد بطريقة صحيحة سليمة مؤثرة قادر على تقديم ما تعجز عنه آلاف المحاضرات والساعات التعليمية. إن ساعة تلفزيونية واحدة منتجة بعناية فائقة وبدقة بالغة وبسخاء نادر، يمكنها صناعة ما عجز عنه الكثيرون، لكن من أين تأتي هذه الساعة إذا كنا حتى الآن نستقي معظم برامجنا من الغرب، نأخذها منه جاهزة، ونعيد تقديمها لأطفالنا كما هي، سواء بلغتها الأصلية أو مترجمة أو مدبلجة، دون مراعاة أحياناً أنها صيغت أساساً لمجتمع غير مجتمعنا، ولطفل غير طفلنا. ما هي سمات قصة الطفل الناجحة في تقديرك؟ فالقصة عندي إن أعجبت كثيراً من الأطفال، ونالت ما نالت من الجوائز، تبقى قاصرة إذا لم تخرج من أحشائي. فالقصة عندي تشبهني كما يشبه الولد أباه وأمه. وكما أن الولد سر أبيه فإنَّ القصة هي أيضاً سرُّ كاتبها. وأنا لا أعوِّل كثيرا على تنامي اهتمام المتابعين العابرين بالنص الأدبي، ولا بكثرة مديحهم وثنائهم، فكم من برامج ونصوص "هامشية" تعرض على المحطات الفضائية وتلتم حولها الملايين، وكم من كتابات على الأنترنت وفي الصحف والمجلات وهي في الحقيقة لا ترقى لتكون فناً ولا أدباً. فالعبرة عندي ليست بكثرة المتابعين، بل بجودة ما أقدمه. سواء قبلته دور النشر أم لم تقبله، وسواء فاز بجائزة أم لم يفز، لأن النص الطفولي الحي لا يحيا حقيقة ويخلد إلا إذا خرج من القلب ولم يدخل إلى الجيب. وخلال دراستي لأدب الطفل في الجامعة في مراحلها المختلفة، وكذلك خلال قراءتي لكثير من كتب أدب الطفل وكتب التربية وكتب إعلام الطفل، لم أقتنع بكثير مما تورده، رغم أني علمت في الجامعة مادة أدب الطفل، فإني لم أقتنع أيضاً بكثير مما كنت أعلمه، ومنها التقسيم العمري للطفل، تربويا وتعليمياً، وما تضمنته هذه المضامين من أفكار. وأتعجب ممن يتمسك حتى اليوم بتقسيمات الطفولة ومراحلها التقليدية، ويرددها كالببغاء في كل كتاب وبحث ولقاء ومحاضرة بثقة، كمسلَّمة لا شك فيها، علما أنه مضى على هذه الآراء زمن طويل، وتغيرت مفاهيم الطفولة وأمزجتها. إنَّ فن النص الطفولي ليس بهذه البساطة التي يتوهمها البعض، فهذا الفن طريق صعب يحتاج إلى دليل، لا يسلكه بجدارة غير فنان تصحبه المهارة، قادر على فهم الشخصية الطفولية بكل جوانبها، لكي يضطلع بمهمة صياغة البنى التحتية البشرية. تربطك علاقة خاصة بالمغرب كيف ذلك؟ > فعلا زرته مرات عديدة وحظيت بتقدير خاص من قبل الأوساط التربوية والتعليمية بفضل إحدى قصصي التي وجدتها مشهورة هنا وهي (سر الحقيبة) وهي سر استدعائي لهذا البلد قبل أن أزور مجموعة من المؤسسات بتطوان وطنجة والعرائش ومراكش وبن سليمان وبن أحمد كما حظيت بتكريم خاص من قبل إحدى مجموعات التعليم الخاص بالبيضاء. في سطور < كاتب لبناني من مواليد 1966 ومقيم بالكويت. < صحافي وأكاديمي وأديب متخصص في أدب الطفل واللغة العربية والإعلام مقيم في الكويت، تولى رئاسة وإدارة تحرير عدد من المجلات. < أستاذ منتدب في كلية التربية الأساسية (أدب الطفل – قصة ورواية – قراءات وأساليب – مهارات لغوية – قافية وعروض). ومحاضر سابق في الجامعة العربية في الكويت وفي جامعة الكويت. < مؤلف أكثر من 500 قصة وكتاب للطفل، وكتب عددا كبيرا من الأبحاث والدراسات الإعلامية والقصص الخاصة بالأطفال والكبار، وترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والكردية والبلغارية. أجرى الحوار: ع. م