fbpx
ملف الصباح

زبيدة … المضطربة الأنيقة

تحافظ على “الميني جيب” وتتحدث الفرنسية بطلاقة وتستيقظ باكرا لتصرخ دون سبب

تعود ظاهرة “الحمقى” أو المختلين عقليا إلى دائرة النقاش مجددا، بعدما استأثرت باهتمام علماء النفس، والباحثين في علم الاجتماع ومختلف مكونات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل تسجيل حالات مستعصية بين هؤلاء المرضى وأسرهم.

وما زاد من استفحال الظاهرة أكثر، اكتساح العديد من المتشردين المختلين عقليا معظم شوارع المملكة، ما ترتب عن ذلك تسجيل حالات وفيات وإصابات وذعرا في صفوف المواطنين، بسبب الاعتداءات اليومية المرتكبة من قبل المختلين عقليا.

وأمام غياب مراكز صحية تؤوي هؤلاء المختلين وتحمي المواطنين وممتلكاتهم، تجد الأسر المعنية نفسها مضطرة لاحتضان فلذات أكبادها، رغم المشاكل والصعوبات، في غياب تام لجمعيات تهتم بحماية الأشخاص في وضعية هشة.

ويرى العديد من الباحثين أن الأشخاص، الذين يعانون اضطرابات عقلية يعتبرون بمثابة “يتامى” داخل أسرهم، من خلال تعرضهم للإقصاء والتهميش والتمييز المجتمعي، باستثناء حالات قليلة يقدم فيها الأبوان النموذج الأمثل لكيفية حماية وعلاج ابنهما المختل عقليا، بما أنه ضحية لمرضه ليس إلا، قبل اعتباره عنصرا خطيرا من قبل المجتمع.

وحسب هؤلاء، ممن تحدثوا إلى “الصباح”، فإن وضعية المختلين تسائل دور الوقاية وتحسيس الأسرة، من أجل مكافحة الصور النمطية، التي تحيط بالمرض النفسي والمساهمة في تغيير العقليات في المجتمع.

وإذا كانت بعض الأسر المغربية تسعى إلى التخلص من أبنائها المختلين عقليا، بداعي أنهم يشكلون خطرا عليها، ومعها باقي المواطنين، وبالتالي اعتبارهم قنابل، فإن أسرا أخرى لم تتوان قط في توفير العلاج لمرضاها، ومرافقتهم والإحسان إليهم، رغم المشاكل النفسية والصحية المترتبة عن ذلك.

هكذا تعاني أسرة مغربية تقطن فاس مع مريضتها زبيدة المختلة عقليا، رغم أن مظهرها يوحي أنها على درجة كبيرة من العلم والفطنة، كما أن أناقتها تعطي الانطباع أن ما تعانيه مجرد سحابة صيف لا غير، لكن ذلك لايعني إطلاقا أن زبيدة هادئة ومسالمة، بل عنيفة ومزعجة في أحايين كثيرة.

لم يعد أشقاء وشقيقات زبيدة يقوون على السكن معها تحت سقف واحد، خاصة أنهم تعبوا من نوباتها واضطراباتها النفسية والعقلية، التي بسببها تستيقظ في كثير من الأحيان في أوقات متأخرة من الليل، أو في الصباح الباكر لتصرخ بصوت عال، دون أدنى سبب.
كان الحل الوحيد أمام أفراد عائلة زبيدة، التي توفي والداها، إجبارها على البقاء في المنزل بمفردها، رفقة مساعدة منزلية لرعايتها.

الذي يصادف زبيدة، التي تجاوزت العقد السادس من عمرها، يكتشف أنها عادية وهادئة، خاصة أنها تهتم كثيرا بمظهرها وترتدي ملابس عصرية مثل “الميني جيب”، كما أنها غالبا ما تتحدث الفرنسية بطلاقة.

وتخفي أناقة زبيدة، التي اشتغلت لسنوات في القطاع الخاص، مشاكلها العقلية والنفسية، التي تظهر على شكل نوبات في أي لحظة، وفي أي مكان بالفضاء العام ما يثير استغراب من يراها للمرة الأولى، كما يجعل أقاربها يشعرون بخجل شديد، لأنهم يرفضون أن يتم وصفها ب”المجنونة” أو المختلة عقليا.

عيسى الكامحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.