كيف ينظر المواطنون للإدارة؟

علاقة تنافر علاقة التنافر بين المواطن المغربي والإدارة مردها في تقديري إلى تناسل عوامل تاريخية وموضوعية وشخصية تفاقمت، رغم المجهودات المبذولة من الجهات الرسمية. ولها امتداد تاريخي ذو صلة بظهور الإدارة بمفهومها الجديد والعصري، وما خلفته الإدارة الاستعمارية من نفور. ثمة أساليب نهجتها السلطات الإدارية للحماية اتسمت بالشطط، والمغاربة ورثوا إدارة بعقلية استعمارية رغم الجهود المبذولة، بهدف إخضاع الجميع لإرادة السلطات التنفيذية مركزيا ومحليا، مع ما استلزم ذلك من شطط لم يكن يخضع قبل إنشاء المحاكم الإدارية، لأي محاسبة جدية ومقبولة. لقد اختلط مفهوم الإدارة بذهنية المواطن، بمفهوم جهاز قمعي غايته إخضاعه من الناحية الأمنية وسلب أمواله من طرف الإدارة الجبائية، مع غياب الثقة في ما تروجه القنوات الإعلامية الرسمية. إن تراجع مصداقية الإعلام الحزبي ومحدودية تأثير إعلام المستقبل وتنامي الفكر الشعبوي وضعف أداء الإدارة وتضخم عدد الموظفين وقلة كفاءة بعضهم، فاقم الأمر وعمق الإحساس بعدم تكافؤ الفرص أمام مرافق خاصة، من حيث الولوج للخدمات المقدمة، رغم ما تعبر عنه الجهات الرسمية من نوايا. ولا يمكن الحديث عن تنافر العلاقة بين الإدارة والمواطن، دون ذكر العوامل الشخصية، التي عبر عنها بدقة عاهل المملكة في خطاب رسمي أكد فيه أن من بين أعطاب الإدارة وفقدان ثقة المواطن فيها لدرجة لجوء مواطنين إليه شخصيا في بعض الأحياء لقضاء مآربهم الإدارية البسيطة، هو أسمى مظاهر هذه الأزمة، أي أزمة الثقة بين المواطن والإدارة. وفي كلام العاهل المغربي بوصلة لأسباب التنافر بحديثه عن أن الأمر يعود لعقلية قديمة ما زالت للأسف تعشش في عقلية بعض الموظفين، الذين يعتبرون الإدارة مخبئا يضمن مدخولا شهريا دون محاسبة عن المردودية، فضلا عن مجموعة من النقائص، بينها غياب روح المسؤولية وقلة الكفاءة لدى بعضهم وعدم محاسبتهم عن المردودية والجودة. خالد البقالي (محام) عقليات انتهازية لماذا يكره المغاربة الإدارة؟ سؤال عند محاولة الإجابة عليه، يمكن الوقوف عند جملة من المسببات التي تفرز لنا هذه العلاقة التصادمية بين المواطن المرتفق والإدارة، ومنها تفشي مظاهر المحسوبية والزبونية بمختلف مرافق الإدارات مع تفاوت حدة هذه المظاهر السلبية بين مصلحة وأخرى أو بين إدارة وأخرى. هناك استغلال للنفوذ وانتشار للرشوة نتيجة سيادة عقليات انتهازية واستغلالية مفتقدة للقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة لدى بعض الموظفين بالعديد من الإدارات، وهذه من الأسباب التي ساهمت في تنافر العلاقة بين المواطن والإدارة. كما تغول بعض حراس الأمن الخاص بأبواب الإدارات وتجاوزهم للقانون في التعامل مع المرتفقين بتواطؤ أحيانا مع المسؤول المباشر للإدارة. هذا فقط غيض من فيض من مظاهر وأسباب غياب ثقة المرتفق في الإدارة، وعلى العموم تبقى العلاقة بينهما علاقة تنافر وتصادم رغم الشعارات والتوجيهات الرسمية ومسلسلات إصلاح الإدارة المغربية منذ سنة 1981 وإلى اليوم. ولأجل تصحيح هذه العلاقة وتجاوز الاختلالات البنيوية التي تحد من فعالية الإدارة في خدمة المواطن، لا بد من توفر إرادة سياسية حقيقية للدولة للقطع مع كل مظاهر المحسوبية والزبونية والفساد المالي والإداري من خلال التطبيق السليم للقانون وتجويده وضمان المساواة أمامه من طرف سلطة قضائية مستقلة". عبد الرحيم المرابط (حقوقي) تفادي السلطوية يطرح الحديث عن علاقة الإدارة بالمواطن، إشكالات تتمحور بالأساس حول طبيعة الخدمات المقدمة وإلى أي حد يتم تفعيل المساطر القانونية والتنظيمية والمؤسسية لتجديد أواصر الثقة بين الطرفين، في ظل الاختلالات التي لحقت دور الإدارة الأساسي في المجتمع. يحتكم دور الإدارة بمختلف مؤسساتها إلى قوانينها التنظيمية التي تتجدد بتجديد الإصلاحات في بلادنا، ويسعى مرتفقوها بدورهم إلى ضمان التزامها بالمسؤولية، والتقيد بتنزيل خدماتها وفقا لحاجياتهم ورغباتهم في إطار ما يسمى تقريب الإدارة من المواطن. وعلى هذا الأساس، فإن الإدارة مطالبة بتحسين مقتضياتها القانونية والعمل بها بشكل واضح ونزيه وتفادي السلطوية في التعامل مع المرتفقين. ولضمان ذلك، لا بد من تأطير العمل المؤسساتي برغبة متواصلة ورؤية جادة لكل متطلبات المجتمع المدني، والدفع أكثر لتحقيق الانفتاح الشامل للإدارة على مرتفقيها. المطلوب العمل على تجاوز جل الاختلالات التي تتمثل في إهمال حاجيات المواطن، من خلال نقص التجهيزات الإدارية في بعض المؤسسات وانعدامها في مؤسسات أخرى، ما يساهم في تأخير طلبات المواطنين. ومن جهة أخرى، فإن الإدارة لا تتحمل المسؤولية الكافية في تدبير الشأن العام للمواطن، إذ تنشغل بالخدمات اليومية ولا تعير اهتماما لتطوير علاقتها بمرتفقيها من خلال معالجة قضاياهم التي تخضع لإجراءات ومساطر ترتيبية، إضافة لضعف التنظيم وتخزين البيانات وسوء المعاملة والإهمال وعدم احترام أوقات العمل في بعض المؤسسات أو من طرف بعض الموظفين، وغياب الرقابة واللائحة طويلة. من هذا المنطلق، فإن الوضعية الراهنة تفرض علينا الوقوف بجدية وحزم على جل الاختلالات والتجاوزات التي تحدث داخل المؤسسات والتي تلحق أضرارا مختلفة بالمواطن، وبالتالي فإن إصلاح العلاقة القائمة بين الإدارة والمواطن محكومة بإصلاح الإدارة من الداخل وتجنيد جميع مكوناتها في خدمة المواطن والصالح العام». فاطمة الزهراء الميسي (أستاذة) الحاجة للمحاسبة من وجهة نظري، أرى أن الإدارة أحدثت لغاية خدمة المرتفقين، وليس تنفيرهم منها، وبالتالي من أحدثت من أجلهم هذه الإدارة يجب التعامل معهم وفق القيم الإنسانية وروح القانون عند الاقتضاء وليس نصه، لزيادة الثقة بين الإدارة والمرتفق تنزيلا للتوصيات التي تضمنتها الخطب الملكية. إن جلالة الملك دعا دوما لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية والتأسيس لعلاقة جديدة بين الإدارة والمرتفقين، غير أن الواقع الذي تعيشه مجموعة من الإدارات وليس كلها، حتى لا نكون عدميين، يقول عكس ما نسمعه رغم التوصيات السامية لجلالة الملك. إن هذا الأمر جعل أزمة الثقة بين المرتفق والإدارة، تستمر لعدة أسباب منها انتشار المحسوبية وغياب حسن الاستقبال وصعوبة الولوج إلى مجموعة من الإدارات مع غياب التوجيه والإصغاء، وكذا التماطل في معالجة الطلبات وتقديم الخدمات وعدم أخذ معظم الشكايات بعين الاعتبار. صراحة هناك ضعف في الخدمات التي تقدمها مجموعة من الإدارات، وغياب للتواصل، ناهيك عن السلوكات المشينة الصادرة عن بعض الموظفين المحسوبين على الإدارة في حق المرتفقين وغياب بعضهم المتكرر وتماطلهم في أداء عملهم على أحسن وجه، في غياب المحاسبة والزجر. عبد الوهاب كرمون(أستاذ) تغيير على الورق لفقدان المواطن الثقة في الإدارة المغربية، أسباب متعددة لم تحل محاولات الإصلاح تداركها ولا الشعارات المرفوعة بحلول كل حكومة، ليستمر الحال على ما هو عليه، في انتظار الحزم اللازم والقطع مع كل الاختلالات التي تشوه سمعة الإدارة، سيما ما يتعلق بسيادة بعض الممارسات اللامسؤولة. للأسف الشديد، فما يتحدث عنه من تغيير وإصلاح للإدارة، يبقى على الأوراق، وأورد مثلا على ذلك مما يقال من أن حيازة بطاقة التعريف الجديدة، تعفي حاملها من مجموعة من الوثائق بينها عقود الازدياد، والحال أن هذه الوثيقة لا تعفيك واقعيا. كما أن الاستمرار في تصحيح كل الوثائق وما قد يرافق ذلك من اكتظاظ أو تماطل من موظف أو صعوبة في تيسير الأمر، يدل على أن الإدارة المغربية ما زالت متخلفة ولم ترق لمصاف الإدارة التي يطمح إليها المواطن المغربي. وقس على ذلك سلوكات بعض الموظفين ممن قد يجهتدون لإذلال المرتفق لغاية في أنفسهم، وغالبا لدفعه لتقديم الرشوة لتيسير أداء الخدمة ولو بسيطة. الغريب وبحكم ممارستي ومعرفتي بحالات، فإن بعض الموظفين يتجاوزون القانون ويجتهدون في وضع شروط معينة غير قانونية أحيانا خاصة في ما يتعلق بتسجيل الأطفال في الحالة المدنية، فالقانون يعطي للمرأة الحق في ذلك كما للزوج، لكن بعض الموظفين يطلبون الزوج دون الزوجة. أما إن طرقنا باب مصلحة التسجيل بمديريات وزارة التجهيز، فالأمر أحيانا، أمر بسيادة سلوكات مرفوضة قانونيا وأخلاقيا، فرغم رقمنة خدماتها وأخذ المواعيد من موقع الوزارة، فإن المصلحة تعرف فوضى واكتظاظا بشكل يعطل حصول المرتفق على الوثائق المطلوبة. للأسف بمثل هذه السلوكات وغيرها، لا يمكن للإدارة ان تكون أحسن مما هي عليه من تخلف ومحسوبية وزبونية، تزيد في اختلال العلاقة بينها والمواطن وفقدان الثقة فيها، في انتظار اتخاذ تدابير أكثر حزما وصرامة وتبسيط المساطر لاسترجاع الثقة المفقودة". أمينة العابدي (رئيسة جمعية) عدم ثقة إن علاقة الإدارة بالمواطن، أضحت حقا إشكالية لدرجة تساؤله إن كانت وظيفة الإدارة خدماتية أم تحكمية، وحتى أن المثل الإنجليزي القائل "ذكر صديقك بمساوئ الإدارة، وسيوافقك الرأي حتما"، دليل على اختلال هذه العلاقة وما وصلته من تنافر وغياب الثقة. لقد أكد جلالة الملك في أكثر من خطاب، ضرورة تسهيل الأمور الإدارية على المواطن لقضاء أغراضه حتى في أبسطها، هدفا أسمى من خلق الإدارة. لكن الإدارة عوض أن تخدم مصالح المواطن، فهي تثقل كاهله بكثرة الوثائق والإجراءات التي لا ضرورة لها، ما يعمق التنافر. إن المواطن مفروض أن يعلم بما له وما عليه، لكن وظيفة الإدارة هي بناء جسر تواصل بينه وبينها، لأن الإدارة تمثل بشكل أو بآخر الدولة والسياسات العمومية وتنفذ توجهاتها العامة، ويجب أن تكون أحسن وجه عملي لنشاط الدولة، كي لا يترسخ في ذهن المواطن، أنها قوة ضاغطة لا جهة خدماتية، وهنا يحدث الاختلال بين الطرفين ويتحول دور الإدارة في سلوك بعض موظفيها، إلى "سلطوي" ويصبح المواطن متخوفا من طلب وثيقة هي حقه. لقد حان الوقت كي تضبط الإدارة علاقتها بالمواطن، فهي تبالغ أحيانا بالضغط لتظهر قوة سلطتها العامة المستمدة من الدولة، ما يزيد علاقتهما تعقيدا، دون الحديث عن الشق الخدماتي الذي يستنزف جيب المواطن لتمتيعه بحقوق في مجالات مختلفة مفروض تسهيل مساطرها. والخلاصة أنه مع وجود الفساد الإداري، ومع مرور الوقت وممارسته تحت غطاء السلطة العامة والقانون أحيانا، فإن الإدارة تسعى لتلبية غرضها الشخصي وليس غرض المواطن، وعليها أن تحسن علاقتها بالمواطن وبين موظفيها أولا، لأن الضغط على الموظف يحيل على ضغطه على المواطن. حنان الطيبي (إعلامية) استقاها: حميد الأبيض (فاس)

كيف ينظر المواطنون للإدارة؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فيلكس سيغادر أتلتيكو

"إعجاز" كلوب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات