رفيقي قال إن هناك إصرارا فقهيا على رفض اعتماد نتائج الخبرة الجينية رغم قطعية نتائجها قال الباحث عبد الوهاب رفيقي إن الفقه التقليدي ما زال يصر على رفض اعتماد فحص الخبرة الجينية لإثبات نسب الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج لأسباب واهية، رغم أن هذه التقنية العلمية أثبتت قطعية نتائجه. وأضاف الباحث في الدراسات الإسلامية أن القانون المغربي ومدونة الأحوال الشخصية ما زالا خاضعين في هذا الشق للمرجعية الفقهية التي تحول دون ولوجنا مقتضيات العصر الحديث وما تتطلبه الدولة المدنية. في ما يلي نص الحوار. أجرى الحوار: عزيز المجدوب > ما هي أبعاد وخلفيات المعارضة الفقهية لاعتماد فحص الخبرة الجينية لإثبات نسب الأطفال المولودين خارج إطار علاقة الزواج؟ > السبب في هذه المعارضة هي إشكالية غير مرتبطة بهذه القضية في حد ذاتها، وإنما مرتبطة بعدد من القضايا، ومضمونها هل نحن دولة مدنية وعصرية وحديثة، أم أننا دولة ما زالت تعيش في قوانينها تحت رحمة فقه جامد لا يراد تغييره؟ هذا هو أساس المشكلة، وهو أن نحدد أية قوانين نريد لهذا العصر الذي نعيشه اليوم، وبالتالي فالذين يدافعون عن فقه ليس لعصرنا وليس لزماننا، أي فقه أنتج لظروفه وبوسائله وبإمكانياته هم من يتشبثون بمعارضة استعمال فحص الخبرة الجينية لإثبات النسب. وهذه المعارضة مبنية على أن الأدبيات الفقهية لا تنص عليه، باعتباره وسيلة من وسائل إثبات النسب، والوسيلة المعتمدة هي ما روي في الحديث النبوي المعروف والقائل «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وإثبات الولد للفراش كان هو المتاح في ذلك الوقت ضمن وسائل أخرى بسيطة وتقليدية مثل القيافة، ولم تكن هناك خبرة جينية، ولم يكن العلم قد تطور بما يمكنه من التعرف على أبي المولود، ولذلك فالغريب في هذه المعارضة هو التشبث بأحكام تقليدية نتيجة عصرها والإمكانيات المتاحة ورفض الوسائل العصرية. > ما هي عناصر إثبات النسب في الشريعة الإسلامية؟ > الفقه الإسلامي يعتمد وسائل بسيطة مثل القيافة والتخمين ومحاولة معرفة الشبه بين الابن وأبيه، وفي حال عدم وجود هذه الوسيلة فإن الوسيلة الأشهر في هذا الفقه التقليدي هي القاعدة المشهورة "الولد للفراش"، وبالتالي فإن أي مولود في فراش الزوجية فإنه ينسب للزوجية، حتى مع وجود احتمال أن يكون حمل المرأة خارج فراش الزوجية، وهذه الوسيلة تقليدية، لأنه لم تكن هناك وسيلة أخرى يمكن اعتمادها ولم تكن هناك أي طرق تحفظ بها الأنساب إلا هذه. > من خلال بعض الحالات القضائية لقضايا إثبات النسب بالمغرب، هل يمكن القول إن القانون ما زال في صف الفقهاء؟ > أكيد أن القانون الحالي والمعتمد في مدونة الأسرة، ما زال ينتصر لهذه المفاهيم الفقهية التقليدية ولا يريد الانفتاح على الوسائل العصرية، وما وقع في قضية الطفلة "لينا" وحكم القاضي الابتدائي في طنجة وإلغاؤه من قبل محكمة الاستئناف ثم قرار محكمة النقض بأن اعتماد فحص الخبرة الجينية ليس بوسيلة إثبات شرعية، كل هذا يدل على أن المشكلة ليست في القاضي ولا في الهيأة القضائية أو محكمة النقض، وإنما في القانون بحد ذاته، الذي لا يريد إلى اليوم أن يعتمد الخبرة الجينية، رغم أن نتائجها قطعية وبإمكانها أن تحل الكثير من الإشكالات، المتعلقة بالأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج. ما هي الأبعاد الاجتماعية لرفض اعتماد آخر مستجدات الاختراعات العلمية في حل مشاكل النسب؟ > هذا الرفض تترتب عنه مجموعة إشكالات اجتماعية، ويؤدي إلى مآس، فرفض استعمال الوسائل العلمية من أجل إثبات النسب، يتسبب في ضياع حقوق كثير من الأطفال، وأيضا تحمل كثير من النساء ما لا يطقنه، فالذي يمكن أن يقع بهذا الصدد خاصة في الحالات التي يقع فيها حمل خارج إطار الزواج، أنه يمكن أن نمنع عنها الإجهاض لأنه مجرّم قانونيا، رغم الانفتاح والمرونة التي يبديها الفقه التقليدي بالنسبة إلى هذا الموضوع، ثم بعد ذلك نلزم هذه المرأة بأن تبقي على هذا الحمل وحين تضعه نجبرها على أن تتحمل لوحدها المسؤولية، ونحرم ذلك الابن أن يكون في حضن والده، كما نعفي ذلك الأب المشارك في عملية الحمل من كل مسؤولية تجاه ذلك الابن الذي هو ابن له، من أي مسؤولية معنوية أو مادية، وبالتالي فنحن برفضنا اعتماد هذه الوسائل العلمية، نساهم في عدد من المآسي الاجتماعية والضحية لهذا التشدد والتزمت الفقهي هم هؤلاء الأطفال الذين يكبرون بدون أب، مع أن المحكمة كانت قادرة على إلحاقهم بآبائهم، فضلا عما يمكن أن يعيشوه من عزلة اجتماعية ووضع غير سليم داخل المجتمع يؤدي إلى نكبات وأزمات نفسية تلحق هؤلاء الأطفال غالبا، لذلك أظن أن الوقت حان لإعادة النظر بقوة في مثل هذا القانون خصوصا وأننا نسوق لأنفسنا أننا دولة حديثة وعصرية ومدنية، ومن العيب أن لا يعتمد فيها العلم وسيلة من وسائل إثبات الحقوق. في سطور > باحث في الدراسات الإسلامية وفاعل فكري وديني. > خريج كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. > حاصل على الماستر بكلية الآداب بفاس. > حاصل على إجازة في القانون الدولي بكلية الحقوق بفاس. > رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام. > عضو مؤسس لرابطة علماء المغرب العربي.