الفقهاء والقضاة يتمسكون بقاعدة "الولد للفراش" ويتحدون تكنولوجيا علم الإثبات صدم أغلب من طالعوا حكم محكمة النقض في قضية طفلة طنجة، التي أثارت جدلا قانونيا حقيقيا قبل أشهر، حينما أيدت الحكم الاستئنافي، الذي جرد طفلة من نسب أبيها، رغم إثباته بالخبرة الجينية، بعدما أقرته المحكمة الابتدائية. ويطرح هذا الحكم أسئلة كثيرة، على القضاة والمحامين والمشرع أيضا، فإذا خاضت الحركة النسائية بالمغرب، معارك في بداية الألفية الثالثة، كللت بإدراج إمكانية اللجوء إلى الخبرة الجينية في مدونة الأسرة، من أجل إثبات نسب الأطفال، فإن هذا الحكم تغاضى عن كل هذا التراكم، وأعادنا 14 قرنا إلى الوراء، حينما استدل قرار المحكمة بنصوص دينية، تعود إلى قرون غابرة، من أجل دحض تقنية علمية وتكنولوجية في القرن العشرين. إثبات النسب في الإسلام، يطرح بدوره الكثير من الأسئلة، إذ يتضح من فلسفته، أنه يحاول أن يغطي الشمس بالغربال، وإرضاء الأطراف والحفاظ على الأسرة والجماعة، متجاهلا حقا الفرد بشكل واضح، خاصة حينما يطبق قاعدة "الولد للفراش"، التي لا تعترف بحق الفرد، في اللجوء إلى العلم من أجل التأكد من أن طفلا معينا من صلبه، إذ هناك من يضطر إلى التعايش مع هذا الجرح طيلة حياته، وبإمكانه أن يشك أن طفلا ليس ابنه، ومن حقه معرفة الحقيقة. وأما من يعتبرهم الإسلام أبناء زنا، فتلك قصة أخرى، فالواضح أن هذه القاعدة بدورها، تخلي الرجل من جميع المسؤوليات، وتحمل المرأة وحدها المسؤولية، إذ ترى القاعدة أن النسب في حال ولادة طفل خارج إطار الزواج، لا يرتبط بأي حال بالأب، إنما هو نسب ثابت شرعا للأم. ولو أقر الرجل والمرأة بأنهما ولدا طفلا خارج الزواج، ويرغبان في إدراجه في الحالة المدنية فلن يتمكنا من هذا الأمر، ولن يتمتع هذا الطفل بحقوقه كاملة، إذ تكتفي النصوص الشرعية، بـ "الطبطبة" على الطفل بالقول إنه لا يتحمل خطأ أبويه، لكنه في الواقع يتحمله بشكل واضح، خاصة أنه سيكبر في حضن أمه لوحدها دون أب، كما أنه لن يستفيد من النفقة والميراث، فقط لأنه ولد خارج إطار الزواج. والغريب في نازلة طنجة، أن الجسم القضائي نفسه، الذي أثبت البنوة للأب، ألغاها في مرحلة أخرى، متجاهلا نتائج الخبرة الجينية، ومتمسكا بنصوص فقهية، إذ أكدت المحكمة في تعليل حكمها أن "ولد الزنا يكون منقطع النسب من جهة الأب ولا يلحق به بنوة ولا نسبا"، معتبرة أن "المطالبة بالحكم بثبوت البنوة البيولوجية غير الشرعية للبنت، مع الأب مع انقطاع النسب بينهما لا موجب يبرر الحكم بها لا شرعا ولا قانونا". وفصلت المحكمة في تبريرها قائلة "العلاقة التي كانت تجمع بين طرفي النزاع هي علاقة فساد، وأن ابن الزنا لا يلحق بالفاعل ولو ثبت بيولوجيا أنه تخلق من نطفته، لأن هذه الأخيرة لا يترتب عنها أي أثر يذكر"، مضيفة أن هذه "البنت تعتبر أجنبية عن أبيها، ولا تستحق أي تعويض لأنها ناتجة عن فعل غير مشروع كانت أمها طرفا فيه"، وما يوقف العقل عن التفكير في هذا الحكم، هو ما ذنب الطفلة في حرمانها من حقوقها الاقتصادية، إذا اعتبرنا أن أمها وأباها "فاسدان"، ويجب رجمهما أو سجنهما. وأضافت المحكمة أن القواعد القانونية وقواعد الفقه المعمول به، وهي بمثابة قانون، تقر بـ"أن ولد الزنا يلحق بالمرأة لانفصاله عنها بالولادة، بغض النظر عن سبب الحمل هو وطء بعقد شرعي أو شبه أو زنا، ويكون منقطع النسب من جهة الأب ولا يلحق به بنوة ولا نسبا". وأشارت المحكمة في النهاية إلى الفصل 32 من الدستور الذي ينص على أن "الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي، هي الخلية الأساسية للمجتمع"، كما أشارت إلى المادة 148 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه "لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية". عصام الناصيري