الشهبي: الدولة حولت الطبيب إلى تاجر

طبيب العيون قال إن نعت الأطباء باللصوص كلام خطير يستوجب مساءلة رئيس الحكومة قال الدكتور محمد الشهبي، طبيب مختص في العيون، إن الطبيب في المغرب تحول إلى مستثمر وصار يعالج أعطاب المنظومة الصحية مكان الدولة. واعتبر الشهبي في حوار مع "الصباح"، أن المنظومة الضريبية في المغرب "عرجاء"، وتأسف المتحدث نفسه للاتهامات التي وجهها الكاتب العام لوزارة المالية للأطباء التي وصفهم فيها باللصوص، مشيرا إلى أن تلك الخرجة تضمنت أمورا خطيرة ويجب أن تؤدي إلى مساءلة رئيس الحكومة في البرلمان، لأنها مست جميع الأطباء، ويمكن أن تؤدي إلى نزيف استقالات وهجرة جماعية خارج الوطن. في ما يلي تفاصيل الحوار : < ما السبب في توتر العلاقة بين المواطن والطبيب ؟ < (ضاحكا) أنا من عليه طرح هذا السؤال، لأنني لم أعد أعرف السبب في الاتهام الموجه للأطباء. نرغب فقط في فهم ما هو دور الطبيب في المجتمع؟ هل دوره يكمن في الإشراف على المنظومة الصحية أم العلاج؟ عندما حصلت على دكتوراه في الطب لم توظفني الدولة، لأنها لا تتوفر على إمكانيات لذلك. أول شيء أنني أزلت عنها عبء البحث عن توفير منصب شغل لي، إذ اعتمدت على الموارد المالية الخاصة بأسرتي وتحولت إلى مستثمر، إذ صرت أبحث عن كيفية شراء الوعاء العقاري وكيفية البناء. حينها لم أعد طبيبا بل تحولت إلى مستثمر. إذا كانت الدولة تعاني خصاصا فعليها توفير عوامل تحفيز وتلجأ إلى التعاقد مع الأشخاص الذين سيوفرون العلاج للمواطنين، لكن للأسف أي شيء من هذا القبيل لا يوجد على أرض الواقع، وهكذا تحول الطبيب إلى مسؤول عن المنظومة الصحية مكان الدولة. < هل يمكن إعطاء مثال على الخلل الذي تعرفه المنظومة الصحية ببلادنا؟ < نحن بحاجة إلى أطباء، فالمغرب يتوفر على رقم أقل من المعايير المعتمدة لدى المنظمة العالمية للصحة بعشرة أضعاف، إذ يجب توفير من 3 إلى 4 أطباء لكل ألف مواطن، بينما المغرب يتوفر على صفر فاصلة خمسة، أي نصف طبيب لكل ألف مواطن، وبما أن مسؤولينا السياسيين يخجلون من التصريح بهذا الرقم فإنهم يقولون خمسة أطباء لكل عشرة آلاف مواطن، فبينما العالم بأسره يبتدئ حسابه بالألف للسكان، فإن المغاربة يلجؤون إلى حساب مغاير، حتى لا يقولوا حقيقة مفادها إن لكل ألف مواطن نصف طبيب فقط. هل يعقل أن يتم لعب مباراة كرة قدم بخمسة لاعبين ضد 11 لاعبا؟ نحن الأطباء نخوض مبارتنا اليومية بأربعة ضد 11، أولا العدد غير كاف، ثانيا نجد في المنظومة الضحية أن الدولة ليست مكلفة بصحة المواطن. كيف يُعقل أن 7000 طبيب مغربي يوجدون خارج الوطن حرصت الدولة على تكوينهم ولم تستقطبهم بتوفير عوامل تحفيزية؟ لو قامت الحكومة بتقديم تحفيزات مهمة لتوافد على المغرب أطباء أجانب وليس مغاربة فقط. < هل يمكن القول إن الطبيب يعاني بدوره غياب هذه التحفيزات؟ < أكيد يعيش معاناة كبيرة. الطبيب في المغرب يطلب من المريض القيام بفحوصات طبية أو إجراء عملية، وهو ما يحوله إلى طرف، لأنه عندما أطلب من المريض إجراء فحص بجهاز السكانير فإنني أصير بمثابة تاجر، وهنا يكمن مشكل انعدام الثقة بين المواطن والطبيب، لأنه أصبح بين المريض وطبيبه معاملة تجارية. القانون هو ما منح الطبيب الصبغة التجارية (ما يبقاوش يكذبو علينا) بالقول إن دور الطبيب اجتماعي، لأننا لا نتوفر على سجل تجاري وقانون مزاولة الطب 131.13 يقول إن الطب لا يجب أن يُزاول بأي صفة من صفات كالتجارة، لكنه يقول إنه على الطبيب أداء 38 في المائة من الضريبة، ويقول إن الضريبة لا يمكن تعويضها. عندما أقتني جهازا طبيا فإنني أصبح المستهلك النهائي له. مثلا عندما أقتني أجهزة طبية ب100 مليون سنتيم، تستخلص الدولة 20 في المائة ولتعويض الخسائر أضطر إلى تقسيم تكلفة الجهاز على المرضى، باعتبار أن ذلك الجهاز لا تتجاوز مدة صلاحيته خمس سنوات. هذه المعاناة والمشاكل لا يراها عامة الناس، لأن المريض يعرف فقط أنه أدى مبلغ مائتي درهم، وأن الطبيب لا يؤدي الضريبة، بينما يجب أن يعلم أنني إذا أديت ضرائب مرتفعة، فإنني سأزيد من ثمن الفحص والضحية هو المريض. < من خلال جوابكم هل يمكن القول إن الخلل يكمن في الدولة وليس في الطبيب أو المريض؟ < نعم الخلل ليس في الطبيب أو المريض. يمكن القول إن الطبيب لا يجب أن يتعامل مع المريض بمنطق المال والربح، بينما الطبيب يرى أن العلاج له ثمن. فرب الأسرة لكي يتناول طعامه في بيته لا بد من توفير الخضر واللحم ولوازم الطهي، وهو ما يعني أنه رغم وجوده وسط منزله، إلا أنه لن يتناول الطعام دون تقديم مقابل مادي. < ولكن هناك فئات قدرتها الشرائية ضعيفة؟ < (مقاطعا)... هل القدرة الشرائية شأن يخص الطبيب أم الحكومة والدولة، (واسير عند باعة الخضر واللحم وقوليهم اعطيوني السلعة فابور حيت ماعنديش القدرة المادية). لا يمكن تحميل الطبيب مسؤولية من المفترض أنها تخض الدولة. عملية (جلالة) كانت في السابق تُجرى بواسطة النظارات إذ كان يتم خياطتها بالخيط وكانت تسعيرتها تُحدد في 8 آلاف درهم، اليوم لكي أجري عملية (جلالة) لابد من التوفر على ميكروسكوب ب100 مليون وجهاز الذبذبات الصوتية ب100 مليون سنتيم والعدسة والمواد الأخرى ب3000 درهم، ورغم كل هذه الوسائل المُكلفة فإن تسعيرة العملية لا تتجاوز 6000 درهم. الدولة خولت للطبيب التكفل بالمنظومة الصحية، وفي الأخير تتهمه بالسرقة. الطبيب ليس لصا < على ذكر السرقة، هل صحيح أن الأطباء لا يؤدون الضرائب ويتهربون من أدائها؟ < هل لمسؤول حكومي من درجة الكاتب العام لوزارة المالية الحق في التصريح بكلام خطير عن طريق اتهام الأطباء بالسرقة؟ إذا كانت للحكومة آليات لضبط الأمور فلماذا لم يتجه هذا المسؤول لتفعيل الإجراءات القانونية لتحصيل الضرائب. عوض كيل الاتهامات المجانية للأطباء ووضعهم في سلة واحدة؟ أعتبر كلام الكاتب العام لوزارة المالية تشهيرا ومسا بكرامتي أنا الذي أؤدي واجباتي. إذا قمنا بمقارنة بيني وبينه فسنجد أنني أدفع أكثر مما يدفع. أتحداه أن يكشف عن رقم قيمة الضرائب التي يؤديها وسأقوم بالمثل كذلك بصفتي طبيبا لنعرف من هو اللص. تصريحاته أدت إلى إحداث سوء فهم بين الطبيب والمريض، فالثقة التي تعتبر جزء لا يتجزأ من العلاج أصبحت منعدمة. فالمسؤول الحكومي عندما ينظر للطبيب على اعتبار أنه لص، فإنه هزم الطبيب في العلاج ودمره والضحية هو المريض. المنظومة الضريبية عرجاء < وماذا عن الضرائب؟ < المنظومة الضريبية في هذا البلد "عرجاء"، هل الطبيب الذي يعالج المريض يجب عليه أداء الضرائب؟ لماذا تتمتع فنادق من فئة خمس نجوم وفلاح يتوفر على ألف هكتار بإعفاءات ضريبية، بينما الطبيب الذي يشتغل ليل نهار من أجل علاج المرضى يتم التحامل عليه واتهامه بالتهرب من أداء مستحقات الضرائب. نحن لا نطالب بالإعفاء الضريبي بل نتمنى فقط أن تتم معاملتنا بالمعاملة نفسها التي تحظى بها القطاعات الأخرى. نحن ندفع أكثر مما تدفعه باقي القطاعات. < ما هي هذه المعاملة؟ < على الدولة مسايرة الطبيب ومساعدته في كيفية التعامل مع الضرائب. عوض فرض قانون سيجعل الأطباء يغلقون مصحاتهم وعياداتهم ويبيعونها فقط لأنهم أصيبوا بمرض خطير ولا يتوفرون على تغطية صحية لتسديد المصاريف الباهظة للعلاج، يجب التفكير في توفير التغطية الصحية للطبيب ومسايرته وليس قذفه باتهامات خطيرة من ضمنها السرقة. إذا كانت هناك سجون في المغرب ومتهمون فهل هذا يعني أن جميع المغاربة لصوص؟ للأسف الكاتب العام لوزارة المالية وصف الأطباء بأنهم لصوص. قال إنه يتوفر على الأرقام التي تؤكد كلامه. لماذا لم يلجأ إلى تفعيل المساطر القانونية لاستخلاص تلك الضرائب، إما أنه شخص عاجز عن مواجهة أولئك المتهربين وهذا أمر خطير أو أنه تجاوز حدوده مسؤولا في دولة المؤسسات. للأسف كلام الكاتب العام لوزارة المالية يجب أن يؤدي إلى مساءلة رئيس الحكومة في البرلمان لأنه كلام فارغ ومس بجميع الأطباء ويمكن أن يؤدي إلى نزيف استقالات وهجرة جماعية خارج الوطن. إذا أصبح اليوم ينعتنا الناس باللصوص فهذا أمر خطير وستكون له تداعيات خطيرة. للأسف إصلاح المنظومة الصحية لا يمكن أن يكون بهذه الطريقة التي من بينها كيل الاتهامات المجانية، وهنا يتبين لنا أن الهدف من تلك الخرجة الإعلامية ليس الإصلاح وإنما التشهير، وهذا أمر ممنهج منذ عهد الحسين الوردي وزير الصحة السابق. < ما علاقة الوردي بما يحدث للأطباء؟ < الحسين الوردي مرر القانون 131.13 لكي يسمح للمستثمر بدخول الميدان الطبي. تم ترويج ادعاءات من قبيل أن فتح الطب أمام المستشمرين سيمكن من تغطية الخصاص في المناطق النائية وإنشاء مستشفيات في كافة القرى والمداشر لتمرير القانون كيفما شاء. بالله عليكم هل هناك مستشمر أحمق سيفكر في استثمار أمواله بإنشاء مصحة خاصة في منطقة معزولة؟ في الحقيقة مرد ذلك القانون هو أن الحكومة رأت أن هناك مجهودا وطنيا تمثل في التغطية الصحية وصندوق الضمان الاجتماعي وهو ما أدى إلى تدفق أموال مهمة سيستفيد منها الجميع الأمر الذي أدى إلى وصفنا باللصوص لإفشال هذا التقدم. لكن حينما كان الطبيب يقاسي وحده دون تغطية صحية وغيرها، لم تتدخل الحكومة. القانون ضد الأطباء والمرضى < يعني أن القانون 131.13 جاء للإجهاز على مكتسبات الأطباء والمرضى؟ < حينما كان هناك نقاش حول القانون 131.13 كنت أقول إنه لن يحل المشكل لأن العنصر البشري في المغرب هو أضعف حلقة. يمكن استثمار أموال مهمة في بناء أكبر المصحات والمستشفيات لكن أين هو الطاقم الطبي اللازم لتغطية الطلب الكبير في العلاج. هناك مصحات خاصة كبيرة أقيمت بالملايير لكن اضطر أصحابها إلى الاستعانة بأطباء من المستشفى العسكري، وهذه مسألة غير قانونية. بسبب القانون 131.13 هناك شركات تأمين دخلت على الخط وبدأت في الاستثمار في القطاع الصحي لكن بعد مرور سنة اضطرت إلى البيع لأنها لم تحقق الأرباح المرجوة. حينما وجد المسؤولون عن القانون 131.13 أنه لم يعرف النجاح الذي كان مأمولا منه ظنوا أن الذي أفشل لهم مخططاتهم هم الأطباء الذين رفضوا التعامل معهم، ليقرروا خوض نقاش جديد هو أن الأطباء لا يؤدون الضرائب وذلك لتصفية الحساب معهم. ستهجر الأجيال المقبلة شعبة الطب < إذا استمر القطاع الصحي في الاحتضار ما هي تداعيات ذلك على المنظومة الصحية بأكملها؟ < الأجيال القادمة من الأطباء ستنعدم، لأنه لن يتجرأ أحد بعد ذلك على التفكير في ولوج ميدان الطب وهو ما سيؤدي إلى الكارثة لأننا نعاني حاليا خصاصا مهولا في العنصر البشري. هل هناك شخص سوي سيفكر في دراسة الطب وامتهانه من أجل التعرض للإساءة إلى كرامته؟ اليوم بسبب اتهام الأطباء بالتهرب الضريبي اهتزت ثقة المرضى بنا وهناك من يتهمنا مباشرة بأننا نعرضه للسرقة. ثانيا من يمارس حاليا سيهاجر إلى الخارج وهو ما سيؤدي إلى مضاعفة الأزمة, فعوض معالجة الخصاص يتم اتهام الأطباء بالسرقة. بسبب هذه الاتهامات صرت أفكر في بيع مصحتي ومغادرة المغرب. "الشينوا" عطاهم الله الحملة الممهنجة ضد الأطباء المغاربة إذا كان الغرض منها إدخال الأطباء الأجانب وفسح المجال لهم للاشتغال في المغرب، فيجب معرفة أن الأطباء الأجانب غير موجودين باستثناء فئة الهنود والصينيين. وعلى ذكر الأطباء الصينيين الموجودين بالمغرب يمكن زيارتهم للوقوف على تكوينهم الضعيف ومعرفة طريقة اشتغالهم، ففي الصين يمكن للطالب أن يدرس ثلاث سنوات ليصبح طبيبا. الدخول من النافذة تم إنشاء كليات خاصة للطب للوصول إلى رقم 3300 طبيب نظرا للرقم الضعيف الذي نتوفر عليه. الطالب الذي لا يتوفق في امتحان ولوج الكليات الحكومية يجد في تلك الكليات الخاصة منفذا لدخول ميدان الطب من النافذة. وعوض إنشاء دفتر تحملات أو شرط يقضي بإرسال الفئة التي تتخرج من تلك الكليات الخاصة إلى القرى والمناطق المعزولة لفك العزلة عنها وعلاج سكانها ضمانا لحق التطبيب، فإننا نجد العكس، هؤلاء الطلبة يستفيدون من امتيازات خاصة, دون أن يقدموا أي خدمة للدولة. إنشاء هيأة عليا للصحة < هل هناك حلول قابلة للتنفيذ لإنقاذ الصحة من السكتة القلبية؟ < نعم هناك عدة حلول من بينها إنشاء هيأة عليا للصحة تضم أطباء من مختلف التخصصات وكافة المتداخلين في القطاع الصحي، لأن القطاع الصحي لا يتم سد ثقوبه "بالإسمنت". لم يعد مسموحا القيام بحلول ترقيعية لأن ذلك يدخل ضمن "التخربيق". اليوم يجب البحث عن الآليات والأهداف التي نرغب في تحقيقها على المدى القريب والمتوسط والبعيد. مشاكل الصحة لا يمكن حلها في خمس سنوات من عمر الحكومة. يجب أن نعرف مكامن الداء وماذا نريد وكيفية تحقيق ذلك. لماذا لا نعتمد في حل الخصاص في الأطقم الطبية على طريقة "طبيب زائر"؟ عوض أن يدفع الطبيب أموالا للدولة يمكن له أن يعقد شراكة مع الدولة مضمونها إنشاء مصحة خاصة في المناطق النائية واعتماد مبدأ التناوب بين الأطباء في كل يومين أو ثلاثة والاستجابة لطلبات سكان تلك المناطق عوض التفرج على معاناتهم مع منشآت صحية تفتقر إلى الأجهزة الطبية وعجز الطبيب المعتمد عن فحص مرضاه لأنه لا يتوفر على الوسائل الممكنة. نحتاج إلى إرادة سياسية لمعرفة أين سنسير. أعتقد أن مسؤولينا اليوم لا يعرفون الطريق التي سيسلكونها لكي نسير نحو إصلاح القطاع الصحي. عقد اتفاقية مع وزارة الصحة يقضي بتكفل المصحات الخاصة بتسديد أجر الأطباء التابعين لها وإنشاء الخريطة الصحية التي لا نتوفر عليها واستقدام أطباء لسد الخصاص في كافة المناطق. أجرى الحوار : محمد بها / تصوير : (عبد الحق خليفة)

الشهبي: الدولة حولت الطبيب إلى تاجر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صيـام "اللهطـة"

أموال مزورة بأسواق سيدي قاسم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات