قرصنة القنوات … مغارة علي بابا

كواليس حرب خفية بين مهندسين عالميين وقراصنة مغاربة حول أموال ضخمة حرب خفية بين مهندسين عالميين، يقضون وقتهم يوميا في صد هجمات ومحاولات القراصنة المغاربة والأجانب لفك "شفرة" أهم وأكبر المجموعات الإعلامية العالمية، أبرزها الرياضية... تصرف فيها الملايير في ظرف وجيز، من أجل تحقيق أرباح طائلة، وبرامج إلكترونية وتشفيرية عالية الجودة. ولأن انتشار هذه النوعية من الجرائم بات يتطلب صرامة أمنية إضافية، فإن الأمن الوطني واكب التطور الإلكتروني الأخير بما فيه وسائل الاتصال والأنترنت وغيرها، ليحدث لجانا خاصة برصد هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، معتمدا على فصول في القانون الجنائي المغربي. إنجاز: العقيد درغام لجأت مجموعات إعلامية كثيرة في العالم، في الفترة الأخيرة، إلى التشفير، وسيلة لجني الكثير من المال، مستغلة أرقاما قياسية لعدد متابعيها في العالم، على غرار قنوات "بي إن سبور" القطرية الرياضية، و"كانال بلوس" وغيرها. وفي الوقت الذي نجحت خطة هذه القنوات، بحكم الطلب الكبير عليها عربيا وعالميا، فتحت دون قصد الطريق لعدد من "القراصنة" المختصين في سرقة "شفرة" هاته القنوات العالمية، من أجل إعادة الترويج بشكل غير قانوني، وجني أموال مهمة من ذلك، مثلما يحدث بالمغرب لعدد منها. طريقة القرصنة ... اللغز تختلف طرق التشفير لدى أغلب المجموعات الإعلامية، على حسب الإمكانيات المالية. فهناك التي تعتمد على أسلوب تشفير عاد، يقتصر على برامج أمنية خاصة، ينتجها بعض المختصين والمهندسين، الذين يقضون أشهرا في ضبط مداخل ومخارج البرنامج، لتوقيف بث قنواتها فضائيا، والسماح فقط للمشتركين بمتابعتها، لكن هذا النوع من البرامج ولى زمانه، وبات من السهل اختراقها، كما حدث في السابق مع "كنال بلوس" الفرنسية، التي اعتبرت في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة، من بين المجموعات الأقوى أمنيا، قبل أن تسقط في شباك القراصنة. وبخصوص النوع الثاني، أو ما يصطلح عليه الجيل الجديد من البرامج الأمنية، فإن استخدامه يقتصر على المجموعات الإعلامية التي تتوفر على سيولة مالية ضخمة، على غرار مجموعة "بي إن" القطرية، التي صرفت الملايير على برنامج أمني خاص، استغرق إنتاجه سنوات، من أجل إصدار "ديكودور" خاص بها في العالم، ويتوفر على برنامج أمني سري للغاية. ويعتمد هذا البرنامج الجديد ل"بي إن"، على دقة المراقبة عبر "جي بي إس" في كل بقاع العالم، يملك القدرة على ضبط أي مخالفة أو قرصنة، عبر الأقمار الصناعية، وبطائق تشفير خاصة ومتطورة جدا، تكون داخل الجهاز الذي يقتنيه المستفيد من الاشتراك. بمعنى آخر، فإن هذا البرنامج التي تعمل به القناة القطرية، والتي باتت اليوم من أكبر المجموعات الإعلامية في العالم، يستوفي كل شروط "الأمن الأقصى"، أو ما يعرف في هذا المجال ب"التشفير عالي الجودة"، والذي يقف أمام كل محاولة للقرصنة أو سرقة المحتوى الإعلامي للقنوات، أو حتى استنساخ أجهزة مطابقة لأجهزة "بي إن". برامج التشفير ... "بحر كبير" ومن أجل تقوية مستوى التشفير لدى هاته القنوات، انتشرت في السنوات الأخيرة برامج تشفير كبيرة ومتنوعة، بعضها يعرفه المغاربة بشكل جيد، بحكم أنها تستخدم لتشفير بعض القنوات التي يتابعونها كثيرا، مثل "بي إن سبور" و"كنال بلوس" الفرنسية وسكاي" البريطانية، وهي "نظام إرديتو" و"نظام إرديتو 2" و"نظام فياكسيس" بنوعيه أيضا. ولمعرفة نظام تشفير أي قناة، يكفي البحث عن إحداثياتها لمعرفة النظام المستعمل، لكن قرصنته يتطلب ذكاء وطرقا تقنية غاية في الصعوبة والفهم، أو حتى الإنتاج. وأمام تطور أنظمة التشفير، فحتى طرق الاختراق تطورت، من خلال استخدام برامج جديدة وحديثة جدا، تعتمد على وسائل تقنية غير مسبوقة في هذا العالم، إذ لم يعد بإمكان الاعتماد على أبسط الوسائل لقرصنة قناة، بل تحتاج إلى خبرة ودراسة عميقة ووقت طويل وبرامج أمنية متعددة، وحتى دبلومات متطورة جدا في الهندسة والرياضيات وتقنيات إلكترونية، من أجل فك شيفرة هذه القنوات. بمعنى آخر، إنها حرب قوية وضارية مستمرة على مر السنين، بين مجموعات إعلامية، وقراصنة شغلهم الشاغل البحث عن فك "شفرات" القنوات الأكثر مشاهدة، للاستفادة ماليا لا غير. ومن بين المبررات التي يمنحها بعض هؤلاء القراصنة، للقيام بأعمالهم "الإجرامية"، هو أن التشفير يضر بالمشاهد العربي خاصة، إذ يمكن بعض المجموعات الإعلامية من احتكار الأحداث الرياضية الكبرى، والرفع من أثمنة الاشتراك، وهو ما يمنحها قوة مالية كبيرة، تخول لها اقتناء حقوق بث منافسات عالمية كبيرة بأرقام فلكية غير مسبوقة، كما يحدث اليوم في العالم الرياضي. وعلى سبيل المثال، فقد ارتفعت حقوق بث الدوري الإنجليزي الممتاز إلى أكثر من 7 ملايير دولار في الفترة الأخيرة، ليصبح أغلى دوري كرة قدم في العالم. وتتسابق على الفوز بحقوق بثه، مجموعات إعلامية مشفرة، جمعت أموالا طائلة من عملية التشفير وبيع منتوجاتها للمتفرجين في كل العالم، إذ بات بإمكانها اقتناء حقوق بث الدوري الإنجليزي لكرة القدم وكل الدوريات الكبرى بأوربا مثلا دون مشاكل، بحكم أنها تعلم أنها ستربح في النهاية، بما أنها سترفع من قيمة الاشتراك في قنواتها. من الخاسر ؟ في السنوات الأخيرة، وصلت الحرب بين المجموعات الإعلامية والقراصنة إلى مستوى خطير جدا، تستخدم فيه أموال قياسية، لكن السؤال الذي بات يحير الجميع، من الخاسر في هذه الحرب ؟ وفي حديث "الصباح" مع عدة متدخلين في هذا المجال، رفض أغلبهم الإفصاح عن أسمائهم، فإن الخسارة يقتسمها المشاهد الذي يحرم من متابعة منافسات كبرى فنية ورياضية وثقافية، بحكم الأثمان الباهظة جدا للاشتراك في القنوات المشفرة، ثم المجموعات الإعلامية نفسها، التي ستجد نفسها يوما ما مضطرة إلى فتح قنواتها ولو لمدة معينة، لتفادي الإفلاس، بحكم أن رفع الأثمان في كل مرة، يضيع عليها شريحة مهمة من الجماهير والمتابعين. وتبرر هذه المجموعات الإعلامية الكبرى بدورها غلاء الاشتراكات، بالارتفاع المهول في أثمان اقتناء حقوق بث المسابقات العالمية والتظاهرات الكبرى في جل المجالات، إذ باتت الجهات المسؤولة عن ذلك تطمح لجني أموال باهظة من القنوات، مستغلة الطلب الكبير عليها من قبل الجماهير في كل أنحاء العالم، بل تبرر القنوات إصرارها على نظام التشفير بغلاء الأثمان. وفي إطار الجدل القائم اليوم حول جدوى تشفير القنوات الأكثر متابعة في العالم، تفجرت فضائح في عدد من المؤسسات العالمية الرسمية، على غرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، إذ تمكن القضاء الأمريكي من كشف تعاملات مشبوهة بين الجهاز التنفيذي السابق ل"فيفا" وعدد من المسؤولين بقنوات عالمية معروفة، مقابل بيع حقوق البث بأثمنة بخسة، تخول للمجموعات الإعلامية ربح المال الكثير من خلال بيع الاشتراكات في قنواتها بأثمنة كبيرة. وأظهر نظام التشفير في السنوات الأخيرة، أنه يفتح أيضا الباب لعمليات اختلاس وصفقات مشبوهة، راح ضحيتها أخيرا مسؤولون كبار في عالم كرة القدم مثلا، بحكم أن السوق بات من أغلى الأسواق في العالم. وفي عالم كرة القدم، والقنوات الرياضية على سبيل المثال، تعالت أصوات في الفترة الأخيرة، تطالب الاتحاد الدولي "فيفا" بضرورة فرض قواعد جديدة على القنوات التي تريد الحصول على حقوق بث كأس العالم مثلا، أو بطولات كبرى أخرى مثل كأس أوربا والدوريات الأغلى في العالم، مثل الدوري الإنجليزي والإيطالي والإسباني. وتحدثت بعض الصحف الأمريكية والفرنسية أخيرا، عن إمكانية نقل مباريات كأس العالم المقبلة بالمجان، في الدول التي ستشارك في المنافسات، في الوقت الذي اقترحت بعض الاتحادات التي تجد نفسها متضررة بشكل كبير من عملية التشفير المنتشرة، بتغيير قواعد اللعبة، مما يخول للمشاهد في كل مكان بالعالم، الاستمتاع بالمباريات الهامة سنويا، عوض فرض شروط مالية تعجيزية لذلك. ورغم أن هذه الطلبات وجدت آذانا صاغية داخل "فيفا" واتحادات قارية أخرى، لكن المسؤولين فيها باتوا مطالبين أولا، بإيجاد حلول لتفادي أي خسارة محتملة جراء ذلك، بحكم أن البث التلفزيوني بات المورد المالي الأول للمؤسسات على غرار "فيفا" والاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي. وأمام ضغط الجماهير وفضائح الفساد ومأزق الموارد المالية، بات على "فيفا" الحسم قريبا في هذه المسألة، بحكم أن "الغليان" الذي يعرفه العالم ضد التشفير بات أكبر، وينذر بتغيرات جديدة في قوانين البث التلفزيوني. الغنيمة الكبرى وصلت أثمان الباقات الإعلامية المهمة عبر العالم، إلى أرقام قياسية، إذ باتت تتجاوز 5000 درهم في بعض الأحيان. ويساهم غلاء حقوق البث والتشفير والاحتكار، في رفع أثمنة القنوات المشفرة، إذ يتكبد المتفرج مصاريف كبيرة من أجل متابعة قنواته المفضلة، في الوقت الذي يضخ أموالا خرافية في ميزانيات المجموعات الإعلامية. ووصلت أرقام معاملات بعض المجموعات الإعلامية إلى أرقام فلكية، على غرار "بي إن سبور" الأكثر طلبا بالمغرب، والتي تجاوزت معاملاتها أرقام بنوك في الخليج العربي !وهو ما جعلها تقتحم أسواقا جديدة بأوربا وأمريكا وأستراليا، إلى جانب المنطقة العربية وآسيا. وبسبب هذه الأرقام المهولة، أسالت هذه القنوات ومنظوماتها الأمنية لعاب القراصنة، الذين يرون في السوق أرباحا خيالية، شريطة التمكن من فك شيفرة هذه المجموعات الإعلامية الضخمة. وحاولت "الصباح" معرفة أرقام معاملات بعض الأشخاص الذين يبيعون "شيفرات" هذه القنوات، فإن البعض يمكن أن يجني أكثر من 200 ألف درهم في الشهر، إذا عرف كيف يسوق منتوجاته المبنية أصلا على القرصنة وسرقة شيفرات المجموعات الإعلامية. ويحاول هؤلاء العمل في خفاء تام، إذ يقدمون في الوقت نفسه منتوجات أخرى عادية، مثل الهواتف المحمولة والاشتراكات في قنوات أجنبية أو تسويق منتوجات إلكترونية منتشرة، لكن الميزانية الأكبر تأتي من بيع "شفرات" قنوات خاصة عالمية، لغير المشتركين فيها، بأموال مهمة، لكنها أقل من قيمة الاشتراك "القانوني". لجان أمنية للمراقبة تطور عمل الأمن الوطني في هذا المجال، إذ باتت هناك لجان خاصة بالجرائم الإلكترونية، تتابع كل كبيرة وصغيرة بشكل يومي، للتصدي إلى مثل هذه الجرائم التي عرفت انتشارا في الفترة الأخيرة، بحكم التطور الإلكتروني وانتشار الأنترنت ووسائل الاتصال وغيرها. وتمكن الأمن في مرات عديدة من رصد جرائم من التي ذكرناها أعلاه، ليحيل أصحابها على القضاء، وذلك من أجل الحد من انتشار مثل هذه الأفعال الجرمية الخطيرة. سقوط قنوات عالمية في "الحرب" لابد من خاسر. ففي السنوات القليلة الماضية، لم تجد مجموعات إعلامية كبرى بدا غير الانسحاب من المغرب، بحكم كثرة القرصنة والتشويش الذي عانته، ولعل أبرز مثال مجموعة قنوات "كانال بلوس" الفرنسية الشهيرة، والتي سوقت منتوجاتها بالمغرب لسنوات، قبل أن تستسلم للأمر الواقع وتغادر المملكة نهائيا. ورغم قوة برامجها التشفيرية آنذاك، غير أن القناة الفرنسية قاومت وصارعت لسنوات، محاولات القرصنة، قبل أن تنهزم وتستسلم في النهاية، وتعلن نهاية الترويج لخدماتها بالمملكة، بعدما باتت قنواتها العالمية تروج في المدن المغربية بأثمنة بخسة. ورغم إعادة هيكلة المجموعة الفرنسية، بتقوية نظام تشفيرها وإضافة قنوات جديدة عالمية إلى باقاتها، لكنها رفضت العودة إلى المغرب بما عانته أثناء مدة إقامتها بسبب "حروب" وصراعات قوية مع القراصنة.

قرصنة القنوات … مغارة علي بابا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لمنور تحيي عقيقة ابن وشمة

العثور على مسدس بالحوز

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات