انحسار القيم سبب الجرائم

الباحث بلمير قال إن تراجع دور الأسرة والمدرسة والشارع والمسجد في التربية ساهم في الظاهرة قال فؤاد بلمير، الباحث في علم الاجتماع، إن ظاهرة جرائم القاصرين أصبحت تثير نوعا من القلق لدى المجتمع بمختلف هيآته. وهي ظاهرة لديها مجموعة من الأسباب التي يمكن إجمالها في انحسار القيم التي تربت عليها الأجيال السابقة والتي ساهمت فيها الأسرة والمدرسة والشارع والإعلام. وأضاف بلمير في حوار مع "الصباح"، أن الحل الفوقي المتمثل في القانون ضروري لأنه ردعي وزجري وحلوله آنية لكنه وحده ليس كافيا لاجتثاث الظاهرة، مشيرا إلى أن البعد الإستراتيجي لمعالجة الظاهرة يجب أن ينطلق من القاعدة التي هي مؤسسات التنشئة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة والمدرسة والمسجد. في ما يلي تفاصيل الحوار : > ما هي قراءتكم لظاهرة جرائم القاصرين التي صارت أخطر من الكبار؟ > أصبحت تثير القلق لدى رجال التربية والمجتمع بمختلف هيآته. وهي ظاهرة لديها مجموعة من الأسباب التي يمكن إجمالها في انحسار القيم التي تربت عليها الأجيال السابقة والتي ساهمت فيها الأسرة والمدرسة والشارع والإعلام. الناس في سنوات ما بعد الاستقلال وحتى في الثمانينات والتسعينات كانوا يحترمون مجموعة من القيم التي تجعل المجتمع المغربي يعيش في كتل متراصة. للأسف بسبب سياسة التقويم الهيكلي التي أملتها المؤسسات الدولية والتي كان الهدف منها ضرب الطبقة المتوسطة لأنها تنتج النخب الاقتصادية والسياسية والثقافية وهي الطبقة المعروفة في جميع دول العالم بدورها الكبير في الحفاظ على التوازن داخل المجتمعات انهارت تلك القيم. > هل هناك عوامل أخرى ساهمت في الظاهرة؟ > بعد استهداف الطبقة المتوسطة، لا أحد يجادل في أن المدرسة العمومية لم تعد تؤدي دورها كما يجب في التربية، ولا ننسى كذلك تسارع عملية التطور التكنولوجي بما فيها التقنيات الجديدة للاتصال والإعلام. القاصرون يلجون بشكل يومي إلى عالم الأنترنيت ويستخدمونه بشكل جيد وهذا يجعل أولياء أمورهم لا يستطيعون مواكبتهم في تفاعلهم مع هذا التطور، وهذا ما أدى بهؤلاء الأطفال إلى أن تربت فيهم ثقافة أخرى تتمثل في "الفردانية البهيمية" والتي تعني أن الفرد داخل المجتمع لم يعد يهمه الآخرون بل العكس عليه سلب الآخر والإضرار به والاعتداء عليه، دون أن يشعر بأي ذنب أو تأنيب للضمير، في حين أنه حينما كانت القيم حاضرة وكنا نعيش داخل كتلة واحدة لم تكن تسمح لنا القيم التي تربينا عليها والمترسخة في بنية المجتمع بأن نضر بالآخر وبممتلكاته. > هناك أيضا طغيان الجانب المادي؟ > كل هذه العوامل كلها تضافرت وجعلت المجتمع يمر إلى هذا التطور الذي تكرسه التقنيات الجديدة والإعلام والأفلام والسينما، أي أن النجاح المادي أصبح هو الهم الوحيد المفروض داخل المجتمع، وحينما يصبح هذا النجاح من الصعب الوصول إليه عن طريق المدرسة العمومية التي لم تعد تشكل مصعدا اجتماعيا للارتقاء، فإن الأمر يفرض البحث عن وسائل جديدة للربح السريع. وهكذا وتحت تأثير المخدرات بمختلف أنواعها وإضافة إلى الهدر المدرسي واستقالة الوالدين من التربية ومؤسسة المسجد التي لا تؤدي دورها كما يجب عن طريق خطب الجمعة التي يجب أن توجه فيها الشباب وتسن إستراتيجية لإعادة ترسيم القيم داخل المجتمع، فإن القاصرين أصبحوا لا يتوفرون على أي مناعة فكرية ولا حصانة ثقافية، وهو ما يجعلهم غير واعين بما يأتونه من أعمال خطيرة جدا، والتي قد تزج بهم في السجون لسنوات طويلة وهنا تذهب حياتهم سدى. > نلاحظ أن الآباء يدافعون عن جرائم أبنائهم القاصرين بمبررات واهية. هل ذلك محاولة للتهرب من المسؤولية، أم أن الأصل هو الآخر يعاني أزمة قيم؟ > السبب في ذلك يعود إلى أزمة القيم التي يعانيها المجتمع المغربي والتي يتفق عليها الجميع، اليوم المشكل الذي يعيشه القاصرون يمس مختلف الشرائح سواء تعلق الأمر بالتي تعيش وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة أو تلك التي تنتمي إلى الطبقة الراقية. الآباء الذين يعانون وضعية مادية مزرية تجعل أبناءهم لا يخضعون لأي رقابة، في حين أن من يتمتعون بوضع مالي مريح بمجرد توفيرهم لأبنائهم كل ما يحتاجونه، يتناسون أن طفلهم حينما يغلق عليه باب غرفته ويقوم بالإبحار في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"اليوتوب" فإنه معرض للخطر، وهو ما يعني أن هناك نوعا من الاستقالة في صفوف الآباء، إذ تغيرت مفاهيم التربية التي صارت مرتبطة بتوفير جميع الإمكانيات. هؤلاء الشباب والقاصرون لم تعد لديهم مرجعية بل أصبحت العلامات التجارية والمشاهير من الرياضة والفن، تشكل قدوتهم، أما في ما يتعلق بالفكر فإنهم لا يعرفون معناه باستثناء قلة قليلة، في حين أن الأغلبية الساحقة تكتفي بما يبثه الإعلام الذي يساهم بشكل من الأشكال في ترسيخ هذه الصورة وضرب القيم، وإبراز قيم جديدة من بينها الفردانية التي يمكن تسميتها ب"الفردانية البهيمية" التي لا تهتم بالآخرين. > هل الحل يكمن في المزاوجة بين معالجة الخلل في التنشئة الاجتماعية وإعادة النظر في العقوبات الزجرية؟ > التفكير في المقاربة الناجحة لمعالجة هذه المعضلة، والتي من بينها هل يكون الحل من فوق أو تحت؟ أخذ منا الوقت الكثير. الحل الفوقي المتمثل في القانون ضروري لأنه رادع وزجري وحلوله آنية لكنه وحده ليس كافيا لاجتثاث الظاهرة، وبالتالي البعد الإستراتيجي لمعالجة الظاهرة يجب أن ينطلق من القاعدة التي هي مؤسسات التنشئة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة والمدرسة والمسجد الذي عليه المساهمة في بناء مجتمع متماسك يتميز بالقيم والأخلاق الحسنة. كفانا اليوم من فرائض الوضوء والمسائل التي عفا عنها الزمن، اليوم الدين يجب أن يتوجه نحو إعادة بناء القيم التي توجد فيها النظافة والطهارة والتربية واحترام الآخر والتكافل والتضامن والبحث العلمي وإعمال العقل. أجرى الحوار : محمد بها في سطور > حاصل على دكتوراه في القانون العام المقارن ودكتوراه في السلك الثالث في علوم الإعلام > باحث في علم الاجتماع > أستاذ في مدارس عليا منها المعهد العالي للصحافة والإعلام بالبيضاء والمدرسة العليا للتدبير بالمحمدية > يحضر دكتوراه أخرى في سوسيولوجيا الأديان > رجل قانون متزوج وأب لولدين

انحسار القيم سبب الجرائم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرباطيون يحصلون على "ضوئهم الأخضر"

أطفال بأياد مخضبة بالدم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات