براهمة: الدولة فشلت في التحكم بالناخبين

أمين عام النهج الديمقراطي قال إن المغاربة تفاعلوا مع شعار "مَامصوْتينْش" قال مصطفى براهمة، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي اليساري الراديكالي المعارض، إن الانتخابات التشريعية الأخيرة أبانت أن نهج المقاطع أصبح هيكليا، وأن النسق السياسي المغربي يدور حول 20 في المائة من المغاربة الذين يحق لهم الاقتراع، ما يعني أن 80 في المائة تعزف عن العملية السياسية وتضع نفسها خارج النسق السياسي الرسمي. وأضاف براهمة أن حالة العزوف مستمرة، ودعوات المقاطعة باتت تلقى صدى لدى المغاربة، بفعل تشكل وعي جماعي حول شعار «مامصوتينش». < ما هو تقييمكم لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ < من واجب اليساريين أن يقدموا القراءة الصحيحة بناء على النتائج. أولا: تم تسجيل عزوف هيكلي، بل ومقاطعة لأنه من داخل العزوف هناك آراء ومواقف عن وعي. في 2007 كانت النسبة الرسمية 35 في المائة في 2011 سجلت نسبة 45 في المائة اليوم نتحدث عن 43 في المائة نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة. علما أنه بحذف الأصوات الملغاة تبقى فقط 5.3 ملايين ناخب صوتوا من أصل 25 مليون مغربي يحق لهم التصويت، ما يعني أن نسبة المشاركة الحقيقية لم تتجاوز حوالي 20 في المائة، لأن نحو 20 مليون من المغاربة قاطعوا الانتخابات، مما يؤكد صواب موقف المقاطعة، ويفقد هذه الانتخابات المشروعية الشعبية ويجعل كل المؤسسات التي ستفرزها فاقدة لشروط التمثيل الديمقراطي، ولن تكون إلا استمرارية لسابقاتها، ولسياسات معادية لحقوق ومكتسبات الجماهير الشعبية. هذه النتيجة تسائل النظام ككل، لأن النسق السياسي المغربي يدور على 20 في المائة من الناخبين، ويسائل أيضا الباحثين، بمعنى أن الحقل السياسي الرسمي (المشارك في الانتخابات) يشكل 20 في المائة، لكن الحقل السياسي المضاد (مقاطع الانتخابات) يشكل 80 في المائة. هذا الحقل السياسي المضاد، يفترض أن يكون مجال اشتغال القوى الديمقراطية واليسارية على الخصوص. < كيف تقرأ سياسيا هذه النتائج؟ < العدالة والتنمية نجح بسبب توظيفه للدين بالقدر اللازم، وأخذ مسافة صغيرة من القصر من خلال تصريحات قياداته. الجزء الذي شارك من اليسار (فدرالية اليسار الديمقراطية) وظف مقولة سبق تداولها من قبل أحزاب الحركة الوطنية، وهي استعمال البرلمان واجهة للنضال من داخل المؤسسات. والنتيجة أن الذين رفعوا هذا الشعار اندمجوا بشكل كلي في البنية السياسية للنظام المخزني وتخلوا عن النضال الديمقراطي. نعتبر أن التغييرات والمكاسب الطفيفة التي حصلت في المغرب كانت نتيجة نضالات وانتفاضات شعبية، أما البرلمان فلم يحدث تغييرا في بنية النظام. وضيفته فقط تزكية الوضع القائم وتكريسه وإعطائه الشرعية الانتخابية ليستمر. على المستوى الاجتماعي سيستمر حزب العدالة والتنمية في منهجه بالتصفية النهائية لصندوق المقاصة، والخضوع لإملاءات البنك الدولي ومع علاقته السيئة مع النقابات، سيعرف الوضع الاجتماعي توترات قوية مستقبلا. إذا ما قرأنا الانتخابات إيجابا، يتضح أن هذه اللحظة ساهمت فعلا في تجديد النخب، خاصة مع ترشيحات «البام» و»بيجيدي»؟ يجب لكل قراءة موضوعية أن تعتبر أن النخب التقليدية، نخب الحركة الوطنية ونخب الأحزاب الإدارية لم تتقدم. النخب التي حصل فيها تجديد هي نخب العدالة والتنمية و»البام»، وهي في أغلبيتها نخب جديدة لكنها نخب من داخل النسق السياسي نفسه، وتشتغل من داخل المنظومة والنسق والمنطق نفسه، وهذا لا يساعد على استمالة المقاطعين والعازفين للمشاركة في الشأن السياسي. < تجربة اليسار في الانتخابات، أبانت اندحارا منذ سنة 2002، كيف تقيمون هذا المسار التنازلي؟ < في الحقيقة الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية أسميهما قوى ديمقراطية اجتماعية وليس قوى اشتراكية، والشعارات التي سوغت بها هذه القوى المشاركة في الانتخابات هي خيار النضال الديمقراطي، وقد تخلت عنه في الطريق، وأصبحت آلات انتخابية تشتغل فقط على الانتخابات، وظفها النظام حينما كان في حاجة إليها واليوم انتهت صلاحيتها. لذلك تمثل أحزاب الحركة الوطنية اليوم 20 في المائة من أصوات الناخبين. أما اليسار الحقيقي فهو منقسم بين توجهين، الأول ارتأى التغيير من داخل المؤسسات، كواجهة للنضال الديمقراطي وهي تجربة قديمة. والثاني، يمثله النهج الديمقراطي، يرى أنه في النسق السياسي الحالي من العبث المشاركة في الانتخابات، لأنه وجب طرح السؤال حول العزوف أولا. الانتخابات لا رهان فيها ولا تغير من مصير المواطنين، هي لا تغير شيئا لأن البرنامج الذي يطبق هو برنامج الدولة، وليس برنامج الأحزاب المشاركة. لاحظ مثلا في إنجلترا أن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي من عدمه، هذا رهان كبير على الانتخابات في هذه البلاد. < ماذا ربح النهج الديمقراطي حينما قاطع الانتخابات؟ < أظن أننا نجحنا في أن نعطي لمقاطعة الانتخابات مضمونا سياسيا، فحينما خرجنا ضد التصويت في الانتخابات، ساهمنا في تشكيل وعي بالمقاطعة، يجعل العزوف لدى بعض الفئات الاجتماعية موقفا سياسيا وليس عزوفا فقط. قرار المقاطعة أكد لنا أيضا، أن العزوف أصبح ظاهرة مهيكلة للمشهد السياسي إلى حد كبير. لم نكن نحن المؤثرين الكبيرين فيه، لكننا ساهمنا إلى جانب جماعة العدل والإحسان، في التوعية بمقاطعة الانتخابات. طبعا، مورست علينا كل أشكال القمع، ومُنعنا من حملات الدعوة للمقاطعة في أكثر من 19 مدينة، وتم اعتقال مناضلين واستعمال «البلطجية» وأعوان السلطة لمنعنا من التعبير عن موقفنا، ووقعت اعتداءات كادت تودي بحياة المناضل الحسين لهناوي. لكن في مدن أخرى سُمح لنا بالتعبير عن موقف المقاطعة، وقد اشتغلنا على الأوساط المأهولة، مثل الأحياء والشوارع والأسواق الأسبوعية، وقد وقع تفاعل إيجابي مع شعار «مامصاوتينش» الذي رفعه الحزب. أكيد أن عمليات التواصل مع شرائح واسعة من مجتمعنا عرفت بحزب النهج الديمقراطي في الأوساط الاجتماعية، ومكنتنا أيضا من كسب مناضلين ومتعاطفين مع مشروع الحزب. كما أعطتنا الفرصة للوقوف على أعطاب النسق السياسي القائم. والخلاصة أنه لكي يتحرر المغرب لا بد من القضاء على الطابع المخزني للدولة، فهو العائق الأساسي. < ما هو تقديركم للمشهد السياسي في الخمس سنوات المقبلة؟ < المرحلة المقبلة تُنذر بتوترات اجتماعية كبيرة، بسبب مواصلة الحكومة الإجهاز على مكتسبات المواطنين من خلال ما تسميه الإصلاحات، التي هي في الحقيقة ليست إلا هجوما على مكاسب الشغيلة بصفة عامة والفئات الوسطى. وسيستمر نهج إملاءات المؤسسات المالية الكبرى وتنفيذ مخططاتها داخيا، وعلى المستوى السياسي سيستمر تهميش مؤسسة البرلمان. الاحتقان الاجتماعي هو رافد للاحتقان السياسي، لأن المؤسسات المغشوشة غير قادرة على القيام بدورها. فحينما لا يكون البرلمان مكانا لتلقي المشاكل وحلها والتفاعل مع انتظارات الناس وإنتاج القوانين ومحاسبة الحكومة، يبقى الشارع هو الأساس لمعاقبة ومحاسبة الذين يباشرون السلطة، أي الحكومة ومن وراءها. أيضا، نسجل أن المخزن لم تبق له القدرة على ضبط اللعبة السياسية، لكنه لا يقبل بالأحزاب الكبيرة، وهو يلجأ إلى تقسيمها للتحكم فيها. اليوم نرى أن العملية لم تعد سهلة، بمعنى أنه يوجد نضج في الحقل السياسي ولد وعيا مغربيا قطع مع الخوف من آلة الدولة بفضل حركة 20 فبراير. نعتقد أن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات. الاحتقان وعدم الإدماج السياسي، ينذران بعزلة النظام الذي يدور على 20 في المائة من الأصوات، وهي مؤشرات تعني الأسوأ. ملاحظات حول الانتخابات الدولة لم تعد قادرة على التحكم بما فيه الكفاية في نتائج الانتخابات، بدليل أن المخزن عمل ما استطاع حتى يكون الأصالة والمعاصرة في المقدمة، ولو بفارق بسيط حتى لا يغضب العدالة والتنمية. لكن التركيز على حزبين أعطى ثنائية مصطنعة لا تعكس واقع الحقل السياسي في المغرب. من منظور النهج الديمقراطي الحزبان وجهان لعملة واحدة، والتنافس بينهما على من يخدم المخزن أكثر. لقد وقع دفع الناس لتشتيت الأصوات في مواجهة العدالة والتنمية، وتشتيت مكاتب التصويت في دوائر تعرف حضورا قويا للحزب، والضغط على رموز حزبية للمشاركة في لوائح «البام». نلاحظ أيضا أن 12 حزبا من أصل 34 حزبا قائما، حصلت على مقاعد برلمانية، ما يعكس تمركز الحقل السياسي في كوكبة حزبية معينة. الملاحظ أيضا اندحار أحزاب الحركة الوطنية، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، بحصولها فقط على 20 في المائة من الأصوات شأنها شأن أحزاب الإدارة الممثلة في البرلمان اليوم، بمعنى أن الانتخابات ساوت بين أحزاب الإدارة وأحزاب الحركة الوطنية. الملاحظة الأخيرة هي ضمور القوى الديمقراطية، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية. "بيجيدي" ومسؤولية النظام العدالة والتنمية كانوا أذكياء حينما روجوا أنهم لا يحكمون. والناس تفاعلوا مع هذا «التَّمسْكن» لأنهم يعرفون مسبقا أن الذي يحكم هو النظام. وبذلك ضمن العدالة والتنمية أن يتملص من الحصيلة، فلم يحاسب المواطنون هذا الحزب على الحصيلة باعتبار أنه لا يحكم. إذن بعض الأمور التي كانت في الماضي تعد في مصلحة النظام لم تعد اليوم كذلك، ولعل «بيجيدي» استغل هذا اللبس في علاقة الحكم بالملك ليدعي بأنه لا يحكم، فيقول رئيس الحكومة إنه فقط يدبر ويعاون وليس له السلط الكاملة. إن هذا يعكس أزمة عميقة داخل النظام السياسي. لا بد من إعادة هيكلة جوهرية بإشراك نخب جديدة، نخب وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا لن يتحقق إلا بتغيير دستوري حقيقي يقوم على محاسبة المسؤولين على القرار. أجرى الحوار: إحسان الحافظي

براهمة: الدولة فشلت في التحكم بالناخبين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عودة "الميكا" تربك السلطات

430 مليون درهم لإنقاذ "الولجة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات