أحكام ناقصة في ملفات الفساد المالي والإداري

الدولة لا تسترجع الأموال المنهوبة لغياب الخبرات غالبا ما تصدر المحاكم، التي تنظر في قضايا الاختلاسات التي تلحق مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخاصة، أحكاما في الدعاوى المدنية التابعة بإجراء خبرة حسابية للوقوف على حجم الأموال المبددة في تلك الملفات، إلا أنها تبقى حبرا على ورق، ولا يتم تفعيلها، فجل ملفات الفساد المالي والإداري التي كانت معروضة على محكمة العدل الخاصة، قبل حلها وإسناد الاختصاص في النظر فيها إلى غرفة الجنايات الابتدائية بالبيضاء، صدرت فيها أحكام أمرت بالمقابل بإجراء خبرة محاسباتية، لتحديد حجم الأموال المبددة في ملفات كبرى إلا أنها لم تفعل، رغم أن قرار المحكمة كان واضحا وحدد المدة الزمنية التي يجب على هؤلاء الخبراء المحاسبيين إنجاز عملهم فيها. لا يعرف السبب الكامن وراء هذا التأخير، هل راجع إلى طول المساطر المتبعة، أم إلى الاستهتار بالأحكام القضائية وبحجيتها التي تتطلب الاحترام والتقدير، أم إلى شيء آخر؟ كما أن السكوت الذي يتعامل معه القضاء بالنسبة إلى هؤلاء الذين يسند إليهم إجراء، لا يفهم سببه، وهل ليست هناك إجراءات يمكن اتخاذها في حقهم في حال المماطلة أو عدم التنفيذ؟ إن مثل هذا التساهل واللامبالاة أو بالأحرى الهراء، الذي يتعامل به مع الأحكام والقرارات القضائية، خاصة من أناس مسؤولين، يعهد لهم التثبت في قضايا تهم الشأن العام للبلاد، لا يوجد له تفسير طبيعي على اعتبار أن المصلحة العليا للبلاد فوق كل شيء، وأن الأموال التي تم تبديدها تخص الدولة وكان حريا على هؤلاء أن يقوموا بكل جهدهم لاسترجاعها، من يد المتورطين في عمليات التبديد، بل كان حريا على القضاء أن يعمل في الوقت الذي يشرع في مناقشة قضية من هذا النوع، بالمقابل على إصدار قرارات موازية، لإجراء الخبرة وقت مناقشة القضية، بدل الانتظار إلى حين صدور الحكم في الدعوى العمومية، وتضمينه قرار إجراء خبرة، لأن التجربة أبانت أن مثل هذه الأحكام لا تؤخذ على محمل الجد، وتمر السنون دون تفعيلها كما هو الحال في ملف الفساد المالي والإداري لمشروع أولاد زيان، أو يصطلح عليه بملف السليماني ومن معه، صدر فيه حكم ابتدائي واستئنافي، ولحد الساعة لم يتم البت في الدعوى المدنية التابعة وتحديد حجم الأموال المبددة، لتعسر إجراء الخبرة لمرتين متتاليتين، والشيء نفسه بالنسبة إلى ملف القرض العقاري والسياحي، وغيره من الملفات، مما يعطي الانطباع لدى العموم أن مثل هذه الأحكام هي مجرد أحكام صورية ليست لديها أي حجية، وربما مناسباتية، سرعان ما ترمى في سلة المهملات، شأنها شأن العديد من الأحكام، خاصة تلك التي يتحجج بشأنها بصعوبة التنفيذ.منذ الحكم الابتدائي الذي أصدرته غرفة الجنايات الابتدائية بالبيضاء، في ملف مشروع أولاد زيان الفوارات، أو ما يصطلح عليه بملف السليماني ومن معه، قررت هيأة المحكمة إرجاء البت في المطالب المدنية، إلى حين إجراء الخبرة التقنية، التي عهد بإنجازها إلى ثلاثة خبراء وحددت المدة الزمنية التي يجب أن يلتزموا بها، لإجراء الخبرة.وفي فبراير 2007، أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بالبيضاء، حكمها في الملف نفسه، وأيدت قرار الغرفة الابتدائية في ما يخص المطالب المدنية، وإجراء الخبرة التي لم يكن الخبراء قد شرعوا في تنفيذها بعد، وعزا هؤلاء التعثر في إجراء الخبرة إلى عدم تمكينهم من الحصول على الوثائق، التي رفضت بعض المؤسسات منحهم إياها بدعوى عدم إمكانية إفشاء السر المهني، الشيء الذي عقد المهمة المنوطة بهم.وفي 30 يناير 2008، قدم الخبراء الثلاثة، تقرير الخبرة الذي لم يتطرق لكل النقاط المتعلقة بتحديد الكلفة الحقيقية الإجمالية لمشروع أولاد زيان والفوارات، وتحديد القيمة المالية للأضرار اللاحقة بميزانية الجماعة، والمتعلقة بالمشروع المذكور مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الديون والتجاوزات المالية.استغرقت الخبرة الأولى زهاء سنتين لإنجازها، وتم رفضها، ثم أعاد الخبراء العملية للرفض مرة ثانية، بسبب انعدام الشق المتعلق بشركة قانير. ولم تحدد بصفة نهائية حجم الأموال المبددة في أكبر ملف من ملفات الفساد المالي والإداري التي عرفتها العاصمة الاقتصادية، ويجهل لحد الساعة الإجراء القانوني الذي ستعتمده المحكمة بشأن ذلك، وهل ستستمر سلسلة الرفض هذه أم ماذا؟ أما ملف القرض العقاري والسياحي، فإن الخبرة التي أمرت بها المحكمة لا يعرف مصيرها منذ صدور الحكم الاستئنافي، في الملف بعد أن أمرت هيأة المحكمة بإرجاع الملف إلى الدرجة الأولى للبت في الخبرة الحسابية. وعيرها من الملفات التي لاقت المصير نفسه. لتبقى أموال الدولة في خبر كان، ويطرح السؤال ما الفائدة من هذه المحاكمات إذا لم تحقق الغاية منها في الردع واسترجاع الأموال المنهوبة. كريمة مصلي

أحكام ناقصة في ملفات الفساد المالي والإداري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جدل قانوني حول المجلس الأعلى للحسابات والمتابعات القانونية

الهاربون من العدالة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات