الباحث في التاريخ قال إن القوى السياسية تجاوزت تناقضاتها لتحقيق الاستقلال قال الدكتور والباحث نور الدين فردي إن تقديم وثيقة 11 يناير 1944، يعد حدثا مفصليا في تاريخ المغرب المعاصر، وأضاف فردي أن له أهمية كبرى لما يحمله من تأسيس لمفاهيم جديدة وممارسات سياسية تحكمت في مسار المغرب أثناء فترة الحماية وبعد الاستقلال. واعتبر الأستاذ الباحث في التاريخ المعاصر أن الحدث تجسيد لإيمان المغاربة بقضيتهم والصمود من أجل تحقيق الاستقلال، كما تحدث فردي عن جوانب أخرى تتعلق بالظروف التاريخية التي ساهمت في انبثاق الحدث،تفاصيل أخرى تجدونها في الحوار التالي: أجرى الحوار: عزيز المجدوب يتجدد سنويا استحضار ذكرى تقديم وثيقة 11 يناير.. ما هي الدروس والعبر التي تحملها هذه الذكرى؟ حدث المطالبة بالاستقلال أو ما يعرف اليوم بوثيقة 11 يناير، من بين أقدم الذكريات في تاريخ المغرب الراهن التي يتم الاحتفال بها سنويا، على اعتبار أنه حدث مفصلي في تاريخ المغرب، ورغم أن الاحتفال به وتخصيص يوم عطلة رسمية للوقوف عند ذلك، لم يتم إلا في السنوات الأخيرة من ثمانينات القرن العشرين، إلا أن الحدث له أهمية كبرى لما يحمله من تأسيس لمفاهيم جديدة وممارسات سياسية تحكمت في مسار المغرب أثناء فترة الحماية وبعد الاستقلال. ويمكن إجمال العبر والدروس المستخلصة من هذا الحدث في إيمان المغاربة بقضيتهم، والصمود في المواجهة من أجل تحقيق الاستقلال، والرغبة في بناء دولة جديدة عصرية، وإجماع القوى السياسية في تلك الفترة على تجاوز التناقضات الثانوية لتحقيق المطلب الأساسي المتمثل في الاستقلال. ما هو السياق التاريخي العام الذي أفرز هذه الوثيقة؟ وماذا تمثل في سياق المبادرات التحررية في تاريخ المغرب؟ الحدث جاء في إطار سياق تاريخي وطني ودولي عرف تحولات كبرى، فعلى المستوى المحلي قدمت الوثيقة بعد عشر سنوات فقط على تأسيس كتلة العمل الوطني، وعلى بعد ثماني سنوات على تقديم مطالب الإصلاحات التي واجهتها إدارة الحماية بالرفض، وتزامنا مع ذلك عملت سلطات الحماية على حجز الصحف واعتقال ونفي الزعماء السياسيين، وواجهت المظاهرات السلمية بالعنف كما حصل بالنسبة لمظاهرة بوفكران في 1937، وساعدت هذه الأوضاع على إفراز نخبة وطنية متمكنة من فهم إستراتيجية المحتل وقادرة على إحداث مبادرة المواجهة. وعلى المستوى الدولي ساهمت الحرب العالمية الثانية في زعزعة صورة فرنسا التي أصبحت محتلة من قبل ألمانيا، كما شجع الميثاق الأطلســـــــي في 1941 على تنامي الوعي بالاستقلال لدى الشعوب التي كانت بها حركات تحررية، وأحدث الإنزال العسكري الأمريكي بالمغرب خلال 1942 تحولات عملت الحركة الوطنية على الاستفادة منها لنشر الوعي لدى فئات واسعة من المجتمع. كما عقد بالمغرب مؤتمر أنفا سنة 1943 والذي حظي باستقبال السلطان محمد بن يوسف، ضيف شرف من قادة الحلفاء، وهذا ما جعل البعض يلمح بان هناك إشارات لدعم المغرب من أجل تقرير مصيره، خصوصا أنه لم يكن مستعمرا بل محميا، ومن خلال ما سبق يلاحظ ان الفترة السابقة لتقديم مطلب الاستقلال تضمنت تحولات، ساهمت في الإسراع بتقديم مطلب الانفصال عن الدولة الحامية، التي عملت على خدمة مصالحها بالدرجة الأولى وتهميش كل مطالب الإصلاحات . إلى أي حد ساهمت الوثيقة في قيادة فعل المقاومة نحو مسار آخر؟ حدث 11 يناير كما سبقت الإشارة الى ذلك حدث مفصلي في تاريخ المغرب، فالنقاش حول الإصلاحات انتهى وبدأ النقاش حول الاستقلال، وهذا ما يتضح في المضمون، فالمطلب هو الاستقلال والوحدة التامة لجميع مناطق المغرب تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد، وتكوين نظام ديموقراطي شبيه بالأنظمة التي اتبعتها مختلف الحكومات الإسلامية، وأن يلتمس من جلالته السعي لدى الدول التي يهمها الأمر للاعتراف بهذا الاستقلال. وعملت الحركة الوطنية على تقديم الوثيقة إلى ممثلي الدول الكبرى بتنسيق تام مع السلطان، وبذلك بدأت وتيرة التوتر في التصاعد، وبمجرد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد فترة هدنة قصيرة جدا عادت فرنسا لسياسة القمع والمنع والاعتقال، ومع تفعيل مضامين وثيقة 11 يناير وعزم السلطان على السفر إلى طنجة لإلقاء خطابه الشهير في 1947 افتعلت سلطات الحماية أحداثا للتأثير على الزيارة بالبيضاء وقامت بمذبحة بدرب الكبير خلال 1947. وبموازاة ذلك وبعد تقديم مطلب الاستقلال صعدت الحركة الوطنية وتيرة التأطير داخل المجتمع المغربي على مختلف المستويات، حيث انتشرت المدارس الحرة وتعددت الفرق المسرحية وتأسست العديد من الفرق الرياضية ... وهذا ما أبرز أن الحركة الوطنية أصبحت لها استراتيجية قوية لمواجهة إدارة الحماية، حيث انتشر الوعي بالقضية الوطنية وأصبح المغاربة مستعدين لمواجهة آلة الخوف التي زرعها الاستعمار، ومع تعنت الحكام برزت حركة المقاومة المسلحة مع ظهور الحركة الفدائية وجيش التحرير . هناك من يرى أن الوثيقة كانت سببا لميلاد حزب الاستقلال وتعاظم نفوذه.. ما تعليقكم؟ من الصعب في التاريخ أن نحكم خارج السياق التاريخي للحدث ، ففي فترة تقديم مطلب الاستقلال لا يمكن أن نتحدث عن هيمنة حزب الاستقلال، أولا لأنه حزب ظهر بتزامن مع وثيقة 11 يناير فهو حزب جديد، ثانيا خلال هذه المرحلة التفكير كان منصبا على المطالبة بالاستقلال وهو الهاجس الأساسي. أما في ما يخص ميلاد حزب الاستقلال فهو مرتبط بتحولات داخل كتلة العمل الوطني والمرحلة التي تلت الصراع الداخلي في 1937، أما الوثيقة فكانت بعد تأسيس الحزب بمدة قصيرة . أما في ما يخص الهيمنة فهذا شيء يمكن الحديث عنه بعد الاستقلال وهذا موضوع آخر. موقف السلطان ما هو موقع السلطان وموقفه من الوثيقة في سياق علاقته بالحركة الوطنية؟ موقف السلطان واضح فوثيقة 11 يناير كانت تحت إشراف السلطان، الأمر نفسه بالنسبة إلى وثيقة 13 يناير، وبذلك يظهر أن السلطان كان ضمانة للإجماع الوطني، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن العلاقة بين السلطان وسلطات الحماية كان يشوبها توتر خصوصا بعد أن توطدت العلاقة بينه وبين الحركة الوطنية منذ بداية الثلاثينات، وعمل السلطان على عقد اجتماع وزاري ضم أعيان ورجال المخزن حيث أخبرهم بالبيان الذي قدم له والمتمثل في وثيقة المطالبة بالاستقلال وأبدى الجميع موافقته، لكن البعض من القياد والباشوات مع عرض البيان أمام سلطات الحماية اتخذوا مواقف مناصرة لفرنسا، وهذا ما جعل العلاقة بينهم وبين السلطان تتوتر بشكل أكبر . وثائق موازية هناك من يتحدث عن وثائق أخرى سبقتها أو كانت بالموازاة معها.. ما هي نسبة صحة هذا الأمر؟ في الحقيقة من خلال البحث يمكن الوقوف على ثلاث وثائق ركزت على مطلب الاستقلال، لكن ما يهمنا هو المطلب في حد ذاته والإجماع حوله، من حيث التسلسل الزمني، الوثيقة الأولى هي وثيقة الشمال وهي عبارة عن مذكرة حررت من قبل جبهة أحزاب الشمال ممثلة في الحزب الوطني بزعامة عبد الخالق الطريس، وحزب الوحدة المغربية بزعامة المكي الناصري مؤرخة ب 14 فبراير 1943، لكن هذه الوثيقة لم تحظ بالأهمية الكبرى، حيث أنها قدمت بالمنطقة الخليفية، ونعلم أن المعني بالحماية هي فرنسا، إضافة لذلك فإن زعماء الأحزاب بالمنطقة الفرنسية لم يثيروا النقاش حولها. الوثيقة الثانية هي الأشهر وهي وثيقة 11 يناير التي كان وراءها حزب الاستقلال الذي تأسس بتزامن مع الإعلان عن هذا البيان، ورغم أن بعض العناصر المستقلة وقعت على الوثيقة، إلا أن العناصر التي كانت وراء ذلك هي المنتمية لحزب الاستقلال. الوثيقة الثالثة هي وثيقة 13 يناير التي قدمها حزب الشورى والاستقلال أي بعد يومين فقط من تقديم بيان 11 يناير. ورغم بعض النقاشات التي أثيرت حول تضارب الرؤى في تقديم مطلب الاستقلال، إلا أن الأساسي هو الالتفاف حول مطلب الاستقلال وهذا ما أربك حسابات إدارة الحماية . في سطور < أستاذ باحث في التاريخ المعاصر. < عضو مكتب جمعية البحث وملتقى الذاكرة والتاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق. < عضو منتسب لمختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك. < عضو هيأة تحرير مجلة "أمل". < له العديد من الإصدارات منها كتاب "الدار البيضاء.. التحولات الإدارية والاقتصادية والعمرانية بين منتصف القرن التاسع عشر بداية الحماية"، والترجمة العربية لكتاب "الدار البيضاء والشاوية" للبعثة العلمية الفرنسية (في جزأين).