المحامي بهيأة الرباط قال إن رئيس الحكومة لم يسهل أي إجراءات ولم يمنح أي امتيازات في صفقة تحلية المياه قال محمد الهيني، المحامي بهيأة الرباط والقاضي السابق، إن العقاب الذي أقره المشرع على حالات تنازع المصالح يعود إلى رغبة المشرع الدستوري، أولا في زجر المخالفات ذات الصلة بالموضوع وأيضا الوقاية منها بغرض تكريس شفافية العمل الإداري ونزاهته واستقلاليته، وعدم استغلال المرفق العام والقرارات الإدارية في تحقيق مصالح خاصة. واعتبر في حوار مع "الصباح" أن هناك حاجة ملحة للوسائل الدستورية والقانونية، أولا، للوقاية من الانحرافات بالنسبة إلى جميع المسؤولين العموميين، ثم زجرها. وفي ما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي أثير، أخيرا، نقاش حول مفهوم تنازع المصالح، في نظركم ما هو أساسه الدستوري وما المصلحة المراد حمايتها؟ يعرف تنازع المصالح بأنه كل وضع أو نشاط يؤدي إلى تعارض بين الواجبات العامة للمسؤول العمومي ومصالحه الشخصية والمهنية، مما يؤثر على حياديته في اتخاذ القرارات، وبالتالي فهو كل حالة تكون فيها للموظف العام أو للمسؤول العمومي مصلحة مادية أو معنوية تتعارض أو يحتمل أن تتعارض مع ما تقتضيه وظيفته من نزاهة واستقلال وحياد وحفاظ على المال العام، سواء كانت تلك المصلحة تهمه شخصيا، أو تهم أحد أفراد أسرته أو أصدقائه المقربين أو خصومه أو أحد الأشخاص الذين يرتبط بهم. ويعتبر دستور 2011 أول دستور مغربي كرس مبدأ عدم تعارض أو تضارب المصالح، إذ نص الفصل 36 منه على أنه "يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيآت العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية...". وما هي مسببات هذا العقاب؟ يرجع السبب في العقاب على حالات تنازع المصالح إلى رغبة المشرع الدستوري، أولا في زجر المخالفات ذات الصلة بالموضوع وأيضا الوقاية منها بغرض تكريس شفافية العمل الإداري ونزاهته واستقلاليته وعدم استغلال المرفق العام والقرارات الإدارية في تحقيق مصالح خاصة لا تمت بصلة للمصلحة العامة، سواء إضرارا بالمال العام أو بالحياة الإدارية أو بحرية المنافسة وتترتب عنه استفادة غير مشروعة، مع ما يستتبعها من تحصيل غير مشروع لمنافع مادية أو معنوية للمسؤول العمومي أو أقربائه أو أصدقائه، ويشمل أيضا الإضرار بالخصوم والتأثير على مصالحهم بأي وجه من الوجوه. إذن كيف نظم المشرع تنازع المصالح بالنسبة إلى الوزراء؟ بالنسبة إلى الوزراء، فبالإضافة الى الحماية الدستورية من تضارب مصالحهم وتأثيرها على المصلحة العامة، نظم القانون التنظيمي رقم 065.13، المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها في مادته 33 أشكال الوقاية من هذه الانحرافات، بنصه على أنه "يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا طيلة مدة مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة، الهادفة إلى الحصول على ربح، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة". وهكذا فالمشرع التنظيمي يعتبر أن تضارب المصالح ينتج عن مزاولة الأنشطة التجارية أو المهنية بصفة فعلية وكذا تدبيرها وتسييرها بصفة شخصية وهذا هو المحظور، حيث إن المسؤول الحكومي مطلوب منه التخلي عن مزاولة المهام والتسيير، أما استمرار ملكية المشروعات بعد نيل المنصب العمومي، فلا علاقة له بتضارب المصالح، لأن حق الملكية حق دستوري والمشرع الدستوري والقانون التنظيمي لا يمكنهما خلع أملاك الناس ولا أملاك المسؤولين لتسييرهم الشأن العام، كما أنه لا يمكن تفويت الأملاك شرطا للتدبير العمومي لأن المشرع لم يشترط ذلك، لأن المشاريع تكون ذات طابع موضوعي وليس شخصيا. إذن هناك إمكانية للوقاية منها؟ نعم، إذ أنه في الإطار نفسه، يمنع على المسؤول العمومي أن يوقع أو يمكن بصفة شخصية مقاولته، من صفقات أو مشاريع يشرف عليها، لكن يمكن للمقاولة التي يملكها بصفة كلية أو جزئية أن تشارك في جميع المشاريع والصفقات العمومية، التي لا صلة له بتوقيعها أو تمكينها حتى لا تتضرر المقاولة من ممارسات تمييزية أو تعسفية، وتبعا لذلك لا يمكن التأسيس لحظر ومنع عام حتى لا يحرم المسؤول العمومي من حقوقه الدستورية باعتباره مواطنا. من خلال ما ذكرتم هل يعني ذلك أن رئيس الحكومة لم يقع في تضارب المصالح بشأن صفقة تحلية المياه التي أثارت نقاشا واسعا؟ شخصيا وبشكل موضوعي، أعتبر أن رئيس الحكومة لم يقع في هذه المخالفة، لأنه التزم بجوهر الدستور والقانون، لأنه قبل تقلده لمسؤوليته رئيسا للحكومة لم يعد يسير أو يدبر أيا من مشاريعه، كما أنه توقف عن مزاولة أنشطته التجارية والمهنية، وهذا منتهى الالتزام المهني، وبخصوص صفقة تحلية مياه البحر فلا علاقة لرئيس الحكومة بتوقيعها أو بتمكينها، لأنها خضعت لمساطر خاصة وفازت المجموعة المعنية بكل شفافية ولم يسجل أي تشك أو تظلم في الموضوع، من قبل الشركات المنافسة، وبالتالي فلم يسهل رئيس الحكومة للمقاولة أي إجراءات ولم يمنحها أي امتيازات ولم يوقع على أي إجراء أو مسطرة بخصوص الصفقة. يمكن مقاضاة المسؤولين العموميين في نظركم ما هي الوسائل الدستورية والقانونية لمواجهة تضارب المصالح لتجنب التسييس؟ ما أحوجنا إلى الوسائل الدستورية والقانونية أولا للوقاية من الانحرافات، بالنسبة إلى جميع المسؤولين العموميين ثم زجرها، وبالنسبة للفاعل السياسي، فقد مكن الدستور البرلمان من وسائل مراقبة العمل الحكومي، حيث يمكن طرح الأسئلة الشفوية والكتابية وتشكيل لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية، كما يمكن سحب الثقة من الحكومة. وأيضا يمكن مقاضاة المسؤولين العموميين، مدنيا وإداريا وجنائيا وتأديبيا، عن هذه المخالفات في إطار دولة الحق والقانون، لتخليق الحياة العامة وتحقيق المصلحة العامة وحماية المنافسة وصيانة الشفافية. في سطور < محام بهيأة الرباط < دكتور في الحقوق < خبير دولي في قضايا العدالة وحقوق الإنسان < مستشار وقاض سابق