رئيس منظمة "حاتم" قال إن حصيلة تفعيل القانون هزيلة قال محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير"حاتم"، إن تعديل القانون المؤطر للحق في الحصول على المعلومات والضامن لممارسته يشكل واحدا من أبرز المطالب المرفوعة من قبل الهيآت الحقوقية المعنية بمحاربة الفساد والمنظمات المهتمة بحريات التعبير والإعلام. وأوضح العوني في حوار مع "الصباح"، أنه بعد أزيد من خمس سنوات على دخول القانون حيز التنفيذ، تأكدت الاختلالات البنيوية، التي توقع أنها ستؤثر سلبا على ترسيخ هذا الحق. كما برزت أعطاب أخرى تعيق تفعيل القانون، ما يستدعي اليوم مراجعته بشكل شامل وجذري. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: (برحو بوزياني/تصوير عبد المجيد بزيوات) خلدتم أخيرا اليوم الدولي للانتفاع بالمعلومات، هل يمكن أن نعرف أين وصل المغرب في مجال تفعيل القانون المؤطر للحق في الحصول على المعلومات؟ باستثناء إحياء يوم 28 شتنبر من قبل منظمة "حاتم"، وأحد المنتديات، لم يتوقف أحد عند مغزى اليوم، وما يفرضه من تأمل، سيما من قبل مؤسسات الدولة وقطاعات الحكومة، في مستقبل قضية الحق في الانتفاع من المعلومات، وما يفرضه بالخصوص من تقييم للأعمال والبرامج، التي تستلزمها القضية. لقد اكتفت لجنة الحق في الحصول على المعلومات بإصدار بلاغ أكد حالة جمودها. وللأسف، نسجل هزالة في حصيلة تفعيل الحق في الحصول على المعلومات، بل وتراجعات غير مقبولة ومعارضة لاتجاه التطور. إن من يحتكر المعلومات في المغرب، هو في الغالب من يسيطر على السلطة، فالمعلومة هنا سلطة فعلية، وهذا يفسر شراسة حجب المعلومات من قبل اللوبيات، وبالتالي حجم معارضة ورش الانتقال إلى منظومة الحق في الحصول على المعلومات. وسبق لمنظمة "حاتم" أن وقفت عند انتقادات حتى لمقاولين في هذا الباب، إذ يشكون "المناخ غير السليم للأعمال"، وعلى الدارسين والباحثين إيلاء قضية المعلومات ومنظومتها، ما يستحق لفهم الكثير من تناقضات المغرب غير المستوعبة، ومنها وجود هجرة للعقول وللأيدي العاملة، وأيضا هجرة لكفاءات من المفترض أن تعيش في البلاد. لكن المغرب متقدم في هذا المجال مقارنة بدول أخرى... إن مقارنة المغرب مع بلدان صغيرة، في الغالب، ليست في صالحنا، إذ تتقدم علينا وتتوجه للجمع بين مجتمع المعرفة واقتصاد التضامن، وإدارة النجاعة والكفاءة، بما فيها حد أدنى من المؤسسات السياسية قليلة الكلفة، سعيا لتحقيق مبدأ "من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجياته". إن المشكل يكمن أيضا في بعض النخب الجمعوية، التي تسعى للاستيلاء على مجهودات الكفاءات دون اشتغال، وفي غياب الحد الأدنى من الاجتهاد والترافع من أجل هذا الحق المتمفصل، مع عدة حقوق وحريات والمؤسس لحقوق أخرى. أحيت منظمة حريات الإعلام والتعبير اليوم العالمي بعقد مائدة مستديرة حول "الحق في الحصول على المعلومات... الحال والمآل؟" ما هي أبرز خلاصات وتوصيات المائدة؟ تداولت في مسار ومستجدات قضية الحق في الحصول على المعلومات، التي تشكل عقدة لدى أغلب المسؤولين والمؤسسات، وتناولت خبيرات وخبراء ونشطاء مدنيون عبر مداخلات وتعقيبات حق المعلومات وقضايا العدالة وملفات الفساد المالي، والفعل المدني الديمقراطي، بين إكراهات التطوع والقيود والحق في المعلومات وقضايا التربية والصحة والعدالة المناخية. ومن خلاصات الندوة، التأكيد على ضرورة مراجعة جذرية وحقيقية للقانون وملاءمة كافة القوانين مع هذا الحق الدستوري، كما طالبت الندوة بتبني سياسات قابلة للتطبيق بشأن المنظومة، التي تندرج ضمنها قضية الحق في الحصول على المعلومات، والانتفاع بها، وهي منظومة الشفافية ومحاربة الفساد والديمقراطية والتشاركية، وبناء الانتقال الديمقراطي. أعلنت الحكومة، أخيرا، إستراتيجية جديدة للرقمنة، هل سيكون لذلك تأثير على مجال تداول المعلومات؟ التأثير الإيجابي لن يقع، إن استمرت الاختلالات، التي عرفتها "إستراتيجيات" مماثلة باءت بالفشل الذريع، فمثلا خطة "المغرب الرقمي" بين 2009 و2013، لم تصل في نتائجها، حتى لـ 10 في المائة من المخطط له، وقس عليها حصيلة الخطتين، خلال فترتي ما بين 2013 و2021. إن العبرة بالمنجز، وليس بالخطط والشعارات، ما يؤكد أن المغرب يحتاج إلى بلورة إرادة سياسية واضحة لدى الدولة والقطاعات الحكومية المعنية مباشرة بتفعيل قوانين وثقافة نشر المعلومات في مختلف المجالات. لنأخذ مثلا "بوابة " شفافية، وهي موقع بسيط لا يحمل من محتوى البوابة إلا الاسم، أهم ما فيه صفحته الأولى، التي تقدم عدد طلبات المعلومات الموجهة عبره إلى الجهات المعنية، دون نشر لهذه الطلبات ولا للأجوبة عنها، ما يضيع جهود وأوقات المواطنين مع الطلبات ذاتها. ورغم مرور سنوات على بداية عمل هذا الموقع، الذي يراد منه رقمنة الحصول على المعلومات، فإن متوسط مدة الإجابات، التي لا ينشر لا محتواها ولا مستواها، يتجاوز 35 يوما. شرعت لجنة الحق في الحصول على المعلومات مع رئاسة الحكومة، في النظر في تعديل "قانون الحق في الحصول على المعلومات". ما الذي يحتاجه التعديل في قانون دخل حيز التنفيذ في 2019؟ أكدت في برنامج مثير للجدل في مواجهة تلفزيونية مع وزير الإدارة والوظيفة العمومية، بصفتي رئيسا للمنظمة ومنسقا للشبكة المغربية للحق في الحصول على المعلومات "ريمدي"، في مارس 2018، بعد المصادقة على قانون الحق في الحصول على المعلومات، بأنه أصبح علينا الترافع على جبهتين، من أجل تفعيل الحق في الحصول على المعلومات، ثقافة وممارسة، وتحفيز مطالبة المواطنين بالمعلومات، وكذا من أجل مراجعة القانون، لأنه لا يحترم المعايير الدولية في هذا الباب. كما أنه لا يترجم سواء في بنائه أو في مضمونه، الفصل 27 من الدستور، وباقي الفصول ذات الصلة، التي نصت بإلحاح على الشفافية والديمقراطية التشاركية وحرية الإعلام، وغيرها من المفاهيم الناظمة المرتبطة بشكل وثيق مع حق الحصول على المعلومات. فخلال فترة تزيد عن 6 سنوات على صدوره، وأزيد من 5 سنوات على دخوله حيز التنفيذ، تأكدت الاختلالات البنيوية، التي توقعنا أنها ستؤثر سلبا على ترسيخ هذا الحق. كما برزت أعطاب أخرى تعيق تفعيل القانون، ما يستدعي اليوم مراجعته بشكل شامل وجذري، بما يواكب تطورات المجتمع وحاجيات المواطنين، وتزايد تحديات السيادة الوطنية في مختلف جوانبها. إشاعة ثقافة نشر المعلومة في الإدارات شارك المغرب بداية الأسبوع في مؤتمر لليونيسكو لمناسبة اليوم الدولي للانتفاع بالمعلومات بغانا. ما هي التوصيات التي حملها المؤتمر؟ فعلا، التأم المؤتمر العالمي يومي 1 و2 أكتوبر الماضي حول "تعميم الوصول إلى المعلومات والمشاركة في القطاع العام"، وبهدف تعزيز الحصول على المعلومات، في إطار خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وساهمت الكثير من البلدان في المؤتمر بفاعلين جمعويين وصحافيين للاستفادة منه، أما المغرب، فقد شارك باسمه رئيس لجنة الحق في المعلومات. والأهم في هذا المؤتمر تبني إعلان أكرا تحت عنوان" تسخير قوة البيانات من أجل التغيير الإيجابي والالتزام بالحصول على المعلومات". كما تم التأكيد خلاله على أدوار الجهات الفاعلة غير الحكومية في ضمان اتساق السياسات، من أجل تنفيذ الوصول إلى المعلومات في القطاعين العام والخاص. وتم تقديم نماذج ممارسات فضلى لإدماج الحق في المعلومات في أنظمة وانشغالات المنظمات المدنية والسلطات العمومية. ومن موقعنا فاعلين مدنيين، ندعو إلى إشاعة ثقافة نشر المعلومة في الإدارات العمومية، وعيا بأهمية "التربية والتوعية ودعم فعاليات المجتمع المدني"، مع تنمية ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطوير إمكانيات تطبيق شراكة الحكومة المفتوحة، التي انضم إليها المغرب، دون أن يطبق ما توصي به من مقتضيات مهمة. اختلالات في القانون يمكن إحصاء العديد من عناصر الاختلال في القانون، التي سبق ووقفت عندها مذكرات وتقارير وبيانات منظمة "حاتم" وكذا الشبكة والدراسات، التي أجريت حوله وحول المشاريع التي قدمت بشأنه. ومن بين ما ينبغي إضافته أو تغييره، تضمينه ديباجة تؤطر الغايات منه والفلسفة والمنظومة اللتين يندرج ضمنهما، وإلغاء الاستثناءات الكثيرة والمبالغ في مجالاتها، وتسهيل عمليات ومساطر طلب المعلومات وتقليص آجالها، وإلغاء أي متابعة إزاء طالبها، مقابل فرض الجزاءات والعقاب على حاجبي المعلومات. كما يجب توسيع صلاحيات لجنة الحق في الحصول على المعلومات، وفصلها عن لجنة المعطيات ذات الطابع الشخصي، ودمقرطة تشكيلها وتوسيع تمثيلية المجتمع المدني بمعناه الكامل، وضمان استقلاليتها وإمكانيات عملها، والارتقاء بها إلى هيأة وطنية في أفق دسترتها، مع التأكيد على حصر السر المهني، فيما يرتبط بالأمن والدفاع الوطني، وإلزامية النشر الاستباقي للمعلومات، ومعاقبة عدم القيام بذلك، والنص على ملاءمة باقي القوانين والأنظمة مع قانون المعلومات، وتمكين الهيآت من طلب المعلومات. جيل ثالث لحقوق الإنسان ما علاقة مطلب تفعيل آليات الحق في الحصول على المعلومات بمتطلبات الانتقال الديمقراطي؟ هذا السؤال يتيح لي توضيح أمور تحتاج لانتباه خاص من قبل المتتبع، لفهم أهمية التركيز على الحق في الحصول على المعلومات أحد أسس بناء وتطوير الديمقراطية. إن القضية مركبة ومرتبطة بالمستقبل أحيانا، أكثر من ارتباطها بالمسار التاريخي الذي نعيشه. لقد تم تبني الأنظمة الديمقراطية بالعالم، سيما بالبلدان الغربية في إطار صراعات بين مكونات كل مجتمع وبين طبقاته، عقب بروز البورجوازيات الوطنية والبورجوازيات الصغرى، وتطور حركات وتنظيمات الطبقات الكادحة. ومع بداية تطور الرأسمالية، بدأ التراجع عن الأسس الديمقراطية وأسوأ ما وقع، هو توقف تطوير الأنظمة الديمقراطية، حتى لا تسود العلاقات الديمقراطية بين الدول، والاكتفاء بها "داخل" الدول أو بعض الدول. وكانت منظمة الأمم المتحدة، إحدى نتائج هذا الوضع المتفق حول بعض أسسه، المستمد من تناقض طموح البشر إلى تحسين العلاقات بينهم، وتغول الرأسمال المنتقل حاليا إلى مرحلة التوحش، وما أفرزه من حروب اقتصادية وعسكرية ومن تقسيم للعالم. اليوم، هناك نضال متجدد في العالم للانتقال بـ"الأنظمة" الديمقراطية داخل البلدان الغربية إلى مستوى آخر وصيغ جديدة، سيما عن طريق معالجة أعطاب المؤسسات السياسية والديمقراطية عبر تعزيزها بآليات الديمقراطية التشاركية. وفي هذا السياق، يندرج تبني حقوق إنسانية جديدة، في إطار ما سمي الجيل الثالث لحقوق الإنسان، مثل الحق في الحصول على المعلومات. وفي المغرب، مازال المشروع الديمقراطي بين "مسلسل وسلاسل"، فالمغرب لم يتجه بعد نحو الانتقال الديمقراطي بكافة مكوناته وتوافقاته ومنهجيته وآلياته ومؤسساته وانتخاباته. والحال يفرض ملاءمة الأهداف مع المراحل، وعدم الخلط بين الصغير منها والكبير، القريب والبعيد المدى، وخلق التوازن بين الحقوقي والاجتماعي والسياسي، واعتماد الواقعية والمراكمة والتدرج والتراكم، إنما دون أوهام. في سطور < أستاذ باحث في الإعلام والتواصل. < صحافي وكاتب. < رئيس منظمة حريات الاعلام والتعبير "حاتم". < عضو مسؤول بالشبكة المغربية للنهوض بالإعلام السمعي البصري. < قيادي بالائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان. < عضو مجلس أمناء شبكة المساءلة الاجتماعية بالعالم العربي. < عضو مؤسس للشبكة العربية للحق في الحصول على المعلومة. < فاعل سياسي في الحزب الاشتراكي الموحد.