الاقتصادي بوطيبة أكد أن هيمنة العائلات على الاقتصاد أحدثت ظاهرة "الشناقة" عزا الخبير الاقتصادي، علي بوطيبة، الغلاء الذي تشهده العديد من المواد الأساسية والمنتوجات الفلاحية، إلى نجاح الوسطاء أو "الشناقة" في السيطرة على كل سلاسل الإنتاج، بعد أن استعانت بهم عائلات كبرى تحتكر أنشطة تجارية أو فلاحية ليكونوا حلقة وصل بينها وتجار الجملة والمستهلك، مضيفا أن المغرب يشهد مفارقة غريبة تتناقض مع منطق السوق وهو وفرة الإنتاج وغلاء الأسعار، وعزا السبب إلى ظهور أسواق جديدة بإفريقيا بعد أن كان التصدير محصورا على الأسواق الأوربية، فصار هناك خصاص في الأسواق الوطنية. أجرى الحوار: مصطفى لطفي هل ظهور الوسطاء و"الشناقة" مرتبط بحقبة تاريخية معينة؟ كان المغرب قبل الحماية الفرنسية، يعتمد على التآلف بين الطبقات الاجتماعية، إذ رغم أن العائلات الكبيرة تشرف على الأنشطة الاقتصادية المهمة، سواء في الفلاحة أو التجارة والصيد، كانت علاقتها بالسلطان والباشوات والقياد مبنية على الود والتقدير والمساهمة في التضامن في المدن بين جميع الطبقات الاجتماعية، إذ ليست هناك فوارق فاحشة في توزيع الثروة، إذ ساهم فيها انتشار الاقتصاد المعيشي، فكانت جميع السلع والمنتوجات في متناول الجميع وبأسعار معقولة. إلا أنه بدخول الاستعمار الفرنسي، وللقضاء على النفوذ الاقتصادي لهذه العائلات، سيما من رفضت التواطؤ معه، عمد إلى اعتماد نمط اقتصادي جديد، عبر فرض ممثل وحيد لكل قطاع تجاري أو فلاحي، عبر منح "كريمة"، والدليل أن بالمدن الصغرى ما زال يروج مصطلح "ديبو"، في إشارة إلى أن السلطات الاستعمارية، كانت تمنح لشخص واحد حق بيع منتوجات معينة والمواد الأساسية، ومن هنا بدأ منطق الريع والاحتكار. هل تخلص المغرب من هذا النمط بعد الاستقلال؟ بعد استقلال المغرب، للأسف، لم ننجح في تغيير هذا النمط الاقتصادي والعودة إلى الوضع القديم، والسبب أن المغرب انتقل بطريقة مفاجئة وعشوائية ومعيبة من نظام فيودالي إلى نظام رأسمالي، ليس كما هو متعارف عليه، من حيث ظهور طبقة بورجوازية ستنتقل من عالم التجارة إلى ركوب المغامرة في الاستثمار في الصناعة، إذ ظل الريع والاحتكار سيدي الموقف والدليل أنه في 1972، عندما تم رفع شعار المغربة تم تعويض المعمرين الذين استغلوا أراضي فلاحية كبيرة بمغاربة، وظل الاحتكار سيد الموقف، ومع التطور الاقتصادي الذي شهده المغرب من 1972 إلى 2024، وتزايد عدد سكان المغرب وارتفاع الناتج الداخلي الخام ومداخيل المغاربة، صارت الحاجة متزايدة إلى مواد أساسية، إذ تضاعفت ثروة هؤلاء المحتكرين. كيف ظهر الوسطاء أو "الشناقة" بالمغرب؟ هيمنة عائلة أو اثنتين على نشاط اقتصادي أو فلاحي معين، فرضت أن يكون هناك تحكم مطلق من بداية الإنتاج إلى توزيعه على تجار الجملة أو بالتقسيط، ولضمان هذه العملية والتحكم فيها، دخلت هذه العائلات في شراكات إما مع مقربين منها، أو من أبناء المنطقة التي تتحدر منها، الذين يتولون مهمة التوزيع، وهنا ظل النظام الفيودالي حاضرا، رغم أننا نرفع شعار الرأسمالية. التبرير المقدم في هذا الشأن، وهو معيار الثقة، الذي يعد ركنا أساسيا في التجارة، وبناء على هذا التبرير ظهر الوسطاء أو "الشناقة"، وصار بالتالي كل من يريد اقتناء منتوج معين سواء فلاحيا أو صناعيا أو حتى في مجال الصيد البحري، ملزما بعقد صفقات معهم بدل المنتجين الأصليين، وصاروا "إلكترونات حرة" حسب علم الفيزياء، يتمتعون بحرية واسعة في عقد المعاملات التجارية، إلى درجة أنهم يقتنون ويبيعون منتوجات لم تنضج بعد أو في طور الزراعة، في البيع والشراء والتحكم في الأسواق، وصاروا يتحكمون في السوق ونجحوا في احتكار التعامل مع المستهلكين، بدل المنتجين مباشرة وصاروا المخاطبين الوحيدين من لدن تجار الجملة والتقسيط، يفرضون أسعارهم على الجميع، مستغلين ارتفاع الطلب والمستوى المعيشي المتزايد للمغاربة. لوحظ اختفاء أنماط فلاحية بضواحي المدن، هل لها تأثير على الغلاء؟ من أهم أسباب الغلاء، أننا فقدنا الزراعة المعيشية في أحزمة الحواضر، والتي كانت تسمى "السواني"، صحيح أن إنتاجها كان بسيطا ولكنه يلقى إقبالا كبيرا، وبحكم أن هناك إمكانية لتخزين المنتوجات أو نقلها إلى مدينة أخرى، يحدث لقاء مباشر بين المستهلك والمنتج. في السابق كانت المنتوجات موسمية، حاليا تغيرت المعادلة وصارت تعرض في أي وقت من السنة، مع وجود الوفرة. وكما هو معلوم أن للتخزين والشحن والنقل كلفة مرتفعة، إضافة إلى نسب المتدخلين والوسطاء، والنتيجة ارتفاع أسعار هذه المنتوجات بنسبة قد تصل إلى 300 في المائة، والسبب أنها ساهمنا مواطنين ومسؤولين في تدمير الزراعة المعيشية بسياسات متعمدة، وبعدما كانت تشتهر مناطق بمنتوجاتها من قبيل "الهندية الحداوية" أو "بطاطس أولاد زيان"، بدأت تنقرض هذه التسميات بسبب الزحف العمراني. البعض عزا الغلاء إلى التصدير، هل هذا صحيح؟ المعروف أن مالكي الضيعات الكبرى يراهنون بقوة على السوق الأوربية لتسويق منتوجاتهم، لكن ما لوحظ أخيرا، انفتاحهم على الأسواق الإفريقية أيضا، خصوصا بعد التطوير الذي شهده معبر الكركرات والعلاقة الوطيدة، التي صارت تربط المغرب بالعديد من دول جنوب الصحراء. ما يحدث أن الأسواق الوطنية تستقبل كميات قليلة من المنتوجات، رغم أنها تنتج بوفرة كبيرة في الضيعات والمزارع الكبرى، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل يتجاوز حتى الأسعار المعروضة بأوربا وإفريقيا، لهذا ضروري الرهان على الفلاحة المعيشية، وتمويلها في إطار مشاريع تنموية واجتماعية. في نظرك ما الحل لتفادي الغلاء؟ ساهمت جائحة "كورونا" في ظهور "القفة الإلكترونية"، بسبب غياب التوزيع نتيجة الحجر الصحي. وهي تجربة تبناها فلاحون صغار بهوامش المدن ببيع القفة مباشرة للمواطن عبر مواقع إلكرتونية مع توصيل المنتوجات إليه، وبالتالي تم إسقاط جميع الوسطاء من العملية التجارية، ما يساهم في تراجع الأسعار. لهذا ومن أجل الحد من الغلاء، لا بد من الرهان على الرقمنة، خصوصا في الفلاحة، لأنها على نقيض ما يروج بأنها ستساهم في تفشي البطالة، ستوفر فرص شغل عديدة للشباب، خصوصا في قطاع خدمات التوصيل. ينضاف إلى ذلك رهان الدولة على إصلاح نظام "المربعات" بأسواق الجملة، إذ لا يمكن لشخص ما عرض منتوجاته إلا إذا كان يتوفر عليها، وهي شكل من أشكال الريع، ومواصلة هذه الإصلاحات ستسقط نظام المربعات، وستكون هناك شفافية أكثر ستنعكس إيجابيا على أسعار المنتوجات برمتها. فلاحو أوربا الفلاحة في أوربا ما زالت تعتمد على الفلاحة المعيشية، رغم وجود شركات كبرى، لانها تعتمد النظام الرأسمالي، إلا أن ما يلاحظ هو وجود تداخل وتنسيق بين الشركات والدولة، إلى درجة أن أغلب الحكومات الأوربية قد تجد فيها فلاحين كبارا أو على الأقل تمويل الحملات الانتخابية لحماية مصالحهم، وعندما يقع خلاف أو صدور قرار لا ينصفهم، يتم اللجوء للديمقراطية، إما بالاحتجاج في البرلمانات أو النزول للشارع، إلا أنه في المغرب يحدث العكس، إذ هناك غلاء للمنتوجات بشكل يتعارض مع منطق السوق، بعبارة أخرى رغم وجود وفرة في المنتوجات، إلا أنها تعرض بأسعار مرتفعة، والسبب أن الوسيط أو "الشناق"، يربط بين جميع سلسلة الانفتاح والتوزيع.